عمان اليوم-
أوضح سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن الصلح بين الدول فيه حقن للدماء وصون للأنفس وحفظ للأعراض والأموال والكرامة، والسعي إليه يجب أن يشغل بال الأمة المسلمة.
وأشار سماحة المفتي إلى أن القتال في سبيل الله يشرع ألا يكون فيه بغي أو عدوان على أحد، وألا يتعدى الذين يقاتلون .. وأن البغاة يجب ألا تستباح أموالهم ولا أعراضهم ولا تسبى ذراريهم ولا تغتنم أموالهم لأن ذلك حرام لا يجوز أبدا وإنما يُقاتلون ليردعوا عن البغي فقط. وأنه عندما تثور الفتن بين العشائر أو الطوائف يصبح الإصلاح لإطفاء تلك الثائرة أمرا واجبا.
وأكد سماحته أن الانتداب للصلح بين المتخاصمين يؤمر أن يبادر إليه المصلح الحكيم الذي يستطيع أن يؤثر على النفوس، ويستل السخائم حتى لا تكون النتيجة عكسية فيفسد بدلا من أن يصلح. وحث سماحته على المبادرة إلى الصلح وأن يرجع الناس في حل مشكلاتهم إلى لجان التوفيق و المصالحة بدلا من أن يترافعوا إلى القضاء لئلا يكون ذلك سببا للقطيعة .. مشيرا سماحته إلى أن تلك اللجان قائمة بدور إيجابي في هذا الجانب .. جاء ذلك في برنامج سؤال أهل الذكر من تلفزيون سلطنة عمان تحت عنوان: «والصلح خير»..
ما قيمة الإصلاح بين الناس في موازين العمل؟
إن طبيعة البشر الخصام والوئام فقد ينشأ بينهم الخصام كما يكون بينهم الوئام وكل واحد من الاثنين قد يحل محل الآخر، فقد يكون وئام يتلوه خصام، وأحيانا يكون خصام يتلوه وئام لأن القلوب تتقلب وما سمي القلب إلا لتقلبه فهو يتقلب من وضع إلى وضع آخر، فقد تأتلف القلوب وقد تختلف، فإن ائتلفت تواءمت وإن اختلفت تنافرت، وتخاصمت ولله الأمر من قبل ومن بعد.
والناس بطبيعة الحال معرضون لهذا؛ لأن مصالح الناس متشابكة منافعهم متداخلة، إذ الإنسان مدني بطبعه، وهو لابد أن يتعامل مع بني جنسه، ومن خلال هذا التعامل الذي يكون بين الناس يكون التجاذب والتدافع، وبالتجاذب والتدافع يؤدي الأمر إلى الخصام والشقاق، والتحزب، بحيث يتحزب لكل جانب من يتحزب، حتى يعم هذا الخصام بدلا من أن يكون بين شخصين أو بين طرفين تدخل أطراف أخرى فيشملهم هذا الخصام.
ونحن نرى أن الله سبحانه وتعالى أمر بالسعي إلى ردم الهوة، وجمع القلوب والتأليف بين الناس، والقضاء على أسباب الخصام فهو يقول: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) .. هذا كله لأجل ردم الهوة بين الناس والقضاء على الشقاق، فإن وقع شقاق بين طائفتين من المؤمنين يؤمر بالمبادرة إلى الصلح بينهما، ومن خلال هذا الصلح يتبين من يكون أرق حاشية وألطف معاملة ومعاشرة من الطائفتين ومن يكون أقسى قلبا وأغلظ معاملة فلذلك إذا نشزت طائفة وأبت الصلح وآثرت البغي على الطائفة الأخرى ففي هذه الحالة تجتمع الأمة أو يجتمع المصلحون على مقاومة هذا الطغيان الذي يكون من هذه الطائفة الباغية ومحاولة استئصال هذا البغي الذي يكون منها بمقاتلة هذه الطائفة .. كل ذلك لأجل الحرص على بقاء الوئام بين الناس.
