حذر مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سليمان أبا الخيل طلاب جامعته من «دعاة على أبواب جهنم» يغررون بالشبان للالتحاق بما يسمى الجهاد في مناطق الصراع، من خلال ترديدهم لشعارات وعبارات رنانة تأتي على العواطف وتعصف بها، مبينا أنه لو كان ما يدعو إليه هؤلاء صحيحا لقدموا أنفسهم وأولادهم عليه. وأوضح خلال أول لقاء مع طلاب الجامعة بعد عودته لإدارتها بمرتبة وزير عبر أمر ملكي، وذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها في جامع الإسكان بالمدينة الجامعية في الرياض، أن هؤلاء الدعاة الواقفين على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فإنهم يحسنون القبيح، ويقبحون الحسن ويقلبون الحقائق ويدسون السم في العسل عبر وسائل وأدوات ومناهج مختلفة ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت مرتعا خصبا للمتردية والنطيحة.
وقسم أبا الخيل هؤلاء الدعاة إلى قسمين، الأول دعاة للغلو والتطرف والإرهاب، والفساد الذي ظهرت نتائجه في عدد من الشبان ممن ذهبوا ضحية إغراءاتهم وتضليلهم وتزييفاتهم ومزايداتهم دون وازع ديني أو رادع عقلي من خلال ما يلبسونه من الأقوال ويروجونه من شعارات وعبارات رنانة وأباطيل زائفة.
وبين أن القسم الثاني من هؤلاء الدعاة هم من استخدموا المخدرات والمؤثرات العقلية والانحراف السلوكي والأخلاقي فأضاعوا كثيرا من أبناء الأمة وأصبحوا لقمة سائغة لأعداء الإسلام الظاهرين والمستخفين، لافتا إلى أن بعض الشبان يذهب ضحية للمخدرات، وآخرون يقعون في مهالك الانحراف الأخلاقي فيكونون أسرى لمن دعاهم إلى ذلك يستخدمونهم كيفما شاؤوا.
وشدد على أن جامعة الإمام سعت منذ إنشائها إلى استباق مثل هذه الدعوات المضللة، من خلال تبنيها لعدد من البرامج والندوات التي توضح وسطية الإسلام، مؤكدا أن الجامعة ستشهد في الفترة القادمة نقلة نوعية في مناقشة أبرز الموضوعات الجدلية بشكل غير مسبوق وبكل شفافية.
يأتي حديث مدير جامعة الإمام الذي حظي باحتفال واسع من منسوبي الجامعة بعد عودته في وقت مهم تشهد فيه مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا، لاسيما بعد فيلم عرضته قناة العربية يظهر بعض الموقوفين في سجن الحائر ممن ذهبوا ضحية التحريض من بعض الدعاة للسفر إلى مناطق الصراع، وكلفهم ذلك كثيرا من حياتهم، في حين فقد آخرون أجزاء من أجسادهم.
وجاءت العملية الأمنية الاستباقية التي نفذتها قوات الأمن على إرهابيين في استراحة وادي نعمان في مكة أخيرا، وقتل خلالها اثنان من الإرهابيين، فيما فجر اثنان نفسيهما، لتفضح مدى تشبع هذه الفئة بأفكار الدعاة المضللين خصوصا في ظل ما أعقبها من تبريرات الحركيين للإرهاب والتي أثارت موجة من ردود الفعل الغاضبة، بعدما زعموا أنه نتيجة طبيعية للظلم اللاحق بالمسلمين السنة في سورية والعراق، وردة فعل على الظلم وليس فعلا إرهابيا!
