مع هلول شهر رمضان الفضيل، يهتم الكثير من أبناء البلدان الاسلامية بالقرآن الكريم قراءة وتعلما. لكن بالنسبة للسلطنة فالاهتمام بالقرآن الكريم هو في الواقع اهتمام كبير جدا على مدار السنة وعلى كافة المستويات وفي كافة انحاء البلاد.
ان مجرد القاء نظرة على الأخبار المحلية في الصحافة العمانية خلال الايام القليلة الماضية يظهر بجلاء الكم الهائل لعدد المسابقات في تلاوة وحفظ القرآن الكريم كاملا او اجزاء منه في كل انحاء السلطنة وعلى كافة المستويات وفي كل الانحاء. فوزارة التربية والتعليم تجري مسابقات القرآن بين مدارسها في كل انحاء السلطنة وتتم التصفية الى مستوى المديريات ثم الى مستوى المحافظات. وليس الامر حصرا على وزارة التربية والتعليم، بل ان هناك المدارس الخاصة والمعاهد وغيرها في المجال التعليمي التي تجري المسابقات القرآنية. فضلا عن بعض المساجد التي تجري مثل هذه المسابقات المباركة. كما ان هناك جهات كثيرة في اجهزة الدولة المختلفة تجري تلك المسابقات، وتعد مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم أبرز هذه المسابقات وأهمها.
ويقوم المسئولون في الدولة بحضور حفلات تكريم الفائزين والمجيدين وحتى المشاركين في تلك المسابقات بشكل يظهر مدى حرص واهتمام اجهزة الدولة بتلك المسابقات وتشجيعها بكل السبل. كما يقوم كثير من الجهات المعنية والشركات الخاصة برعاية تلك المسابقات. كما تحظى تلك المسابقات ايضا باهتمام اعلامي كبير عبر وسائل الاعلام المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة كنوع من التحفيز ونشر اخبار تلك المسابقات للتنويه والتوعية باهميتها وتفاصيلها.
كل ذلك بغية نشر حفظ القرآن بين ابناء السلطنة والمقيمين فيها وغرسها كقيمة وكثقافة تترسخ وتنتشر في البلد. وينتشر هذا الاهتمام بكتاب الله في كل انحاء السلطنة بشكل يدفع كثير جدا من الابناء والبنات الى المشاركة في تلك المسابقات القرآنية. فهناك الطلبة في صفوفهم التعليمية المختلفة يجتهدون في حفظ وتسميع اجزاء من المصحف الشريف. لدرجة انك تجد مثل دوي النحل في كثير من البيوت التي يشارك ابنائها في هذه المسابقات واهتمام كبير من الاهل بها. فهذا اب يراجع لابنائه وتلك ام تراجع وتسمع لأبنائها ما حفظوه من المقرر القرآني عليهم، ويخصصون لهم عدد من الايات او السور التي يكون عليهم حفظها في اليوم، ثم يراجعونها لهم.
اي ان اغلب البيوت تصبح مهتمة بحفظ وتحفيظ القرآن الكريم بين ابنائها وبناتها على حد سواء. وهذا امر لافت قلما وجد مثله في بلدان اخرى. لا نقول ان البلدان الاخرى لا تهتم بتحفيظ القران وتعليمه. لكن ليس بهذا المستوى وهذا الحجم من الاهتمام الذي يشمل اغلب البيوت في السلطنة. وذلك اعمالا بما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه واخرجه البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله»خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
والغرض من ذلك هو حث وتشجيع الابناء على حفظ القرآن الكريم او اجزاء منه وتدبره ومعرفة احكام تجويده وقراءته القراءة الصحيحة وفهم معانيه. وذلك حتى يكون هناك جيل واعي ومهتم بامر دينه الذي ركيزته الاساسية هي كتاب الله عز وجل. فيتم تحصين الابناء بهذا العلم القرآني الرصين بما يمكنهم من التعاطي الواعي والصحيح مع مستحدثات ومستجدات العصر سيما على الصعيد التقني والابتكارات والالكترونيات المتجددة بشكل متواصل وما يعرف بثورة الاتصالات. فضلا عن تحصينهم بذلك ضد الافكار المنحرفة والغلو في الدين ومن ثم التشدد والتطرف الذي ينتشر في كثير من البلدان. والذي بفضل الله سبحانه وربما بفضل تلك التنشئة والتربية القرآنية، وقى الله السلطنة من وجود ما يعرف بالاتجاهات الفكرية المتعصبة والجماعات المتطرفة التي تسيء للاسلام وتشوه صورته النقية الواضحة.