وأضاف: إن الله سبحانه وتعالى أمر أيضا بالصلح في مواضع كثيرة ولأسباب متعددة عندما يقع الشقاق بين الزوجين يؤمر بأن يصلح بينهما والصلح خير: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)، كل ذلك لأجل الحرص على جمع الشتات وتأليف القلوب ما بين الأزواج حتى يعود الوئام بدلا من الخصام، وإنما أمر بأن ينتدب لهذا الأمر حكمان، حكم من أهله وحكم من أهلها لأن الأهل أعرف بخصاص أسرتهم، فكل احد من أسرة معينة هو خبير بخصائص هذه الأسرة ولأجل ذلك عندما يجتمع اثنان لا يريدان إلا وجه الله سبحانه وتعالى وهما من أسرة الزوج ومن أسرة الزوجة ويسعيان إلى هذا الإصلاح لا ريب أن الله يوفق بينهما ويقضي على هذا الخلاف ببركة هذا السعي الحثيث وكذلك كل ما يكون من هذا النوع عندما ينشب خلاف بين صديقين أو بين شرقين في اي معاملة من المعاملات ينبغي أن يتسارع الآخرون إلى الصلح، فالصلح هو الذي يقضي على هذا الشقاق.
مادام الصلح بهذه الأهمية فلا شك أنه سيفتح قلوب كثير من المسلمين الراغبين في هذا الأجر، فهل هو مشروع لأي أحد أم يحتاج إلى مهارات؟
الأمر يختلف بين وضع ووضع آخر، فعندما يكون هناك خلاف مثلا بين والد وولده وجار وجاره، وأخ وأخيه، وصديق وصديقه فإن الانتداب للصلح بين المتخاصمين مما يؤمر به كل أحد أن يبادر ولكن لابد أن يكون المصلح حكيما أيضا بحيث يعرف كيف يدخل على القلوب، وكيف يؤثر على هذه النفوس، وكيف يستل هذه السخائم من هذه الصدور، لأنه إن لم يكن حكيما ربما كانت النتيجة عكسية فيفسد بدلا من أن يصلح، وإذا كان هذا الصلح بين زوجين مثلا فلابد أن يكون عندهما شيء من الفقه الذي يمكنهما من معرفة الخطأ من الصواب ومعرفة من هو الناشز من الزوجين من خلال دراستهما الفقهية ولذلك كانا حكمين، وكذلك بالنسبة إلى الصلح بين الطوائف المتقاتلة فإن تحديد الباغي من الطوائف المتقاتلة أمر يتوقف على إدراك وعلى فهم وعلى وعي بأحكام الشرع حتى ينزل حكم البغي على من ينزل به.
ذكرتم سماحتكم أن هناك نصوصا تدل على أهمية الصلح .. كثيرا ما يتبادر إلى الذهن الصلح الذي يكون بين الأفراد، فهل هناك ترغيب في الصلح بين الدول وأين موقعه في عالم الصلح؟
لا ريب أن الصلح ما بين الدول فيه حقن للدماء وصون للأنفس وحفظ للأعراض وحفظ للأموال وحفظ للكرامة، والسعي للصلح ما بين الدول من أهم القضايا التي يجب أن تشغل بال الأمة المسلمة لأجل القضاء على الخلاف، ونحن نرى كيف قيمة الدماء في موازين الإسلام .. حيث يقول سبحانه: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)، والناس كثيرا ما يكونون غير منضبطين بضوابط الشرع في قضية القتال، كثيرا ما يتعدون بحيث يقاتلون البريء مع أن القتال في سبيل الله تعالى يشرع ألا يكون فيه بغي وألا يكون فيه عدوان على أحد، وألا يتعدى القتال الذين يقاتلون، فالله تعالى يقول: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
وأوضح سماحته أنه حتى البغاة يجب ألا تستباح أموالهم ولا تستباح أعراضهم ولا تسبى ذراريهم ولا تغتنم أموالهم، فإن ذلك حرام لا يجوز أبدا وإنما يقاتلون ليُردعوا عن البغي فإذن من يتدخل بالصلح بين الدول المتقاتلة لابد أيضا أن يكون على خبرة بالأحكام الشرعية.
