بعد مجزرة نيس الإرهابية التي ارتكبها التونسي محمد لحويج تعالت أصوات بعض المحللين مؤكدة أن هذا المجرم ليس مسلما، إذ أنه عرف بتعاطي الخمور وأكل لحم الخنزير وهي صفات لا تنطبق على مسلم ملتزم بضوابط الدين الإسلامي، وطار فرحا بهذه المعلومة كثير ممن يحاربون ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، لكن سرعان ما انقلبت الأمور بعد أن تكشفت معلومات جديدة عن الإرهابي، تتمثل في أنه لجأ إلى التدين في الفترة الأخيرة من حياته وانزلق إلى التطرف بسرعة كبيرة قادته لارتكاب جريمته التي هزت العالم.
من المعروف أن نجاح تنظيم «داعش» في تجنيد الأتباع حول العالم يرتكز على تقديم «حل الخلاص لهم» من متاعب الحياة والانتقال لحياة جميلة في عالم آخر بسرعة فائقة، وهذه مسألة تجذب المضطربين نفسيا كما يجذب الضوء الفراش خصوصا أولئك الذين يعانون من الاكتئاب الشديد أو مرحلة متقدمة من أعراض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب التي تدفعهم للتفكير في الانتحار، ويبدو أن «لحويج» كان يعاني من اضطراب نفسي شديد دفعه إلى هذه النهاية، فالتنظيم كما أسلفت يقدم للراغبين في الانتحار وصفة تبدد مخاوفهم من المصير الذي سيواجهونه بعد مغادرتهم هذا العالم شرط أن ينفذوا الجريمة التي يأمرهم بها على عكس الإسلام المعتدل الذي يحرم الانتحار ويجعل مصير المنتحر جهنم.
لنتخيل الآن نسبة جهلة المسلمين الذين يعانون من مشاكل نفسية حول العالم ويفكرون في الانتحار ويبحثون عن حجة تجعل مصيرهم الجنة بدلا من النار.. إنها نسبة مخيفة بلا شك تشكل لداعش ملعبا رئيسيا لتجنيد الأتباع بسهولة، وسبق أن أشرت في مقالات أخرى إلى أن هذا التنظيم متفوق في «الإدارة النفسية» لجذب كل المضطربين حتى أولئك الذين لم يصلوا لمرحلة التفكير في إنهاء حياتهم حتى الآن، فـ «التطرف الديني»، في حد ذاته نتيجة حتمية لبعض الاضطرابات النفسية وأحيانا الجنسية والعقلية.
في قصص «نساء داعش» اللواتي هربن من دولهن للاقتران بالإرهابيين صور واضحة للاضطرابات النفسية، فقبل عقد من الزمن اشتهرت أكاديمية سعودية تدعى «و. ي» بالهرب من المملكة إلى العراق في رحلة مثيرة مع أطفالها للزواج من زعيم القاعدة هناك حينها الإرهابي الكبير «أبو مصعب الزرقاوي» الذي تعرفت عليه عبر مواقع جهادية إلكترونية، وقد لقيت مصرعها معه لاحقا نتيجة قصف أمريكي على مخبئهما ولم يكشف مصير أطفالها حتى اليوم، والأرجح أنها كانت تعاني من اضطراب يوصف عاميا في الولايات المتحدة بـ «حالة بوني وكلايد» وهو نوع من الشذوذ يتمثل في «اشتهاء المجرمين»، إذ أن المرأة المصابة بهذا المرض لديها كامل الاستعداد لخوض مغامرات غير متوقعة وعبور حدود الدول وبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق رغبتها المجنونة، وكثير من المجرمين المشاهير المتهمين بجرائم بشعة في أوروبا والولايات المتحدة يتلقون باستمرار رسائل من المعجبين خلال فترة سجنهم، من ضمنها رسائل غرامية وجنسية من المصابات بهذا الاضطراب.
هاني الظاهري- عكاظ السعودية-