عيسى الغيث-
كتاب "كليات القانون والحكم بغير ما أنزل الله" انتشر عند طلاب كليات القانون وشكك في قناعاتهم، وأوشك أن يحول بعضهم إلى فكر داعشي، والبعض الآخر تردد في إكمال دراسته في معرض الرياض للكتاب الأخير لفت انتباهي وجود كتاب بعنوان (كليات القانون والحكم بغير ما أنزل الله)، ولم أعره اهتمامي لاعتقادي بأن الزمن قد تجاوز هذا الفكر، لأتفاجأ بعده بأسبوعين أن الكتاب انتشر عند طلاب كليات القانون وشكك في قناعاتهم وأوشك أن يحول بعضهم إلى فكر داعشي، والبعض الآخر تردد في إكمال دراسته لأن المؤلف حذرهم وخوّفهم وهوّل الأمر لهم، فتسبب الكتاب في بلبلة وفساد علمي وعملي وبالتالي أمني وسياسي، فوجب علي شرعاً أن أهب لإنكار ما آل إليه هذا الكتاب، فنشرت تغريدات في تويتر بشأنه، وبدأت كرة اللهب تتدحرج صانعة لرأي عام وسطي غالب معارض لهذا الفكر، ثم توالت التغريدات من المتخصصين والمحامين في شجبه واستنكاره، ثم جاءت التحقيقات الصحفية والمقالات في الرد عليه، ومن غير الممكن أن يكون الكتاب مكونا من 120 صفحة ثم تكون قراءتي العلمية له بصفحتين من 800 كلمة، ولكن حسبي الاختصار ورؤوس الأقلام وأترك التفصيل لفهم القارئ وكتابات العلماء وأهل الاختصاص والاهتمام.
ومما تضمنه الكتاب مقدمة قال فيها (وإن من أعظم الفتن ظهوراً وطغياناً في هذا الزمان فتنة الحكم بغير ما أنزل الله)!، وهذا اتهام بالفتنة والكفر فمن يعني به؟ كما ذكر الدليل على وجوب التحاكم إلى شرع الله وكأن الواقع ليس كذلك! كما أنه فرق بين الحكم الشرعي وحكم القانون ليثبت كفريته مع أن القانون هنا لا يخالف الشريعة بل جاءت الشريعة بما يدعونا لذلك لأنه من مصالح دنيانا وما لا يخالف ديننا، كما اتهم المقررات القانونية في كليات القانون -معترفاً أنه اعتمد مقررات كلية الحقوق بجامعة الملك سعود بالرياض لبحثه مقرراً- بأنها لا تحقق البراءة من القوانين الوضعية الكفرية وعدم الإنكار لها! كما اتهمها بأنها تعتمد مرجعية غير الشريعة الإسلامية، ثم عقّب المؤلف على ذلك بقوله: (واعتماد مرجعية غير الشريعة الإسلامية في استمداد الأحكام من الشرك بالله) والشرك كفر وردة، كما اتهم المقررات بأنها تقارن بين الشريعة والقانون مقارنة تفضي إلى رفع مرتبة القانون وتشويه الفقه الإسلامي والتنفير منه! كما أوجب تحقيق البراءة من الشرك والكفر بالطاغوت وإظهار ذلك، مما يعني أن جميع ذلك موجود ويجب تحقيق البراءة منه، ثم خلط بين كليات القانون في الخارج وبين الداخل التي لا يوجد فيها أي مخالفة شرعية البتة، ومن التضليل نقل نصوص علماء سابقين ضد القانون المخالف للشريعة ومن ثم تنزيله على واقعنا غير المخالف للشريعة، ولذا بنى المقرظ على كلامه قائلاً: (إنه بحث قيم أحسن فيه مؤلفه، وأجاد وأفاد وأدى ما عليه في "إنكار هذا المنكر العظيم" من فتح كليات القانون وتدريس القوانين، مما يعد خطوة أولى في طريق تحكيم القوانين الوضعية وتطبيعها، وتهيئة النفوس لتقبلها، وما هذه الكليات إلا أثر من آثار احتلال النصارى لبلاد المسلمين، وأما كلية الحقوق في جامعة الملك سعود، وتدريس القانون في كليات الشريعة في الجامعات الأخرى فهو من قبيل العدوى والتبعية العمياء، وقد أنكر جمع من العلماء هذا المنكر الكبير، وبينوا ما يجب بيانه في هذا الشأن الخطير كما ذكر المؤلف أقوالهم، ومعلوم أنهم لا تحصل بهم الكفاية بما مضى من الإنكار ما دام المنكر قائماً، بل يتوسع وتعظم به الفتنة، فالواجب الاستمرار في الإنكار بحسب القدرة، والواجب على حكومة المملكة أن تتراجع عن التمادي في هذا الطريق، وتستغني بتدريس أحكام الشريعة التي بني نظام الحكم في المملكة عليها). انتهى من كلام المراجع والمقرظ الشيخ عبدالرحمن البراك وفقه الله، وهو المطبوع في مقدمة الكتاب، حيث أوصى بنشره و(بمقاومة هذا المنكر) وليس مجرد وجهة نظر تعرض ولا تفرض! وختم بالدعاء بقوله: (نسأله تعالى أن يحبط كيد الكافرين والمنافقين)! ولا أدري من يعني؟ كما أن الشيخ صالح الفوزان وفقه الله قد راجعه وقرظه بقوله: (ليس لي عليه ملاحظات وأسأل الله لكم الإعانة)!
وقد أقر المؤلف القاضي معاذ المبرد وفقه الله بقوله: (وقد اعتمدت كلية الحقوق بجامعة الملك سعود بالرياض بالمملكة العربية السعودية لا لشيء يخصها وإنما كنموذج لكليات القانون) مما يعني أن الكتاب منطلق من واقع سعودي وإلى هدف سعودي وليس مجرد بحث عن كلية في باريس أو لندن أو حتى بيروت أو القاهرة.
وجميع ما كتبه المؤلف غير مطابق لما حذر منه، فمصطلح القانون أو النظام لا مشاحة فيهما ولا أثر للتسمي بهما وإنما العبرة بما يتضمناه من موافقة أو عدم موافقة أو مخالفة أو عدم مخالفة مع الشريعة، كما أن كليات القانون لدينا ليست في شؤون الدين وإنما في شؤون الدنيا وبما لا يخالف الدين، وهو من باب أن الناس أعلم بشؤون دنياهم، وتحقيقاً لصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، حيث تضبط القانون وفق 5 علوم (أحكام الفقه وأصوله وقواعده ومقاصد الشريعة والسياسة الشرعية)، وجميع الكليات ومقرراتها والقوانين ولوائحها بما يوافق الشريعة أو بما لا يخالفها، وهذا من تمام وكمال الشريعة الغراء وليس مخالفاً لها، فضلاً عن أن يكون نفاقاً وشركاً وكفراً باعتباره من الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا التكفير هو عتبة التفجير والاغتيالات و(تبرير) الخروج، حيث قال: (كليات القانون في المملكة تدرس قوانين وضعية) وهو قد حكم بكفرها وردتها وحسم أنه (كفر بواح) كما ورد في الخاتمة (ص 116)! كما حرض طلاب القانون على كلياتهم بعد تضليلهم بهذا الكتاب أنها (طاغوت هذا الزمن وفتنة الملأ)، وأنه (يخشى عليهم الوقوع في الردة!) والله أعلم عن آثار هذا الكتاب المستقبلية واستناد القاعدة وداعش عليه للتكفير وتنفيذ عملياتها مما يوجب على الدولة بمؤسساتها الدينية والأمنية اتخاذ اللازم.