عمان منذ زمن بعيد تسعى إلى الصلح بين الدول والجماعات، وفي هذا العصر يسعى جلالة السلطان – حفظه الله – ليكون راعي السلام بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين دول العالم أيضا .. ما المطلوب من العماني كي يتناغم مع هذا التوجه؟
لا ريب أن طبيعة العمانيين منذ قديم الزمان فيها الميل إلى الألفة والميل إلى الرفق والميل إلى العدل والميل إلى القضاء على الشقاق والخصام ما بين الناس فإذن على العماني أن يحس أن هذه التركة خلفت له وعليه أن يحافظ على هذه التركة وأن يكون دائما ساعيا للقضاء على الشقاق والخصام وكل ما يحدث بين الناس مما يفرق كلمتهم ويمزق جماعتهم، وهذه مسؤولية دينية أولا لأن الإسلام يفرض ذلك على أهله، ثم مع ذلك هناك مواريث يحافظ عليها الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر عمان، ما ذكرها إلا بالخير، قال لرسوله الذي ذهب إلى قوم فسبوه وضربوه: لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك .. لماذا؟ لأن من طبعهم الخير ومن طبعهم حب العدل والإنصاف بين الناس.
من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يتبين لجوؤه إلى المصالحة فقد صالح اليهود وأراد أن يصالح غطفان، على ثلث ثمار المدينة وقبل الصلح أيضا من قريش في الحديبية رغم الشروط المجحفة .. هل المصالحة جزء من الصلح الذي يدخل في الأعمال الصالحة؟ أم هو تكتيك سياسي؟
هو بطبيعة الحال بجانب كونه تكتيكا سياسيا هو من البر لأن حقن الدماء أمر محمود عند الله ومحبوب إليه سبحانه وتعالى، والقضاء على الشقاق بين عباده مطلب ديني من مطالب شريعته سبحانه.
هل في ذلك فقه معين يدفع الإنسان إلى أن يتنازل عن جزء من حقه لأجل حقن الدماء؟
لابد من الموازنة الدقيقة والنبي صلى الله عليه وسلم كان مسددا وكان ينظر بنور الله سبحانه وتعالى، والوحي ينزل عليه من قبل الله عز وجل، وقد أدرك عليه أفضل الصلاة والسلام أن هذه الخطة التي رضيها ستعطي ثمارا إيجابية في المستقبل، فلذلك رضي عن الصلح الذي في ظاهره أنه كان إجحافا بحق المسلمين، أما إذا كانت قيادة الأمة الإسلامية ترى أن هذا الصلح فيه إجحاف فلا يمكن أن تدرك هذه القيادة انقلاب الموازين في المستقبل حتى يعود الخير ويعود الظفر إلى جماعة المسلمين، فلذلك لابد من أن يحسبوا حسابا لهذا الأمر. فهذه المسألة تعود إلى تشاور كبير.
التنظير قد لا يتفق مع التطبيق في عالم المسلمين إلا من رحم الله، فالعلماء الذين يذكرون الناس بواجب الصلح وأهميته كثيرا ما يتصدرون مشاهد التأجيج والحرب بين المسلمين .. هل هناك اجتهاد يجعل الصلح مفسدة أحيانا وليس مصلحة؟
أما الصلح الذي هو في حقيقته صلح لا يكون مفسدة .. نعم إذا كان هذا الصلح يؤدي إلى انقلاب موازين الشرع، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل صلح جائز إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.. فإذا كان الصلح يؤدي إلى أن يُحرّم ما أحلّ الله أو يباح ما حرّم الله سبحانه وتعالى فهذا الصلح باطل لا يجوز أبدا لأنه يؤدي إلى قلب موازين الشرع ويؤدي إلى رد أحكام الله سبحانه وتعالى، فإذا كان الصلح يؤدي إلى شيء من ذلك فهو صلح غير مقبول.
