أكد فضيله الدكتور محمد حسن المريخي أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى التثبت واستيضاح الأمور لكثرة المخرفين والمبتدعين ودعاة جهنم والمفترين على الله ورسوله والخائضين في الحلال والحرام والزندقة والإلحاد وظهور فرق الكفر والإلحاد كهؤلاء الذين يسمون أنفسهم عبدة الشيطان، وانتشار المخدرات والمحرمات والمجرمين الذين يوردون الشباب موارد الهلاك ويغررون بهم .
وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده خيرا وفقه ورزقه التأني والتثبت في كل أموره وما يعرض له وجنّبه الاستعجال والتسرع في الحكم على الأشخاص والأشياء.
وأفاد فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد عثمان بن عفان بالخور بأن في التبين والتثبت نجاة وسلامة وفوز كبير.
مشيرا إلى أن المسلم يعرف من التبين، الحلال من الحرام ويسلم من التقول على الله بغير علم ويسلم من الزلل وينجو من البدعة وسوء المنقلب، وما وقع الناس في البدعة إلا عندما أهملوا استيضاح الأمور وما يعرض عليهم.
وعرف د. المريخي الأناة بأنها التثبت وترك العجلة، مشير إلى أنهم قديما قالوا: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وبعضهم قال: التثبت من الله والعجلة من الشيطان، والإنسان فيه الغضب والعجلة مركبة فيه، ولكن أعطاه الله تعالى القدرة على التحكم فيها وربطها ومنع نفسه منها متى شاء، يقول تعالى (خُلق الإنسان من عجل) ويقول (وكان الإنسان عَجولا) قال الحافظ ابن كثير : يعني ضجرا لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء .
وبين فضيلته أن الإنسان المسلم إذا كان من أهل التبين واستيضاح الأمور يشار إليه بالثبات ورجاحة العقل والتوفيق والسداد وسلامة التفكير وثقة النفس وسلامة الدين والمعتقد.
وقال إن تبين الأمور فيها حفظ للأرواح وصيانة الدماء ووقاية المجتمع من مخاطر التسرع والفضائح وتشويه السمعة، ويبعده عن الهواجس والشكوك ويحفظ حقوق المسلمين.
الاستعجال خفة بالعقل وتخبط بالفكر
لافتا إلى أن الاستعجال في الأمور ومعالجة الأحوال والبت فيها بسرعة دليل على خفة العقل وتخبط الفكر ولذلك يشار إلى هذا بأنه عجول لا يصلح لحل المسائل والمشاكل وينصح الناس بعضهم بعضاً بتركه والحذر منه والبعد عن مشاورته وفساد معتقده وتفكيره
مضيفا أن في الاستعجال زلات ووقعات وسقطات ما ينهض منها إلا أن يشاء الله تعالى.
ونوه إلى أن للاستعجال مآسي عديدة وقال "كم من بيت تخرب وكم من سمعة شوهها الاستعجال وكم من مظلوم بسبب عدم الاستيضاح والتوثق منها.. كم من أسرة تهدمت وكم من أرحام تقطعت وكم من أخوّة تهتكت" .
وأضاف: "إن استعجال الأمور يكفيها أنها مخالفة صريحة لشرع الله ورسوله، وإن استيضاح الأمور يكفيها أنها امتثال للشرع وتشبه بالأنبياء والصالحين والنتائج الإيجابية والثمرات الجميلة التي تقتطف" واستشهد بقوله تعالى (وكان الإنسان عَجولا) مضيفا أن الله تعالى في هذه الآية يخبرنا عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه وولده، أو ماله بالشر أي بالموت والهلاك والدمار واللعنة وغير ذلك فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا) ولما جاءهم الرسول بالحق من ربهم وقع في نفوسهم سرعة الانتقام منه واستعجلت ذلك نفوسهم وقد جاءهم بالهدى والنجاة والسلامة.