وأثبتت حملة «فكوا العاني»، التي انطلقت تزامنا مع الهجمة الإرهابية التي تعرضت لها المملكة من قبل تنظيم «القاعدة» في الفترة ما بين 2003، و2007، أنها ليست إلا معسكرا كبيرا لتصدير الإرهابيين والانتحاريين، الذين استخدمهم تنظيم «القاعدة» من قبل، و«داعش» حاليا. وفيما عزفت الحملة على وتر مشاعر النخوة والشهامة والدين، أكد مراقبون أنها لم تكن إلا نوعا من أنواع الحرب الناعمة، لتجني الكثير من المراهقين الذين تحولوا إلى أحزمة ناسفة، ومفخخات، وكان آخرهم الإرهابي عادل المجماج الذي فجر نفسه بعد محاصرة رجال الأمن له ورفاقه في وكر وادي نعمان، والإرهابي الآخر يوسف السليمان الذي فجر نفسه في مسجد طوارئ عسير في 6 أغسطس 2015.
وصاحب الحملة وقتها تأييد واسع من الغلاة والحركيين في المملكة حتى وقت قريب، إلا أن بعضهم أصبح يؤيد على استحياء، فيما لا يزال آخرون يبررون لهذه الحملات ويدعون لاستمرارها.
فيما يمضي المحامي السعودي عبدالرحمن اللاحم لترتيب أرواق قانونية لدفعها إلى المحكمة، مطالبا بمحاسبة دعاة أدى تحريضهم للزج بشبان في «مستنقع التطرف والإرهاب»، يستذكر مختصون أول ملامح التحريض المباشر في 15 من مارس 2003، عندما وقع مجموعة 33 داعية بيانا يطالب فيه «أبناء الإسلام» بمقاتلة المحتل الأمريكي، ونص البيان على مطالبة حكومات المنطقة بعدم ملاحقة من تورط في أعمال العنف داخل العراق، «هم جادوا بدمائهم وأرواحهم في مدافعة العدوان على الأمة في يوم من الأيام، ولذا فلا يصح أن يكونوا مستهدفين بالسجن والمطاردة».
وكان الدعاة الموقعين على البيان من منهج فكري متشابه، حتى أن المدرسة التقليدية للسلفية لم تكن حاضرة في البيان، ويعزو مراقبون ذلك إلى أن «السلفية التقليدية» في السعودية كانت مدركة للآثار السلبية من مثل تلك الدعوات.
لم يكن للبيان أن يمر بلا حدث، فقد منعت السلطات الكويتية في ذلك الوقت مشاركة الدعاة المحرضين من المناسبات وملتقيات الدعوية الربيعية التي تقيمها تيارات إسلامية جنوب البلاد، ويؤكد عدد من العائدين من العراق بعد أن انخرطوا في جماعات إرهابية، تأثرهم بالبيان الشهير لـ33 داعية.
الدعاة لم يقفوا عند البيان الأول، بل أصدروا في أواخر ديسمبر 2006، بيانا آخر مهره 38 داعية بتوقيعات التأييد، وكانت اللهجة أكثر حدة، فدخل الوتر الطائفي هذه المرة، وباتوا يقسمون العراقيين حسب مذاهبهم، بيد أن قطبي بيان 2003 لم يوقعا على ما ذهب إليه الموقعون.
البيانات لا تهدأ، ولعل أكبر بيان وقعه «المحرضون»، جاء في محفل كبير في مصر إبان حكم «الإخوان»، ودعا مسؤولين في الحكومة الإخوانية ودعاة من بينهم سعوديين إلى الجهاد علانية ضد النظام السوري الديكتاتوري، وجاءت التهاني من الداخل لمن لم يستطع اللحاق بهم لظروف منعه من السفر، اللافت أن أحدهم أنكر أكثر تفاصيل قصتهم في مصر في لقاء تلفزيوني، رغم أن كل ما دار موثق بمنشورات وفيديوهات على الإنترنت.
في أكتوبر، كان الظهور الأخير لبيانات التدخل و«التنديد التحريضية» مثلما يسميها البعض، فقد وقع 55 داعية على بيان شددوا فيه على ضرورة صمود المقاتلين في سورية ضد الطائرات الروسية، رغم أن بعض جبهات المعارضة السورية تحوي مقاتلين غير سوريين، وينتهجون نهجا أصوليا متطرفا كداعش وجبهة النصرة.
