دعوة » مواقف

الطائفية... إشعال الفتنة النائمة

في 2016/08/01

أعتقد بأن البحث في قضية الإشعال والاشتعال متأخر جداً وشائك التفاصيل في الوقت ذاته، لكنه في المقابل صالح للطرح وتستوجبه الظروف وحالات الطوارئ التي تعترض طريق الالتحام ووضع اليد في اليد من أجل مستقبل آمن للجميع، نتجادل في البدء عند مفترق طريق الطائفية على الولاء، لكن الولاء بالعقل والمنطق لا يقبل أنصاف الحلول حين تأتي مفردة الوطن، ومنها وإليها نصل ونتفق، وعلى رغم جدية وحدة الصراع الطائفي بين «السنة والشيعة»، لكن الواقع يفصح عن أن التصادم المختلق نتاج لفعل فاعل، واجتهادات قوى وأجندات خارجية بغية مطامح متباينة لن يتم الحصول عليها إلا عبر زرع فتنة مرتبة من ذوات العيار الثقيل حتى يصبح الشرخ مناسباً وملائماً لبث الخطط الرديئة وإدخال المهمات الخبيثة.

لن يقبل مواطن صالح أن تتم المزايدة على وطن تنفس وألِفَ هواءه، وتراب أدمن الركض عليه، إلا إذا باع عقله وأرخى أذنه للخائنين ورضي أن يداس ضميره بأحذية بالية لا ترحم أحداً، وعند كل هذه الحالات فالوجع واحد والجرح متشابه ولا ضرر سيستثني أحداً دون أحد. المصلحة والرقي بيننا لن تكونا إلا بالتعاون والتعايش والاتحاد والصمود ضد أي عناصر تخريب أو تجييش للرأي العام، ولن يحدث ذلك إلا متى تفاعلت العقول الهادئة والمتزنة وعدوة التشنج وتقاطعت من كلا الطرفين لاستئصال وقطع يد من يحاول ثقب جدار الوطن، وهتك لُحْمَتِه ولو بثقب إبرة.

الابتزاز والتخريب والتخوين والتجريح فواصل خطرة في مسيرة التواصل والالتقاء، وستزيد المسافة الزمنية لمشاريع البناء الموحدة، وتضيف كثيراً من الجراح إلى مجتمع متماسك لم يألفها ويدرجها إلى قواميس تعاملاته اليومية، ولم يحضرها إلى ميدانه، وهو الذي يتعايش باندماج وتداخل لا مثيل له. تعايشنا سنين طويلة «سنة وشيعة» على امتداد الخريطة من دون أن يحرك فينا متطاول أو عميل شعرة خلاف أو اختلاف ومن دون أن يشغل جل أوقاتنا بمماحكات رديئة وحالات متقطعة من التشنج والصدام ووضع الأيدي على القلوب، تعايشنا وعشنا سنين طويلة من دون أن نسمح لفتيل الفتنة أن يزرع ولا يولد، لنضرب بهذا الأنموذج في التقارب والتواد، عشنا سنين طويلة من دون أن يتقاذف عقلاؤنا ويتشاجر سفهاؤنا ويتقاتل البلهاء من أجل زلة فتّان أو غلطة سفيه، عشنا وتعايشنا بأحزان مشتركة، وأفراح وهموم متبادلة، وأياد مجتمعة على قلب واحد نابض.

أعلم أن الطائفية ليست وحدها المُقْلِق الوطني في ظل وجود وتربع أخواتها الصغار «القبلية والمناطقية والعصبية»، لكن القلق الكبير «الطائفية» له أيد طويلة، وعيون بصيرة تعرف كيف تنثر السم، وعلينا أن نقف حائط صد مخلص لقطع الأيادي وتقليم الأظافر إن طالت ووضع حد رؤية مسموح به للأعين المتلصصة أو فقئها إن تدخلت في شؤون الغير، وهذا لن يتحقق إلا إذا استوعبنا حجم المستفيدين من إشعال فتنة «الطائفية» المقيتة، وأدركنا أن الشراكة تستلزم تفعيل الحب والخوف على الأرض وفداحة الطعن في الظهر. انتهت المساحة ولم ينته الحديث.

علي القاسمي- الحياة السعودية-