د. فايز بن عبدالله الشهري- الرياض السعودية-
على مدى الأعوام الماضية احتشد خصوم المملكة العربية السعودية وراء جملة من التصنيفات الفكرية والسياسيّة التي قدروا أنها ستكون ضمن وسائل إيذاء السعوديين وإرهابهم فكريّا وكانت كلمة الوهابيّة الاستدعاء الأول بوصفها تهمة وذنباً يستوجب التوبة. ولعلّ أبرز من تولى كبر هذه الحملات إعلام ما يسمى "الممانعة" في بيروت ودمشق ومن معه من أصوات طائفية انحصرت مهمتها في تلويث الفضاء بغبارها الملوّث بعقد التاريخ القادمة من طهران وباسم طهران وما حولها. وعلى هذا الأساس "الاتهامي" عُقدت الندوات وأُجريت اللقاءات الإعلامية وسُطرت المقالات التي تحاول إلصاق تهم مثل التطرف والإرهاب بالفكر السعودي (الوهابي) ضمن مهاترات الخصومات السياسية والفكرية الرخيصة. ومن المعروف أن تسمية "الوهابية" جاءت ضمن صراع القوى والمذاهب في ذلك الوقت حيث استنبط المصطلح لتأطير "labeling" هذه الدعوة الإصلاحية الوليدة ومن ثم فصلها عن "سلفيتها" وإظهارها بصفة الطائفة المبتدعة لمذهب جديد حتى ينفر الناس عنها.
ويجد الراصد للفضاء الإعلامي اليوم كيف أصبح وأمسى اسم "الوهابية" مرادفاً للخصومة مع السعوديين وقريناً لمعظم الكتابات والتعليقات المرافقة لحوادث الإرهاب خاصة تلك العمليات التي ترتكبها التنظيمات التكفيرية التي سفكت الدماء واستباحت ديار المسلمين. وبقدر خدمة هذه التنظيمات للمتربصين بدين الأمة وجد خصوم السعوديين في مصطلح "الوهابية" مخرجاً وراحة من استعداء بقية المسلمين ومجالاً لمكايدة للسعوديين.
والملفت للنظر ليس وضاعة الأساليب ولا تربّص الخصوم فهذا ديدنهم ولكن الأغرب هو أن بيننا من بلع الطعم فأصبح في حالة من التنصل والدفاع العاطفي في مواجهة سيل التهم وكأن الوهابية تهمة على جبين كل سعودي لا حركة دعوية تاريخية لها ما لها وعليها ما عليها تعاطت مع محيطها وفق شروط ومحددات ظروفها الزمانية والمكانية.
العجيب أن كثيرين لم ينصفوا (أمانة) التاريخ ناهيك عن إنصاف "الحركة" الوهابية التي ظهرت باسم الدعوة والتجديد.
لا يذكر الخصوم والمجادلون بل وحتى المتبرئون من الحركة الوهابية أن هذه الحركة في بنيتها "الفكرية" الأصلية لم تكن سياسية تستهدف بناء مشروع سياسي. لقد كان الهدف الدعوي واضحاً بسيطاً ويتمثل في تنقية سلوك الناس من "شوائب البدع والشركيات" كما رآها واجتهد فيها مؤسسها الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وكان واضحا أن صاحب الدعوة -الذي تربى ونشأ في حضن أسرة تشتغل بالعلم الشرعي والفتيا- أراد أن يقوم بدور مجتهد مصلح بأفكار تجديدية مصححة لبعض ممارسات وسلوك مجتمعه من حوله التي رآها مخالفة لسنة النبي الأكرم.
وبعبارة أخرى فإن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يكن يسعى حينما بدأ دعوته التجديدية عن "دين" ينصر به "السلطان" بقدر بحثه عن "سلطان" ينصر به الدين. ولعل هذا يفسر رحلات "الشيخ" متنقلاً بدعوته من "حريملاء" إلى "العيينة" طالباً نصرة حاكمها ولما طلب منه حاكم "العيينة" المغادرة بإيعاز من حاكم الإحساء صاحب النفوذ اتجه الشيخ إلى "الدرعية" حيث وجد الحماية والدعم عند حاكمها "محمد بن سعود" وبدا الحلف بنصرة الدعوة وتعميق روح الدولة الناشئة.
وتأسيساً على ذلك فإن الوهابية هذه الحركة التجديدية جزء مهم من تاريخ الدولة والمجتمع السعودي، وأن رموزها بشر من خلق الله أدوا مهمة دعوية تاريخية، وهم وفق شروط بشريتهم هذه غير معصومين ولا يتمتعون بقدسيّة ولن تجد على قبورهم التي لا يُعلم أينها قباباً مرفوعة أو أضرحة تقدم لها النذور أو تشد الرحال إليها.
قال ومضى: كيف تدّعي صداقتي وكلما تربّص بي خصم رأيتك في صفوفه.