دعوة » مواقف

أين علماء التجديد؟

في 2016/06/01

في متن عقود متتابعة كانت لغة التحريم تحسم كل جدل حول كل جديد في مجتمعنا حيث كان المشهد المحلي مغلقا بقوة باب سد الذرائع..

تم تحريم "السيكل" أي الدراجة الهوائية، وتم تحريم المذياع، وتم تحريم لعبة البلوت ولعبة الكيرم وبعد ذلك وبسنوات تم تحريم جوال الباندا وتمت شيطنة مسلسل طاش ما طاش.. وبين هذا وذاك تم تحريم قيادة المرأة للسيارة وقبله تم التحذير من تعليم المرأة وتحريم تعلم لغة الكفار أي الانجليزي..

لن اسرد المحرمات ولكن أغلب ما تم تحريمه وعلى مدار عقود متتابعة كان مرتكزه العرف الاجتماعي، وهذا يأتي في سياق ثقافة المجتمعات المحافظة التي تخاف من كل جديد وترفضه خاصة وان مجتمعنا بطبيعته متدين ولولا تقدمية صانع القرار السياسي ووعيه لربما كنا اليوم نعاني من أمية طاغية في المجتمع النسائي وتخلف حضاري في أغلب عناصر المجتمع..

حينما تم دخول المذياع في عهد مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز رحمه الله واجه مقاومة ولكن تقدمية فكر هذا الزعيم ووعيه بحقيقة الخلط عند البعض بين الشريعة والاعراف ساهم في اتخاذ مواقف عالية التجديد قياسا لعصره وواقع مجتمعنا.

إشكالية التحريم فيما عرف بعصر الصحوة لكل جديد ساهمت في اشغال الناس بتفاصيل لا داعي لها وشكلت في مجملها معوقا للكثير من البرامج التنموية، فقد تم اقصاء المرأة تحت مظلة التحريم وفق منظور درء باب المفاسد الذي كان يمثل الخطوة الأولى لأي اختلاف، وإشغال السياسي في عدم الاصطدام بهؤلاء خاصة في مراحل سابقة كان الكثير من عناصر المجتمع يعاني من حالة الرغبة في التفكير والتدبر في الشأن الديني والتشريعي باعتباره حقا مستحقا لفئة معينة دون غيرها.

مشهد التحريم بدأ تفكيكه قليلا بمرور الوقت مع بروز علماء يجددون في الخطاب الديني ولا يخشون الا الله، ما جعل من بعضهم يعيد قراءة تلك الاحكام وفق رؤية علمية تستند للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ما جعل من الدراجة الهوائية وسيلة نقل ومن التلفاز وسيلة تواصل مع الأحداث المحلية والعالمية ووسيلة تثقف في امور الحياة عموما بما فيها سماع ومشاهدة علماء الدين..، ونفس الخطاب المتجدد هو من جعل من الهاتف وسيلة تواصل مع كل طوائف المجتمع صوتا وصورة بعد ان كان شبح التحريم سببا في الخوف من اقتنائه..

خطاب التجديد جعل من قيادة المرأة للسيارة أمرا مجتمعيا بعد ان كان التحريم سببا في رفضه لسنوات..

في الفترة الحالية باتت الكثير من تلك المحرمات تحظى بإعادة نظر وقراءة جديدة تكشف عن انها ليست مما حرم الله ولكنه العرف الاجتماعي الذي سيطر على الخطاب الديني وتحكم في كثير من الفتاوى للأسف، وهنا ارتكب هؤلاء العلماء خطأ في حق انفسهم وحق مجتمعهم، ولعل تباين الفتاوى بين الشأن المحلي والشأن الخارجي يكشف عن ذلك بجلاء، فحين يمتدح عالم ديني تحجب سيدة تركية او ماليزية ويعتبرها امرأة مسلمة محافظة على دينها فيما يعيب ذلك على سيدة سعودية فانه يخضع للعرف وخضوعه هنا ليس خضوعا شخصيا في نفسه وأسرته بل إخضاع الحكم الشرعي للعرف وهنا يأتي عمق الخطأ وخطورته ما جعل كثيرا من الأعراف تدخل في المنظومة الشرعية مع مرور الوقت..

لعل الوقت الآن في أفضل مراحله لتصدي مجموعة من العلماء الشباب لفصل الأحكام الشرعية عن الأعراف والاحتكام لكتاب الله وسنة نبيه بقوة ودون اكتراث بردود افعال الجماهير ومن يحركها من بعض مدعي العلم.

هيا عبدالعزيز المنيع- الرياض السعودية-