لعله من المناسب التعرض للجان التوفيق والمصالحة فهي تقوم بدور كبير جدا في إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر .. هل من كلمة توجيهية للناس قبل أن يلجأوا إلى هذه اللجان وقبل أن يصلوا إلى المحاكم لعلهم يجدون ما يصلحهم؟
على الناس أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن يصلحوا ذات بينهم، كما أمرهم الله تعالى بإصلاح ذات البين وعليهم أن يدركوا أن الحكم قد تترتب عليه قطيعة لأن الحكم يعطي أحدا ويحرم غيره، يعطي من يستحق أن يمنح الحق حسب الظاهر، لأن الحاكم إنما يقضي بما يتبين للناس حتى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لعل أحدكم يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له على نحو ما أسمع» فالحكم إنما هو بحسب الظاهر، فهذا الذي كان الحكم ضده لا ريب أنه يحس بالحرمان، بخلاف الذي كان الحكم في صالحه، ويؤدي هذا إلى الضغينة، ويؤدي إلى القطيعة ما بين المحكوم له والمحكوم عليه، بخلاف الصلح، فالصلح كل واحد من الخصمين ربما ينزل عما يتصوره حقا له، من تلقاء نفسه، توددا إلى الطرف الآخر ورغبة في ردم الهوة ما بين الطرفين، والقضاء على الشقاق ما بين الجانبين يكون الانسجام ويكون الوفاق ويكون بالحب بين الطرفين، بخلاف ما إذا مضى هناك حكم بينهما فإن هذا الحكم قد يؤجج حزازات وخصومات في النفوس، وتستمر هذه الخصومة بينهما، فمن هنا كانت هذه اللجان التي تقوم بالمصالحة قائمة بدور إيجابي ونحن نوصي جميع إخواننا وأخواتنا أن يبادروا إلى الصلح وأن يختاروا الرجوع في مشكلاتهم إلى هذه اللجان بدلا من أن يترافعوا إلى القضاء لئلا يكون حكم القاضي سببا للقطيعة بين الطرفين، فالصلح هو سيد الأحكام، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام .. وكل صلح جائز إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.
الخصومة إذا تجاوزت ثلاثة أيام.. هل هناك موقف شرعي معين؟
نعم .. الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرئ أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما من يبدأ بالسلام) ولذلك عندما يقع خصام بين طرفين فإن على الطرفين جميعا أن يبادرا إلى الصلح وأن يبادرا إلى الوئام ومن سبق من الطرفين أحق بالفضيلة، فلو وقع خصام بين اثنين وأدى الأمر إلى التقاطع خلال هذه المدة، مدة ثلاثة أيام فإن الذي يبادر لزيارة أخيه والتسليم عليه وطلب مرضاته وطلب ألفته هو أولى بالفضيلة من الذي يتباطأ عن ذلك.
عندما نأتي إلى الصلح نجد أن محاولة إرضاء أحد الطرفين بمعسول الكلام وبإثارة العاطفة حتى يتنازل عن جزء من حقه المالي أو الأدبي في حين أن معظم الآيات تأمر بالحكم بين الناس بالعدل، هل الصلح استثناء من العدل؟
لا ريب العدل عندما يكون حكم سواء تقبله المحكوم عليه أو لم يتقبله، أما الصلح فإن المصالحة لا بد أن تكون قابلة للصلح بحيث لا يرغم على قبوله.
النزاعات كثيرة الآن بين الناس لكن قلما يقدم المتمكنون مبادرات.. هل الصلح يتقدم إليه الإنسان إذا طلب منه، أم بمجرد أن يسمع عنه يتدخل؟
أما إذا طلب منه فانه يتأكد عليه أكثر فأكثر، وهو مطلوب من أي احد أن يبادر إليه، لأن الله تعالى أمر المؤمنين بهذا حيث يقول سبحانه: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا …) فكل واحد يمكنه أن يقوم بهذه المبادرة، مبادرة الإصلاح ما بين المتخاصمين، فلا يتوقف ذلك على خصائص معينة، وإن كان لا بد أن يتوفر عنده شيء من المرونة التي تمكنه من القيام بهذه المهمة على أحسن وجه.
