نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تحقيقاً حول نشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، أجراه الصحفي الأمريكي «بن هوبارد» الذي زار المملكة والتقى بالعديد من الشخصيات السعودية، ركز فيه على نشاط ما أسماه «التيار الليبرالي الإسلامي»، في مواجهة المتشددين.
وركز التحقيق على أراء «أحمد قاسم الغامدي» مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة سابقاً، المثيرة للجدل، حيث وصفه الصحفي الامريكي بأنه «رجل الدين المنفتح والعضو السابق في الهيئة الذي انهالت عليه تهديدات القتل وتعرض لحملة استئصالية».
واستعرض تحقيق «نيويورك تايمز» ما وصفها بأنها تجربة مقاومة التطرّف والتحول تجاه الوسطية في السعودية من خلال نموذج «أحمد قاسم الغامدي» الذي وصفته الصحيفة بأنه «صاحب آراء منفتحة خاصة فيما يتعلق بالاختلاط وحجاب المرأة وصلاة الجماعة وقد قاده البحث إلى أن الإسلام في بداياته كان أكثر تسامحاً».
وتناول التحقيق عدة جوانب أخرى ووصف المملكة بـ«الدولة الوهابية المنغلقة التي تمارس القمع ضد المرأة وتحث على التكفير في مناهجها التعليمية»، وحرص على وضع صورة لسيدات يقفن على الجانب الآخر من القاعة بعيدا عن الرجال في معرض أمريكان إكسبريس بمدينة في الرياض في مارس/آذار الماضي، لإظهار التفرقة بين الرجال والنساء ومنع الاختلاط.
التهديد بالقتل عاقبة الدعوة إلى «إسلام ليبرالي»
وجاء عنوان تحقيق الصحيفة الأمريكية الذي نشر في 10 يوليو/تموز الجاري مثيرا بشكل واضح، حيث أظهر من يدعو لأفكار تحررية في السعودية ولو من العلماء بأنه مضطهد ويعاني من تهديدات بالقتل وسط مجتمع متشدد مغلق، مركزا على حالة «أحمد قاسم الغامدي».
وأشارت الصحيفة إلى دور «الغامدي» كأحد رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابقين في التشكيك في القواعد التي تسير عليها الهيئة، والحديث عن أنها تخالف القرآن وقصص النبي محمد وأصحابه.
ومن أشهر آرائه التي تخالف ما يجري وتشرف عليه الهيئة، أنه يرى أنه ليست هناك حاجة لإغلاق المحلات للصلاة، ولا يجب منع النساء من قيادة السيارات، ففي عهد النبي، ركبت النساء ظهور الجمال، الذي هو أكثر استفزازية من ركوب النساء المحجبات للسيارات.
وأشارت الصحيفة إلى قيام «الغامدي» باستفزاز معارضيه بالذهاب إلي محطة تلفزيون والظهور مع زوجته وهي تبتسم للكاميرا لأنه لا يؤيد إخفاء الوجه. وقالت إنه منذ ذلك الحين وهو يواجه هجوما من زملائه، ومكالمات غاضبة علي هاتفه المحمول وتهديدات بالقتل من مجهولين على تويتر، كما وصفه شيوخ بارزون بأنه مغرور وجاهل ويجب أن يعاقب.
زيارة تحدي
وأكد الصحفي الأمريكي إنه ذهب إلى المملكة العربية السعودية لاستكشاف الوهابية، التي هي «نمط محافظ متشدد من الإسلام السني الذي غالبا ما ينحى عليها باللائمة في تأجيج التعصب في جميع أنحاء العالم، ورعاية الإرهاب»، بحسب قوله.
وأضاف: «قضيت أسبوعا في الرياض، وجدة وغيرها من المدن أتحدث مع الشيوخ وأئمة المساجد وأساتذة الجامعات الدينية وغيرها كما حاولت الكشف عن طبقات من المجتمع المغلق الخاص»، مركزا علي وصف حياة السعوديين والفصل بينهم في المطاعم وارتداء النساء للعباءات.
ويزعم التحقيق أنه يجري داخل المملكة، قمع كل الديانات الأخرى، وأنه ليس هناك أي كنائس عامة، ونقل عن سعوديين أنهم يقارنون بلادهم بالفاتيكان، قائلا إنه مكان فريد من نوعه بالنسبة للمسلمين.
كما نقل الصحفي عن مسؤولين تحدث معهم استياءهم من تشويه الإعلام الغربي لصورة المملكة في الخارج، وتأكيدهم أنهم يؤيدون «الإسلام المعتدل»، ساخرا من أن هذا «الإسلام المعتدل» الذي يقصدونه هو قطع رؤوس المجرمين علنا، وعقاب المرتدين ومنع النساء من السفر إلى الخارج دون إذن من ولي الأمر، ومنع حقوق الشواذ.
وركز الصحفي الأمريكي على لقاءات مع أطفال وفتيات وسيدات محاولا إظهار أنهم لا يحتفلون بعيد الميلاد ويعتبرونه حراما، وأنهم يفضلون قراءة القران.
التكنولوجيا تهدد الدين
ويحاول التقرير الإشارة لتعارض حياة رجال الدين مع التكنولوجيا، وأنه رغم تعاملهم على تويتر، وفيس بوك وسناب شات، فإن المفتي، أعلى مسؤول ديني في الدولة، كان يرفض في السابق كل شيء جديد تقريبا باعتباره «يشكل تهديدا للدين». كما يشير إلى سعي الحكومة للسيطرة على الآراء الدينية عبر مؤسسات الفتوى الرسمية، ويصف فتوى أصدرتها الدولة، تحرم إنفاق المال على منتجات بوكيمون لأنها «تعاون على الإثم والعدوان» بأنها مثيرة للضحك.
ويشير الكاتب إلى أن الحكومة تسعى توظيف المزيد من النساء ولكن جهات الفتوى الحكومية تعتبر بالمقابل أن عمل النساء مع الرجال في مكان العمل الموحد يؤدي إلى «تدمير المجتمعات».
ويعقب الكاتب بأن التسامح مع الآراء المتعارضة لا يحدث في المجتمع السعودي. وأنه رغم ذلم، فإن الحكومة بدأت تنفذ بعض الخطوات الإصلاحية التي سبق أن طالب بها «الغامدي»، حيث يجري تقليل نفوذ الشرطة الدينية وإعطاء حرية أكبر للمرأة في العمل.
«نيويورك تايمز»-