كما أن هناك لصوصا يسرقون وعي الناس يوميا بالرسائل النفسية غير المباشرة في سوق «الإعلانات التجارية» لتسويق بضاعة أو خدمة ما، فإن هناك لصوصا كبارا أيضا يسرقون وعي المجتمع بالتلاعب بـ«المصطلحات اللغوية» وتوظيفها في سياقات نفسية هدفها أدلجة العقول وجر البسطاء إلى دوائر فئوية وحزبية وربما تحويلهم إلى قنابل موقوتة تهدد مجتمعهم ووطنهم دون أن يشعروا بذلك.
برع الحركيون الإسلامويون خلال العقود الأربعة الماضية في لعبة التوظيف النفسي للغة وفرضوا بتغلغلهم في المجال الدعوي ورقابتهم للحراك الاجتماعي مصطلحات مخادعة للناس وكثير من وسائل الإعلام من صحف وإذاعات وغيرها، ونجحوا في ذلك بشكل غير مسبوق تاريخيا نظرا لبساطة الوعي الجمعي في العالم العربي الذي ترتفع فيه نسبة الأمية الثقافية والميل الاجتماعي نحو كل ما هو ديني وغيبي.
وصف مثل «أهل الدين» تجده شائعا جدا بين العوام، وقد تم تفصيله في العقلية الجمعية على مقاس فئة قليلة من الناس لها صفات شكلية محددة، مع أن «الدين» ليس طفلا تائها يبحث عن أهل، وإن افترضنا صحة تركيب العبارة فإن كل مسلم في شرق الأرض ومغربها هو من «أهل الدين» سواء أطلق لحيته وقصر ثيابه، أو خالف ذلك، فالدين ليس ملكية خاصة لجماعة دون أخرى، لكن هدف من كرس المعنى الضيق لهذا الوصف هو خلق فئة متمايزة عن الناس واستجلاب الامتيازات الاجتماعية لها، ومنحها قدسية هلامية غير مشروعة، ولذلك نجد عادة أن أي مثقف ينتقد سلوك جماعة متطرفة أو فتوى ضالة سرعان ما يتعرض لمهاجمة العوام مسلوبي الوعي، متهمين إياه بمعاداة «أهل الدين»، ولو استوقف هذا المثقف أحد هؤلاء المسلوبين وسأله عن معنى «أهل الدين» وإن كان يقصد أن غيرهم من المسلمين يُعتبرون من «أهل اللادين» فسوف يسبب له «مغصا دماغيا مؤلما» ويفجر غضبه كرد فعل على وضعه أمام جهله وجها لوجه دون استعداده لذلك.
من الأمثلة الأخرى على توظيف مصطلحات ذات دلالات نفسية في غير سياقها لأهداف أيدلوجية ما يردده المتعاطفون مع شيوخ الإرهاب عند القبض عليهم، فلا يقال مثلا «القبض على الإرهابي الفلاني» وإنما «اعتقال الشيخ أو الداعية الإسلامي» ولا يوصف بـ«السجين» أو «الموقوف» بل يصفه المتعاطفون معه بـ«الأسير» سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر الدعاء له بقولهم «اللهم فك أسره» وهو وصف يُستخدم لأسرى الحرب بين دولتين أو قوتين عظمى، والهدف النفسي من استخدام هذه المصطلحات تصوير الفئة الإرهابية كقوة موازية للدولة لا عصابة صغيرة خارجة عن القانون، وخلق حال ذهنية مشوشة لدى الجهلة تصور الدولة في حال حرب مع الإسلام، بل إن هؤلاء المارقين ابتدعوا حملات بشعار «فكوا العاني» وقد تورط في دعم هذه الحملات عدد كبير من الجهلة والمغيبين اتباعا لبعض رموز الحركيين ثم تبين أن «العاني» هو وصف مضلل لـ«الإرهابي الوالغ في دماء الأبرياء».
هناك الكثير من التلاعب اللغوي/النفسي في أدبيات التنظيمات الإسلاموية لاستلاب وعي الشعوب وبالطبع لا تكفي المساحة هنا لحصر هذه الألاعيب، لكن على المختصين التنبه جديا للحرب «النفسلغوية» إن جاز التعبير ومواجهتها بالسلاح ذاته، والعمل على إيقاظ الوعي الجمعي من الاستلاب قبل مكافحة الإرهاب أمنيا.
هاني الظاهري- عكاظ السعودية-