وقال بأنه لعاقبة التأني الحميدة وعاقبة التبين والتثبت من الأمور السعيدة وخطورة الاستعجال وعواقبه، أمر الله سبحانه بالتأني واستيضاح الأمور قبل الإقدام عليها أو الولوج فيها، ونهى عن الاستعجال فقال (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا -وفي قراءة فتثبتوا- أن تصيبوا قوما بجهالة ... أي أنه إذا جاءكم من ينقل الأخبار فتبينوا منه وتثبتوا من الخبر ولا تستعجلوا في قبوله، فقد يكون كاذبا مغرضا فتقعون في الإثم والخسارة والمؤاخذة.
وقال عز وجل (يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا).
ولفت إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة ليأتي بزكاة بني المصطلق فخرج إليهم فلما كان في منتصف الطريق خاف ورجع وقد خرجوا له لاستقباله ومعهم الزكاة، فجاء إلى رسول الله وقال: إنهم منعوا الزكاة فغضب رسول الله وحدث نفسه بغزوهم، فجاءوا إليه وأخبروه بالحادثة وأنزل الله (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .....) الآية .
وتابع قائلا، وغضب النبي عليه الصلاة والسلام ولم يرض عن فعل أسامة بن زيد رضي الله عنهما عندما قتل الذي قال: لا إله إلا الله السلام عليكم) مظهرا إسلامه ومعلما إياهم أنه مسلم فقتله متأولا أنه إنما قال هذه الكلمة خائفا من السيف والقتل فأنزل الله معاتبا الصحابة ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا .......) رواه البخاري ومسلم.
قال القرطبي : إن الله في هذه الآية أعاد الأمر بالتبيّن مرتين للتأكد بأن الله كان بما يعملون خبيرا، تحذيرا عن مخالفة أمره فاحفظوا أنفسكم وجنبوها الزلل الموبق لكم .
التثبت .. منهج رباني
وأشار إلى أن الله سبحانه قد أخبر أن إبراهيم عليه السلام تبرأ من والده الكافر بعد التبين، ولما كان التثبت منهجا ربانيا مأمورا به، فقد عملت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإبراهيم عليه السلام ما زال يتبين من أبيه وحاله حتى عرف كفره وعناده ثم تبرأ منه (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) وهو منهج الصحابة الكرام وخيرة الأمة فهذا عمر رضي الله عنه يخبره رسول الله عن فضل أويس القرني ومكانته فيبحث عنه ويتبينه بين الناس حتى عثر عليه فأخبره بخبر رسول الله.
وأضاف قائلا: ويأتي ماعز الأسلمي إلى رسول الله ليقيم عليه الحد يخبره أنه وقع في الفاحشة فيتبين رسول الله أمره ثلاث مرات يسأل عنه أصحابه يقول لهم (أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل، من صالحينا فيما نرى حتى أمر به بعد الثالثة فرجم) ويشتكي أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وكان واليا عليهم في عهد عمر رضي الله عنهما، يشتكونه بأنه لا يحسن الصلاة، ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في الرعية، فتبين عمر من سعد، فبيّن له سعد كذب وافتراء هؤلاء فقال له: الظن بك يا أبا اسحاق، يعني هذا الذي أظنه فيك أنك صاحب سنة وإمام وتعدل بين الخصوم وهو كذلك رضي الله عنه، ثم دعا سعد على من تزعم هذه الفرية عليه وهو رجل يسمى أبو سعدة، فقال: اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره وأدم فقره، وأعم بصره وعرّضه للفتن، فكان راوي الحديث جابر بن سلمة يقول : فأنا رأيته بعد ذلك شيخا كبيرا قد سقط حاجباه على عينيه يقف في الطريق فيغمز الجواري فيقال له، يعني ما هذا الذي أصابك، فيقول : شيخ مفتون أصابته دعوة سعد.
واختتم أن أكثر الناس لا يتبينون أمورهم وما يعرض عليهم ولا يتثبتون من الأخبار التي ترد إليه ولا من حلال وحرام وبدعة وسنّة، وجائز فعله وغير جائز بل يندفعون إلى الاستجابة إلى الداعي دون تثبت أو دراسة فلذلك الواقعون كثيرون في البدعة والحرام والخطأ والزلل، فاتقوا الله يا أمة المسلمين وتثبتوا فإن عدوكم الشيطان يغرر بكم فاحذروه.
وكالات-