تفاعل عدد من الكتاب والمثقفين مع مقالة علي حرب عن نهاية الإسلام السياسي المنشورة في الزميلة «الحياة» في عددها رقم (19465) كون الإرهاب آخر أوراقه التي لعب بها وأحرقها. مؤكدين أن تعزيز الوسطية وتوطين الاعتدال وإبعاد الغلاة عن مواقع التأثير تؤدي لزاما إلى إنهاء الإسلام السياسي.
ومن جهته، يرى عضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث أنه «لا حل إلا بالوسطية والاعتدال، وليس باستفزاز غير المتطرفين؛ ليصطفوا مع الغلاة بسبب هذه الحلول المتطرفة التي تريد تنحية الدين وتجاهل نصوصه»، مشيرا إلى أن «العلماء الحقيقيين لديهم الحل بالقراءة الصحيحة للكتاب والسنة وفق تاريخ الفقه ومداخله، وأحكامه وأصوله، وقواعده ومقاصده، وسياسته الشرعية».
ويذهب الكاتب الدكتور علي الخشيبان إلى أنه «في القرن الأول من انطلاقة الإسلام تحددت الكثير من المعالم السياسية وتشكلت أبنية وأنساق مجتمعية وعسكرية عدة ساهمت في بناء صور سياسية وتشكيلات طبقية وفكرية»، وعزا ذلك إلى تأخر «الأبنية العلمية وبناء التراث الإسلامي حتى نهاية القرن الثاني عندما بدأ جمع السنة النبوية الإسهام في بناء وجهي الإسلام الفكري والسياسي بشكل متفاوت، إذ ساهم القرنان الأول والثاني من الإسلام في بناء صورة سياسية وصور عسكرية بحتة لم تكن مندمجة بصور تراثية أو علمية لتفسيرات الإسلام المتعددة التي أحدثها جمع السنة بعد نهاية القرن الثاني». ولفت الخشيبان إلى أن «القوة الصلبة في التاريخ الإسلامي والمواجهات السياسية والتحولات العسكرية والطائفية سبقت القوة الناعمة التي تمثلت في جمع السنة النبوية ونشوء التيارات الفكرية»، مضيفاً أنه «من الطبيعي أن يتأثر جمع السنة بكل المكونات السياسية والعسكرية والطائفية التي سبقته بقرنين من الزمان، ما أسهم في بناء هويات إسلامية متأثرة بالصراع السياسي والعسكري والطبقي الذي ساد العقود الأولى من الإسلام».
ويرى الخشيبان أن «الإرهاب كعمليات عنف منتج عالمي ليس له علاقة بالأديان في تعريفه العام، ولكن الأزمة التي تواجه المسلمين اليوم تكمن في أن الإرهاب ليس تعبيراً حديثاً لواقع متداول، فاللغة الفكرية التي بنيت عليها فكرة الإرهاب لدى المسلمين ذات جذور تاريخية تعيدنا دائما إلى اللحظات الأولى من معارك المسلمين وأزماتهم السياسية»، مؤكدا أن «الموقف التاريخي تصعب مناقشته في مساحة مفتوحة، فقد تأصل تاريخ المسلمين مع كل أسف وفقاً لمواقف فكرية واتجاهات وليس مسارات عقدية». وأبدى الخشيبان خشيته أن تستمر قدرات الجماعات المتطرفة في لعب دور أكبر في تجنيد الشباب انطلاقاً من معطيات تاريخية يصعب علينا مناقشتها، لأنها أصبحت عبر التاريخ مسلمات عقدية أكثر من كونها تفسيرات علمية لعلماء مجتهدين في زمنهم.
فيما قال الكاتب عمر فوزان الفوزان: من السهل الممتنع أن نتبنى حلولا تتجاوز اللامعقول كونها غير قابلة للتطبيق. وأضاف: لا يخفى على أحد أن علي حرب كمفكر عربي لديه رؤية فكرية منها ما هو ذو طابع منطقي عقلاني ولكن ليس كل مرة يتوافق المنطق والعقلانية في الطرح كونه في هذه المرة أوجد الحلول وفق المستحيل وليس وفق الممكن. ويرى الفوزان أن نسبة الإرهاب والتطرف الحاصل للدين تمثل سقطة لمفكر كبير كونه لم يتطرق لما خطط له الغرب كي يضمن مصالحه بسهولة، فهو من بارك للثورة الإيرانية وساعد في نشوء الصحوة السنية كي يتحول العالم الإسلامي إلى كيانات ثيوقراطية ليس همها الحياة بل همها ما بعد الموت كي يضمن الغرب مصالحه النفطية بأبخس الأثمان ويضمن بقاء الدول الإسلامية مستهلكة لا منتجة. وعزا إلى دور التنوير نشر التسامح بين أتباع الديانة المسيحية حتى إقرار حرية الاعتقاد التي ساهمت بشكل كبير في انحسار الإرهاب المسيحي وانتهاء مرحلة مظلمة في تاريخ المسيحية. مضيفا «صحيح أن تنظيم داعش الإرهابي شدد قبضته على مدن عراقية وسورية واستخدم أبشع وسائل الإجرام إلا أن حرب لم يتطرق للتحالف الدولي ضد هذا التنظيم الإرهابي الذي يدك حصونه كل يوم وبالتالي أضعفه وقلل خطره». مشيرا إلى أن «حرب لم يتناول صحوة العالم الغربي عندما فقد النابض مرونته كونهم هم من صنع هذا النابض حفاظا على مصالحهم».
وذكر الفوزان أن «التنظيمات الإرهابية لا تمثل إلا نسبة قليلة جدا وأسلوب التعميم سقطة مفكر، فالمفكر لا بد أن تكون رؤيته وفق الموضوعية والمصداقية والشفافية». وأبدى الفوزان تحفظه على مناداة حرب بطمس واستبعاد النصوص وكان الأحرى أن يطالب بإعادة تفسير النصوص بما يتوافق مع المعاصرة كون التعرض للثوابت في الديانات يعد من المستحيلات فالفتاوى التكفيرية قابلة للنقض للحد من الإرهاب. ويرى أن كل ما يحتاجه المسلمون يتمثل في إقرار حرية الاعتقاد بين المذاهب الإسلامية والديانات والمعتقدات وعزل الدين عن الدولة وضمان الحقوق والحريات والكرامة بدلا من نسب كل ما يحدث للإسلام. مضيفا أن «العيب ليس في الديانات السماوية الثلاث بل في الفهم الخاطئ لها». وأن كل الأديان قابلة للإصلاح والتنوير وإزالة ما علق بها من الشوائب، خصوصا أن الآيات القرآنية تدعو للتسامح والوسطية والمحبة والإنسانية.
د. حمزة السالم- عكاظ السعودية-