أقدم شابان داعشيان شقِّيان في الرياض قبل عدة أيام؛ على نحر والدتهما الستينية بسكين حادة، ونجا والدهما وأخوهما بعد أن استهدفاهما بالنحر والقتل. السبب هو عزم الشابين على الالتحاق بداعش، وتهديد الأم والأسرة بالإبلاغ عنهما..!
الجريمة تكررت بالصورة ذاتها في اليوم التالي في الكويت، إذ أقدم شاب شقي على نحر أخيه الأصغر منه مدعيًا أنه ملحد..!
وفي اليوم التالي؛ جاء أن جريمة نحر على الطريقة الداعشية ذاتها نفذت في تونس. مع كل جريمة إرهابية من هذه؛ اسأل عن كمية الفتاوى التكفيرية، وحجم اللغة التحريضية، التي تقف خلف هذه العمليات الإرهابية، فطالت هؤلاء الأشقياء، ثم خرجت بهم إلى مسارات شاذة.
ما يجمع بين هذه الجرائم البشعة ضد الأب والأم والأهل من فلذات أكبادهم؛ أنها لأسباب دينية، فالقتلة ينتمون إلى فكر ديني تكفيري متطرف، يستحل دماء المسلمين والوالدين إذا كانوا ضده، أو قاوموا معتنقيه؛ كما حدث مع الشابين الداعشيين في الرياض.
نحن نعرف أن بلداننا وبلدان العالم كافة؛ لا تخلوا من جرائم اعتداء وقتل ضد الأهل والأقارب لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بالشرف، وأخرى تتعلق بحالة القاتل النفسية والعقلية، وعما إذا كان القاتل يتعاطى مخدرات أو نحو ذلك، لكن أن يُستهدف الآباء والأمهات والإخوان والأخوات والمحارم لسبب ديني كما حدث ويحدث بيننا؛ فهذا جديد على مجتمعنا، وحتى المجتمعات العربية من حولنا. وجاء مصاحبًا للصحوة غير المباركة. هذا ما يصعب على الصحاينة نفيه أو التشكيك فيه.
هذه حالة خطرة للغاية. لا ينبغي تجاوزها أو السكوت عليها. هناك أسباب جوهرية تصل بهذا الشاب أو ذاك إلى قناعة تامة؛ بأن الدين الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليس له وجود إلا مع البغدادي وداعش، وأن الدولة الوحيدة التي تطبق دين الله الحق هي فقط: (دولة الخرافة الإسلامية)، وأن ما عدا ذلك من حكام وعلماء ومجتمعات؛ إنما هم ملاحدة وكفرة، يجوز- أو يجب- الخروج عليهم وقتلهم ونحرهم، بالطريقة التي فعلها شقيّا الرياض مع أمهما، وشقي الكويت مع شقيقه.
لن نصل إلى نتيجة مرضية في معالجاتنا لهذا المشكل الذي يهدد المجتمع؛ إذا كنا نتهرب في كل مرة من مسئولياتنا الدينية والاجتماعية، ونرمي بما يحدث بيننا ومن أبنائنا على الغير القريب أو البعيد. تستعجب أو تُصاب بالدوار والغثيان؛ عندما يتصدر المتحذلقون بعد كل عملية إرهابية ينفذها شباب من بيننا؛ لكي يبرروا، أو ينفوا، أو يرموا الجرم على أشباح من خارج الحدود..! حدث هذا ويحدث منذ العملية الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك إلى اليوم، دون خجل أو حياء.
أصحاب الشريط الإسلامي من القُصّاص المؤدلجين؛ الذين فتنوا الشباب بقصص مفبركة عن الجهاد في سبيل الله، وعن الجنة والحور العين فيها، ودعوا للخروج للقتال ونصرة المستضعفين، ودغدغوا المشاعر بحلم: (الأممية والخلافة الإسلامية)؛ التي رآها أحدهم رأي العين من ضفاف نهر النيل..! رآها قادمة من الشام برايات داعش والنصرة..! هؤلاء المحرضون المخربون؛ ما زالوا خارج المساءلة والمحاسبة، وهم الذين يروجون لجهاد (داعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام) كل أسبوع من فوق بعض المنابر في خطب الجمعة، التي تدعو بحرارة للجهاد في (الشام والعراق وأفغانستان والفلبين)، وفي كل مكان.. ثم أضافوا لهذه القائمة السوداء مؤخرًا: (أفريقيا الوسطى)..! في إشارة إلى جهاد (بوكو حرام) على ما يبدو..!
إن معالجة التطرف الديني الذي وصل ببعض الشباب المهزوز نفسيًا وعاطفيًا إلى مبايعة البغدادي؛ والسعي للنفير لدولته الخرافية؛ ثم يستخدم العنف ضد الدولة والمجتمع والأهل لأجل ذلك؛ ينبغي أن تبدأ من مراجعة النصوص الفقهية القديمة والجديدة، التي هي مُنتج بشري غير مقدس، لا يمثل الدين بالضرورة، وله زمانه ومكانه، هذا عوضًا عن نصوص فقهية مسيسة، أنتجتها العقلية الحزبية المعاصرة من جماعة الإخوان ومن ناصرها وسار في ركابها، وأخرى لجماعات مذهبية جاهلة وموغلة في التطرف. وهذا كله تعج به كتب وأشرطة في كل مكان، وله حضور في المقررات المدرسية، وفي حِلق التحفيظ، وخلوات القوم، وله خُدّام مخلصون للمنهج المعاكس الذي لم يعد خفيًا، فمنه ما يظهر في مناشط وعظية ودعوية، وفي مؤسسات تعليمية ودينية كثيرة.
هل نحن مؤمنون حقًا بما يتردد في خطب الجمعة من دعاء ودعوة للمجاهدين والجهاد؛ في الوقت الذي تقوم فيه فكرة: (دولة الخرافة الإسلامية) على الجهاد المزعوم..؟! وتقف الدولة في مواجهة هذا الإرهاب أمنيًا وسياسيًا وإعلاميًا، فهو يستهدفنا جميعًا دون استثناء.
نحن قطعًا لسنا مع هذا التناقض الظاهر في الخطاب الديني، لا دولة ولا مجتمع، ومن يدعو للجهاد اليوم؛ ويستمطر دعاءنا لها ويستلب عواطفنا معه؛ هو كذاب أشر، حتى لو كان بيننا جسدًا؛ فقلبه مع: (الدواعش والقاعديين والنصريين والبوكيين)، الذين لا شغل لهم إلا قتل الأبرياء، ونحر الأقرباء، وإراقة الدماء.
حمّاد السالمي-الجزيرة السعودية-