النعامة هي وحدها التي تدس رأسها في التراب لكي لا ترى الحقائق المرّة، ونحن بشر أكرمنا الله بمزايا كثيرة منها نعمة العقل. العقل يقول إن الفيديوهات التي تم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن رجل يتحرش بطفل صغير ويصرّح بشهوة شاذة تجاه ذلك الطفل، يجب إلا تمرّ بسلام. لم تمر صدمة الفيديو الأول حتى خرج لنا فيديو آخر يصور حالة مشابهة لكن بطل الفيلم «إمام مسجد» في هذه المرّة. ماذا سيحدث بعد انتشار هذه الفيديوهات وسكوتنا عليها؟ ماذا سيفعل المتحرش بالأطفال عندما يرى أن أفلامه قد شاهدها أهل المملكة كلهم ولم يحدث له شيء؟ لا شك أنه سيتمادى وسيشجع ذلك غيره فيصرحون بما كانوا يخافون من التصريح به.
لقد كانت صدمة كبيرة لكثيرين منا عندما فوجئنا بمن يحاول تهوين الأمر بقوله إن هذه «ثقافة مجتمعية» وليعذرني هؤلاء أو لا يعذروني، إذا قلت لهم «لا والله ما صدقتم، فدولة سلمان الحزم لا ترضى بمثل هذه القذارة».
ثقافة مجتمعنا السعودي هي ثقافة متدينة محافظة تؤمن بالخلق الرفيع والنبل والقيم الإنسانية العليا، والتحرش بالأطفال واشتهاء الأطفال (Pedophilia) هو جريمة يحرمها الدين ويعاقب عليها النظام. هذه هي ثقافتنا المجتمعية السعودية، مجتمع المسلمين والعرب الذين يشعرون بقرف شديد من مجرد الحديث في مثل هذه المواضيع فضلا عن الدفاع عنها أو محاولة تصوير تلك الممارسة، حتى وإن كانت بمجرد الكلام، على أنها «ثقافة مجتمعية» أي محاولة تطبيع رؤيتنا لهذا الأمر. وما تحاولون تبريره هو ما نسميه «الشذوذ» والشذوذ في أي شيء لا يمثل القاعدة بل هو القليل النادر ولذلك سمي شذوذاً.
هؤلاء الذين حاولوا تهوين هذا الأمر هم بدورهم بحاجة لدراسة ولمراجعة أنفسهم. تخيل أن ذلك الطفل البريء المعتدى عليه هو ابنك أو أخوك الصغير، هل كنت ستقبل باعتذار من هتك طفولته وسحل إنسانيته بهذه الصورة؟! ابنك بدوره سيتحول إلى مجرم متحرش، فعلماء النفس يقولون إن هؤلاء المتحرشين كلهم، تم الاعتداء عليهم في طفولتهم.
في دولة الإمارات الشقيقة هناك عقوبة للمتحرش وهناك تمثيلية قصيرة عُرضت على القنوات توضح عقوبة المتحرش وأنها تصل لـ 15 سنة في السجن. هكذا أصبحت الأمور واضحة وبذلك قلّت نسبة التحرش كثيراً، فالمجرم عندما يعلم أن هناك عقوبة محددة تنتظره ولا مناص دون وقوعها عليه فإنه يُحجم ولا يُقدم. أما إذا كان هناك عدة احتمالات تنتظره فيما لو قارف الجريمة، فإنه ربما أقدم عليها.
أعتقد أنه من الضروري جداً، خصوصاً من وجود شبكات التواصل الاجتماعي التي ستستمر تمطرنا بمشاهد جرائم التحرش، أن يكون هناك قانون واضح وعقوبة منصوص عليها بالتفاصيل الدقيقة لكل حالات التحرش التي يمكن أن تقع، وبالنسبة للحالتين اللتين بين أيدينا الآن فمن الضروري أن تتحرك مؤسساتنا العدلية لاستدعاء الشخصين المتحرشين محاكمتهما. ولا شك أن قضاتنا وفقهاءنا لديهم القدرة على التعاطي مع مثل هؤلاء المجرمين وسن العقوبات الرادعة لهم ولأمثالهم.
خالد الغنامي- الشرق السعودية-