أكد مختصون حق التائبين من الأعمال الإرهابية والأفكار المتطرفة الحصول على تعويض مالي ممن غرروا بهم وحرضوهم على الخروج على الأمن ومخالفة النظام ونشروا الإرهاب ولو بعد مضي أعوام عدة.
وأوضح قانونيون أن التأثر بالإرهاب لا يلزم الخروج والمشاركة في الأعمال الإرهابية، «بل يكتفى معه التعاطف والميول النفسي والروحي والذي يجر إلى ممارسة التنظير والتطبيق والدعوة والقيادة لهذا الفكر أو المشاركة بالنفس في الأعمال الإرهابية»، مشددين على ضرورة إدراك أن تهم التحريض لا تسقط بالتقادم.
وقال قاضي الاستئناف السابق وعضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث لـ«عكاظ» أن للتائبين من الإرهاب أو ذويهم بعد الوفاة المطالبة قضائيا بالتعويض من المحرضين على أمن الدولة والإرهاب من الذين غرروا بهم للخروج على أمن الوطن، «إضافة إلى المطالبة بتعزيرهم بالسجن والجلد والحضور لعقوبة الجلد من أجل التشفي مع حق المطالبة بالتعويض المالي».
وأكد الغيث عدم سقوط الحق الخاص في قضايا التائبين ضد المحرضين والمغرر بهم بالتقادم، «لاسيما عند وجود المسوغات لتأخر المطالبة كالجهل والعجز ونحوهما ولا تملك الدولة التنازل، ويمكن المطالبة بالحق ولو بعد أعوام عدة كون الحقوق لا تسقط بالتقادم».
ويرى الغيث أن غالب التطرف والإرهاب والشغب يقوده تنظيمان سريان في المملكة، وأشار إلى تنظيم الإخوان المسلمين والتنظيم السروري (نسبة لمحمد سرور رجل الدين السوري)، مضيفا «غالب كوادر القاعدة وداعش من السعوديين خرجوا من محاضن هذين التنظيمين».
وطالب الغيث بالتكاتف مع جميع أجهزة الدولة لمنع وجود المحرضين على أمن المملكة في أي جهة تمكنهم ومنع التحريض، لافتا إلى أن ذلك يتم عبر إيقاف من يشتبه به من المشاركة في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب ومواقع التواصل الاجتماعي، «وكذلك الإيقاف عن اعتلاء المنابر وإلقاء الخطب التي تحمل عبارات تحريضية هدفها الإضرار بأمن المملكة، فالتبرير اللاحق للإرهاب لا يقل خطورة عن التحريض السابق للإرهاب».
وأكد قاضي تسوية المنازعات بالمحكمة الدولية المحامي الدكتور سعد الوهيبي لـ«عكاظ» ما ذهب إليه الغيث، قائلا «من حق التائب من الإرهاب تقديم دعوى ضد من تسبب له بالضرر وأثر فيه وساهم بإدخاله ضمن الجماعات الإرهابية وتعد الدعوى هنا دعوى جنائية وليست مدنية».
وبين الوهيبي أن من حق أي شخص تضرر من أمر أن يتقدم بدعوى حق خاص ضد من تسبب له بالضرر، وفرق بين الحقين الخاص والعام في قضايا الإرهاب، مؤكدا أن الحق العام هو ما تحركه الدولة ضد من يساهم في التحريض على أمن الدولة ويساهم في إثارة وانتشار الإرهاب وينظر فيه وفقا لنظام مكافحة الإرهاب إذا كان التحريض قد صدر بعد صدور الحكم أو وفقا لجرائم التعزير إذا كان الفعل سابقا للنظام.
