دعوة » مواقف

لا حل إلا بتعديل المناهج

في 2016/07/05

أكتب الآن وبقلب مثقل بالأخبار الدموية، فبعد أن صدمتنا صرخات "تكفى يا سعد" استيقظنا مرة أخرى على جريمة أبشع وأفظع وقعت في حي الحمراء بمدينة الرياض. شابان لم يبلغا العشرين من العمر، توأمان يتفقان على قتل والدتهما ووالدهما وشقيقهما، ليتلقفهما بالمسؤولية وبكل فخر هذا التكوين الإرهابي الداعشي الذي جدد للعالم نمطا وحشيا قديما اعتقدنا أن الحضارة والتقدم وما صاحبها من مبادئ إنسانية متطورة، قد قضت عليه إلى الأبد.

جدد "داعش" في ذاكرتنا البشرية كل البدائية والعنف اللذين اعتقدنا أنهما قد غابا بدرجة كبيرة عن عالم اليوم، أعاد إلينا صليل السيوف في صوت إطلاق المسدسات، وطعنات السكاكين، ولهيب النيران في صوت تفجير القنابل، أرجع "داعش" البشرية بمجملها إلى براثن الجاهلية.

قبل أيام طالب عضو مجلس الشورى عبدالكريم السعدون وزارة التعليم بالسعي إلى تطوير شامل في المناهج المدرسية، مشدداً على أن تسعى المناهج المدرسية الجديدة إلى خلق إنسان معتدل ومتوازن.

وأنا هنا أرى أن سببا كبيرا لمشاكلنا هذه أتى عن طريقة ونوعية تعليمنا لصغارنا في مدارسنا، يكبر أبناؤنا معتمدين بشكل يكاد يكون تاما على القص واللصق حتى يجتازوا الاختبار بنجاح، يكبر أبناؤنا متفادين الكثير من الأسئلة، متحاشين الدخول في كثير من الأبواب العلمية والفلسفية، ذلك أن المناهج تحوطهم بألف خط أحمر، تربطهم بألف ممنوع، تكبلهم وتقيدهم بألف حرام.

نعم ليست المناهج سوى سبب واحد من أسباب عدة في هذه المشكلة، لكن تعديل المناهج وتغييرها ربما ينقذان ما يمكن إنقاذه، فيخففان من وقع التعنصر والتطرف اللذين يرزح تحتهما الكثير من أبنائنا. أقولها بكل وضوح لا بد من إعادة النظر في المناهج الدينية وأهمية مراجعتها وتنقيتها من الشوائب التي تتعارض مع قيم حقوق الإنسان، التي حث عليها ديننا الإسلامي، ومن هذه الشوائب الغلو الديني، الذي يتمثل في تحريف المفاهيم، وإفراغ الأحكام الشرعية من مضامينها، والابتعاد عن مقاصد الدين وأهدافه. ومن الشوائب أيضا كراهية المختلف في الدين والمذهب، ومراجعة مفهوم الجهاد، والنظر إليه بطريقة متجددة، وأنه الجهاد ضد التخلف والجهل، ولا يكون الجهاد الحربي إلا إذا حصل عدوان على الدولة والشعب.

نعم، الحل في نظري يكمن في نقطتين: أولا، تغيير منظومة تدريس مناهج التربية الدينية في المدارس وتجديدها لتعريف الطلبة بأديان العالم المختلفة، والمذاهب الإسلامية برمتها، منهجية جديدة تعتمد في جوهرها على قيم حقوق الإنسان والتسامح والأخلاق.

ثانيا، زيادة الجرعة الفنية في المناهج من خلال تعليم أدوات الأداء المسرحي في تعليم المقررات الدراسية، وتدريس الطلاب الموسيقى والرواية وصناعة السينما والدراما، وتعريفهم بالحركة الفنية التشكيلية، كل هذا من شأنه أن يفتح أبواب قلوبهم المؤصدة، ويقدم لهم الآخر المختلف في أجمل وأرق صورة، يجمعهم بالعالم بلغة يفهمها الجميع، هكذا تتفتح آفاق الجيل الجديد وتنمو لديه قدرات التميز والإبداع. هكذا سيكون لدينا بعد 10 سنوات من الآن جيل جديد، لطيف الحوار، مرتفع الثقافة، متفتح الأفق. عندها ستتحسن لغة الحوار، وتتهذب النقاشات التويترية، وتخف حدة الشحن العنصري، كل هذا سيأتي لأن الجيل أصبح متذوقا للفن والأدب.

أخيرا أقول: من الضروري مراجعة المناهج وتطويرها، انطلاقا من حاجات داخلية حيوية، واستجابة لمتطلبات التنمية ومواكبة لمتغيرات العصر بتعليم قادر على مواجهة التحديات، ومؤهل لتحصين الناشئة من أفكار التطرف والقتل.

علي الشريمي- الوطن السعودية-