هل يجوز الكذب بنية الصلح؟
نعم .. من الأمور التي يجوز فيها الكذب إذا كان الإنسان يرى أن الصلح لا يتم إلا عندما يحاول أن يقرّب وجهات النظر ما بين الجانبين بشيء من الكذب، يذكر للشخص الذي يحاول أن يجتذبه إلى الطرف الآخر أن هذا الطرف يضمر له الخير ويريد له الخير، ويثني عليه خيرا.
هل هناك حدود معينة فربما يلجأ المصلح إلى التضليل في بعض الأحيان ؟
أما الشيء الذي يتجاوز الحد فنعم، فهذه الأمور تقدر بقدر الحاجة.
هناك حديث ينص على أن إصلاح ذات البين أفضل من الصلاة والصيام .. ماذا يعني هذا؟ وهل يسمح بهذا التفضيل .. بالتفضيل بين المسلمين أنفسهم من خلال القرب أو البعد من الصلح؟
نعم .. الصلاة والصيام خيرهما للمصلي الصائم، أما الصلح فإن أثره يتعدى المصلح إلى غيره. ولما كان أثره يتعدى إلى غيره فالعمل الذي يتعدى أثره إلى غيره هو أفضل، ثم عندما يؤدي الإنسان الفرائض التي عليه وكذلك الصيام عندما يؤدي الفريضة التي عليه في الصيام فلا ريب أن ما زاد على ذلك فهو من النوافل، أما الإصلاح بين المتخاصمين فهو من الواجب على القادر عليه الذي لا يكفيه مؤونة ذلك غيره.
في عالم الحياة الزوجية .. يكون بين الزوجين صراع يجد أطراف الأسرة أنفسهم مضطرين إلى الانحياز فهناك عاطفة آسرة تجعل عملية الانحياز ضرورية أحيانا.. هل تعذر الأسر في هذه العاطفة. أم هناك حدود؟
العاطفة إن لم تؤد إلى تجاوز الحق وإلى دفعه وتبرير الباطل، فهي طبيعة في الإنسان لا يمكن أن تقاوم، لكن إذا أدت هذه العاطفة إلى مقاومة الحق وتسويغ وانتصار الباطل فلا تجوز.
هل وظيفة الحكمين الصلح أم الفصل في قضية النزاع؟
وظيفة الحكمين اختلف فيها كثيرا بين من يقول إن مسؤوليتهما إنما هي التقريب ما بين الجانبين، ولذلك أشار الله سبحانه وتعالى إلى التأليف ولم يشر إلى التفريق.. (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)، ومن الناس من نظر إلى كونهما حكمين، والحكم يعني أن ينظر ما هو الواجب وما هو الأليق وما هو الأنفع، فقد يكون الشقاق بين الزوجين يبلغ إلى حد لابد فيه من الافتراق لأجل علاج المشكلة، ففي هذه الحالة بناء على تغليب الحكم على جانب الإصلاح فان لهما أن يفرقا ما بين الزوجين، هذا رأي، وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من بينهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين وهم عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعا رأوا هذا الحكم ونحن نميل إلى أنهما حكمان محكمان.
ما قيمة الصلح في الثائرة التي تكون بين الناس؟
الثائرة يطفأ لهيبها بالصلح، هذا ما يشير إليه القرآن: (وإن طائفتين اقتتلوا..) فالصلح فيه خير كبير عندما تثور الفتن ما بين العشائر أو ما بين الطوائف من الناس فلابد من القضاء على هذا الخلاف والشقاق بالإصلاح ما بين الجانبين فعندما يمكن الإصلاح ما بين الجانبين يصبح هذا الإصلاح أمرا واجبا.