وأوضح الوهيبي أن لصاحب الحق الخاص التقدم بدعوى ضرر جنائي لدى الحاكم الإداري ممثلا بإمارة المنطقة التي يسكن فيها ويحيلها أمير المنطقة إلى الادعاء العام الذي ينظر في الدعوى المقدمة والأدلة الموجهة والسماع لمقدم الشكوى، ويحدد الادعاء العام ما إن كانت الدعوى وجيهة وصحيحة من عدمها، مضيفا: «فاذا رأت إمكان السير فيها تستدعي المقدمة الدعوى ضده المتهم لإجراء التحقيق معه، ولها الحق في إيقافه إلى حين النظر في الدعوى من الحكمة الجزائية المتخصصة».
وشدد القاضي السابق المحامي الدكتور صالح الشبرمي لـ«عكاظ» على ضرورة أن يدرك الإنسان أن أقواله وأفعاله معتبرة كونه كامل الأهلية، وأنه مسؤول ومحاسب عن جميع ما يصدر عنه من فعل جرمي، مضيفا أن المنظم السعودي جعل التحريض على الأفكار الضالة والمنحرفة فعلا جرميا يعاقب فاعله، فالدولة تعاقب من يحرض على نشر هذه الأفكار والتغرير بالمواطنين لاعتناق أفكار تهدم ولا تبني وتفسد ولا تصلح ويأخذ الجزاء الرادع لقاء فعله المشين.
ومن ناحية فنية، بين الشبرمي أن الاختصاص النوعي لمثل هذه القضايا محصورة في المحكمة الجزائية المتخصصة، وهيئة قضائية تتولى النظر في محاكمة الموقوفين والمتهمين في قضايا الإرهاب وقضايا أمن الدولة والجرائم المرتبطة بها، والنظر في دعاوى إلغاء القرارات والتعويض المتعلقة بتطبيق أحكام نظام جرائم الإرهاب وتمويله. وقال الشبرمي إن التبليغ عن المحرض واجب ديني ووطني، وأن القضاء السعودي يجرم التحريض على أعمال العنف والانخراط في أعمال وجماعات إرهابية.
في خضم استعار المعارك السورية بين نظام بشار والمعارضة من جهة، وتنظيم «داعش» والمعارضة المعتدلة من جهة أخرى، أطل داعية على شاشة إحدى القنوات الإسلامية في حوار بدا وكأنه محاولة لتبرير تحريض دعاة لشباب والزج بهم في أتون المعركة المدمرة، ليسخف من فكرة التحذير من مشاركة السبان في تلك المعارك.
وقال نصا: «اليوم الأمة بحاجة لهم (الشباب)، كم مات في التزلج وفي التفحيط والدرباوية وفي المخدرات والمسكرات، وتأتي لتخاف (يخاطب منتقده على التحريض) على خمسة أو ستة يموتون فليموتوا، لماذا يخاف من لديه قدرة نوعية ومؤثرة وفاعلة أن يذهب ويموت» ، ليعاود التحريض: «لا خير فينا إن لم نعبئ شباب الأمة لهذا». وفي الثلث الأخير من 2014، شن الإعلامي داود الشريان هجوما لاذعا على من وصفهم بـ «المحرضين» عبر برنامجه اليومي «الثامنة»، وعاد الجدل من جديد، وتداولت الأوساط المحلية القضية لتعيد ذكريات الأشرطة المسجلة «كاسيت» والمحاضرات الرنانة في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ولتربط سبب ذهاب شبان مراهقين إلى أتون الجبهات المشتعلة.
دار سجال كبير بين الشريان وعدد ممن وصفهم بـ «دعاة التحريض»، وخصص الدعاة عددا من الحلقات والبرامج في قنواتهم للرد على الشريان الذي اكتفى بحلقة ثانية، لينهي ما بدأه، بيد أن ما بدأه الشريان لم ينته بإغلاقه للملف، وظلت الاتهامات حاضرة، حتى أن المحامي عبدالرحمن اللاحم تولى مهمة الترافع عن متورطين اثنين في ملف الإرهاب، ليطالبا أمام القضاء بمحاسبة محرضيهم.
عكاظ السعودية-