وكان من نتيجة ذلك الاهتمام القرآني الفريد على كافة المستويات وكافة ربوع السلطنة، ان ينتشر السلام والأمن والامان بين اهلها بهذا الشكل اللافت والمميز لها. فلا تجد مشاحنات او خلافات او تشنجات راجعة الى قصور في فهم آيات قرآنية او تأويلها على غير وجهها الحقيقي.
ومن ثم كانت سمعة السلطنة داخلها وخارجها تتمثل في كونها واحة للامن والسلام والاستقرار، بشكل جعلها تجذب الاستثمارات الاجنبية في هذا الوقت الذي تمر به بلدان العالم والمنطقة بضغوط مالية كبيرة نتيجة لتراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي من ناحية وتراجع أسعار النفط من ناحية اخرى» وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» الاعراف 96.
ومع كل هذا الاهتمام القرآني البالغ وهذا الجهد المحمود، إلا أن هناك الكثير من المهتمين بتعليم وتحفيظ ابنائهم القرآن الكريم الذين يتطلعون الى دور اكبر في ذلك من قبل الجوامع والمساجد المنتشرة في انحاء البلاد. وذلك بان يكون هناك دروس تعليمية تقوم على تعليم احكام التلاوة وتحفيظ الابناء ومراجعة ما يحفظونه بشكل يومي منتظم. اي بان يكون الوضع اشبه بما يعرف في بعض البلدان بالكتاتيب المتخصصة في تحفيظ القرآن الكريم. فيمكن هنا ان تقوم المساجد بهذا الدور التعليمي بالغ الاهمية. وذلك أنه ليس بوسع الكثير من الآباء والأهل ان يحضروا محفظ قرآن لابنائهم في بيوتهم. ومن ثم فلو أمكن لوزارة الأوقاف دراسة قيام ائمة المساجد بذلك الدور وحتى لو تطلب الامر دفع اجر رمزي من الابناء الذين يشاركون في تلك الدروس، فان ذلك ربما يكون مفيدا لكل الاطراف. فالآباء يجدون مكانا مناسبا وآمنا لتحفيظ ابنائهم بأجر في متناول ايديهم وفي نفس الوقت يجد الابناء فرصة للتعليم والحفظ بالقرب منهم. كما يكون ذلك مجديا للمساجد ايضا حيث يستفيد القائمون عليها دينيا ودنيويا فيتشجع الامة على القيام بذلك فيقبلون بشكل اكبر على تعليم الابناء. ربما يرى البعض انه هناك بالفعل بعض المساجد التي تخصص حصصا لتعليم القرآن الكريم، لكنها تبقى في النهاية قليلة بشكل يستوجب معه تعميمها ونشرها حتى تعم الفائدة بشكل اكبر.
ومن ثم يتم توظيف المكان وهو هنا المسجد في تعليم الناشئة وأخذ ايديهم الى حفظ كتاب الله او اجزاء منه مع تفسير مبسط لما يحفظونه من آيات كريمة. وفي نفس الوقت استغلال أوقات الابناء ولاسيما وقت الإجازة الصيفية في تعليمهم كتاب الله عز وجل وتحفيزهم على ذلك باقامة مسابقات بينهم يتم تكريمها وتشجيعهم من خلالها. لتتحقق مصلحة عامة يستفيد منها الجميع. ■
” .. يقوم المسئولون في الدولة بحضور حفلات تكريم الفائزين والمجيدين وحتى المشاركين في تلك المسابقات بشكل يظهر مدى حرص واهتمام اجهزة الدولة بتلك المسابقات وتشجيعها بكل السبل. كما يقوم كثير من الجهات المعنية والشركات الخاصة برعاية تلك المسابقات. كما تحظى تلك المسابقات ايضا باهتمام إعلامي كبير عبر وسائل الاعلام المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة كنوع من التحفيز ونشر اخبارت تلك المسابقات للتنويه والتوعية بأهميتها وتفاصيلها.
السيد عبد العليم- الوطن العمانية-