الفجيعة والحزن والألم على الحادثة، التي وقعت في الرياض أخيراً، بقيام توأمين من أصحاب الفكر «الداعشي» بقتل والدتهم ونجاة والدهم وأخيهم من ذلك الاعتداء، الذي لا يمت إلى الطبيعة البشرية بصلة، يطرح عدداً من التساؤلات عن جدية الحلول، التي تم تطبيقها في مجتمعنا لمحاربة وتعرية هذا الفكر الخطر على الأمن والسلم الاجتماعي في وطننا.
لا شك في أن نظامنا التعليمي ومناهجه مازالت تعاني من وجود مواد تهيئ الطلاب للانتظام في هذه التنظيمات، على رغم أن مناهجنا خضعت لتطوير وغربلة، ولكن كما ذكر الأمير خالد الفيصل، الذي تولى حقيبة التعليم لسنوات، قبل أسابيع في أحد البرامج الحوارية أن المشكلة في بعض المعلمين، أو ما يعرف بالمنهج الخفي لهؤلاء، فأين الرقابة عليهم من الجهات ذات العلاقة؟ يبدو أنها غير فاعلة وضعيفة، وتسمح لهؤلاء بالتأثير في عقول بعض الطلاب، وبخاصة في مراحل التعليم المبكرة، وهنا تأتي خطورة دور المعلم في إشكال محاربة الفكر المتشدد في مجتمعنا، قد تكون جهود وزارة الداخلية ناجحة على المستوى الميداني وفي برنامج المناصحة، ولكن تلك الجهود تأتي بعد ارتكاب هؤلاء «الدواعش» لجرائمهم القبيحة بقتل رجال الأمن، وفي الفترة الأخيرة بقتل الأقارب.
بعضنا للأسف يحاولون أن يدافعوا عن مناهجنا وخطابنا الديني، الذي يُستغل من بعض القائمين عليه، لبث وخلق بيئة حاضنة للفكر «الداعشي» في مجتمعنا، ويطرحون أننا تخرجنا من تلك المدارس واستمعنا إلى تلك الخطب في المساجد ولم نصبح من أصحاب هذا الفكر التكفيري، وهذا قد يكون حجة بسيطة، فليس شرطاً أن يصبح الجميع متطرفين حتى نحكم على مناهجنا بالخلل، فنسبة، حتى لو كانت قليلة جداً، كافية للتدمير والاستقطاب لهذه الفئة القليلة من التيارات المتشددة، فلو كنا جميعا متأثرين بهذا الفكر لكانت المصيبة عظيمة.
وهناك من يحاول أن يطرح أن هناك تغريباً ومشروعاً ليبرالياً في المجتمع، وأن هذا التشدد هو رد فعل على ذلك بموجة من التشدد الفكري التي تقود بالنهاية إلى الإرهاب وتدمير الوطن، ومن يستمع إلى هذا الخطاب يتصور أن التغريب واللبرالية مسيطرة على مفاصل خطابنا الثقافي، وانتشرت قبل فترة مقاطع استطلاع لأحد البرامج التلفزيونية من الشارع لبعض المواطنين والمواطنات عن مفهوم اللبرالية وكانت الإجابات مضحكة، وهذا يدل على أن بعض التيارات الإسلاموية السياسية رسخت الخوف والرفض لكل من يعارض مشاريعها السياسية في مجتمعنا.
إذا كانت منظومتنا التعليمية وخطابنا الديني يخرج لنا شباباً بهذا الضعف والانقيادية لأصحاب الفكر المتشدد، فلا شك في أن هناك خللاً ما علينا مراجعته بصدق وشفافية وفي ظروف مفتوحة حتى نصل إلى تشخيص المشكلة بكل حيادية ونضع الحلول لها.
لا أعتقد أن رد فعلنا من استنكار وحزن بعد كل حادثة سيوصلنا إلى بر الأمان، أتمنى أن يكون هناك مراكز بحثية، وبخاصة في جامعتنا لدرس هذه المشكلة، التي نعاني نقصاً واضحاً فيها كما في أغلب الدول العربية.
عقل العقل- الحياة السعودية-