فجع مجتمعنا المحلي قبل أكثر من أسبوع بجريمة نكراء أقدم عليها توأمان يعتنقان الفكر الداعشي بقتل والدتها رحمها لله، والاعتداء على والدهما وشقيقهما بوحشية متناهية لم يعهدها مجتمعنا من قبل.
وتفاوتت التحليلات والاستنتاجات خلف الأسباب والدوافع لمثل هذا العمل الإجرامي، فمنهم من حمل المناهج التعليمية، ومنهم من حمل الخطاب الدعوي الجهادي والتكفيري وغيرها من أسباب ودوافع أخرى لا يتسع المقام لذكرها.
والواقع أن مثل هذه الجريمة تتطلب تشخيصا دقيقا لما حدث ومن ثم وضع الحلول والعلاج المناسب لأنها وإن كانت حالة فردية فإنه يخشى أن تتكرر، ولا سيما أن الظروف مواتية.
ومن وجهة نظري فإنني أستبعد أن يكون للمناهج التعليمية دور فيما حدث، فالتوأمان يدرسان في إحدى المدارس الخاصة بالعاصمة الرياض، وخلال دراستهما لم يظهر عليهما أي مظاهر تطرف أو نوازع عدوانية، ولكنها الآفة الكبرى والسم الزعاف، ألا وهي وسائل التواصل الاجتماعي (الشبكة العنكبوتية) التي نجحت في التأثير على عقول وأفئدة الشباب وأفسدت أخلاقهم ودفعتهم إلى الخروج على ولاة الأمر والتطاول على العلماء والتمرد على الأسرة، ومن ثم أصبحوا أشد تطرفا من الخوارج، وأضيف إلى ما سبق الدور السلبي لوسائل الإعلام بشتى صورها وأنواعها مما أدى إلى تأجيج الصراعات الفكرية بين أطياف المجتمع وانشغال كل طرف بالآخر، والمستفيد الأكبر من هذا الأمر هم الأعداء المتربصون بالدين والوطن، وللأسف الشديد لم تقم وزارة الثقافة والإعلام بما هو مطلوب منها في هذا الأمر، وهو وضع خطة استراتيجية للمرحلتين الحالية والمستقبلية يتم من خلالها مواجهة التحديات الحالية ورسم سياسة إعلامية تعمل على تعزيز الانتماء للوطن، وتغرس في نفوس أبنائه الألفة والمودة، وتجرم أي عمل يؤدي إلى المساس بثوابت الدين أو التأثير على نسيج الوحدة الوطنية وتماسكها.
ومن يشاهد البرامج الحوارية والمسلسلات، وبالذات الرمضانية، يدرك خطورة بعضها من خلال ما يتم بثه، ويمكن الرجوع إلى مقاطع اليوتيوب وغيرها لكي يدرك الجميع الآثار السلبية لذلك، فإذا كنا تألمنا وحزنا أشد الألم والحزن على قتل والدة التوأمين بطريقة وحشية، فعلى الجميع أن يدرك أن أحد الممثلين المشهورين أدى دورا في مسلسل شهير وبثت الحلقة خلال شهر رمضان، يقوم هذا الممثل بصفع والدته على وجهها وبكل برود، ومثل هذا المشهد يرسخ في أذهان المشاهدين بالذات الناشئة المعجبين بهذا النجم وما يصدر عنه من تصرفات سلبية، ومن ثم يقوم البعض بتقليده، وكل هذه الأحداث والمشاهد تنعكس سلبا على كل من الفرد والأسرة والمجتمع، كما أن من الأهمية بمكان تفعيل دور كل من وزارة التعليم (من خلال المدارس والجامعات)، والهيئة العامة للرياضة بتوجيه الشباب واحتوائهم وإشغال أوقاتهم بكل ما هو مفيد، وأن يتم التنسيق في ذلك مع هيئة كبار العلماء ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، فالبرامج الوقائية الحالية قد تكون غير كافية في ظل هذه المستجدات، وأعجبني تفسير الدكتور فاضل السامرائي لقوله تعالى: (يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه) حيث يرى أن المجرم لا يمكن أن يفتدي بوالديه لأن ذلك سيغضب ربه، فالله سبحانه وتعالى أمره بالإحسان إليهما، فكيف يفتدي بهما. فما بالنا اليوم بمن قتل أحد والديه، وبأي وجه سيقابل خالقه.
محمد العقلا- مكة السعودية-