دعوة » مواقف

ما لم تتعلمه السعودية من تاريخها حول «تنظيم داعش»

في 2016/08/09

منذ تسمية نفسها بـ«الدولة الإسلامية» بعد أن كانت سابقا تصف نفسها بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، حاول عدد من المحللين تتبع النشأة السياسية والتاريخية والعقائدية للتنظيم. في هذه المقالة أود أن ألفت الانتباه إلى بعض أوجه الشبه الكبيرة بين تنظيم الدولة الإسلامية وإخوان السعودية، وهم مجموعة أخرى من «المتطرفين» الذين ضموا أعداد كبيرة من السكان في منطقة الشرق الأوسط بين 1912-1930، وتحولوا في النهاية للعمل ضد رئيسهم، وهو «عبد العزيز بن سعود»، مؤسس المملكة العربية السعودية التي نراها اليوم. فبعد سنوات عديدة من العمل معا لتعزيز المصالح المتبادلة: سعى «ابن سعود» لإخضاع الجزيرة العربية لرسالة الإخوان لبفرض التفسير الصارم للإسلام على مجتمعاتها.

وفي سعيه لاستعادة حكم الأجداد، استهل «ابن سعود» (1875-1953) حملة عسكرية ساعدته بنجاح في عام 1902 في قهر الرياض ومناطق كبيرة في نجد، المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية اليوم.

وتطلب طموح «ابن سعود» لغزو الأراضي الشاسعة جيشا قويا وموالين. ولذلك، بدأ بتجنيد البدو العرب ضمن صفوف طائفة دينية متشددة تدعى الإخوان. وحول نمط الحياة البدوية إلى العيش في مجموعات تسمى الهجر. يشتق المصطلح من الكلمة العربية (الهجرة)، بما لها من قوة من حيث الاحتجاج بهجرة النبي محمد من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. وتعرض البدو لتعليم ديني دقيق وفقا لتعاليم «محمد بن عبد الوهاب»، مؤسس المدرسة الوهابية في الممارسة الإسلامية، والتي هي في الوقت الراهن تعتبر منهج دين الدولة في المملكة العربية السعودية. وأصبح الإخوان جيش «ابن سعود» الذي لا يقهر، الذي قاتل معه في جميع أنحاء الجزيرة لمحاربة «الكفار»، وهذا يشمل جميع الجماعات الإسلامية التي لا تعتقد بتفسيرات غير الوهابية.

مثل تنظيم الدولة تماما، ظلت نشأة الإخوان كحركة غامضة ومثلت لغزا محيرا للمراقبين الأجانب وليس فقط منافسو «ابن سعود»، مثل الملك «حسين» من الحجاز، الذي لم يكن متأكدا من هوية الجماعة. ولكن حتى البريطانيين لم يتمكنوا من الحصول على الحقائق الصحيحة عنها على الرغم من علاقاتهم الوثيقة في المنطقة وقدرتهم على اختراق المجتمعات. وكما أشار الضابط السياسي البريطاني في الكويت الذي كان في زيارة إلى المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، فإن كل الجهود للحصول أي معلومات مفصلة حول الإخوان ذهبت عبثا حيث رفض الناس الحديث. وكان من الواضح أن شخصا ما مع سلطة أعلى ونفوذ أكبر أعطاهم أوامر بالتزام الصمت. وأضاف أنه يفترض أن يكون «ابن سعود» نفسه.

توجد نظريات متضاربة فيما يتعلق بولاء الإخوان كما هو الحال مع تنظيم الدولة، ويعتقد أن الإخوان كانوا موالين للأتراك، في حين أن الأمير «فيصل بن الحسين» (لاحقا الملك فيصل الثاني ملك العراق) قال أنهم كانوا على صلة مع البلاشفة، كما كشف أرشيف وثائق المخابرات البريطانية، وقد شارك هذا الرأي الأخير بعض المسؤولين البريطانيين في المنطقة.

هذه الشكوك تفتقر دائما لدعم الأدلة وتبقي ضعيفة أمام الأدلة التاريخية القوية التي تشير إلى دور «ابن سعود» باعتباره الراعي المؤسس للإخوان. حيث اقتنع رجل الدين الوهابي، أنهم كانوا في حالة من الجهل بالدين الصحيح وكان لابد أن يحملوا نظام الاعتقاد المرغوب: والذي يجمل تفسيرا حرفيا للإسلام وعداء لجميع غير المؤمنين.

 وقد حظر هؤلاء بعض الممارسات مثل التدخين والذهاب إلى المنجمين وجميع ممارسي السحر، ودمروا كل المباني المرتبطة بقبور الشخصيات الدينية بصرف النظر عن أهميتها التاريخية.

يكمن التشابه الكبير الآخر بين تنظيم الدولة والإخوان في تعصبهم الشديد. حيث ركز الإخوان في استهداف أقاربهم في الدم، الذين اعتبروهم من غير المؤمنين، قبل استهداف الغرباء. ومؤخرا قام أفراد تنظيم الدولة بقتل إخوانهم، وآبائهم، وأبناء العمومة. وعندما سيطروا على المجتمع، فإن كلا الفريقين تصرفا على حد سواء في إنفاذ القوانين. وتم تطبيق القواعد على جميع الناس. لم يتم إجراء أية استثناءات تحت أي ظرف من الظروف المخففة. كان لا يعتبرون الجهل بالشريعة الإسلامية عذرا لانتهاكها. وكانت هذه واحدة من الأسباب الرئيسية في تحول الإخوان ضد رئيسهم، «ابن سعود»، عندما اعتبروا براغماتيته رأفة وعندما منعهم من مهاجمة المجتمعات الأخرى، ناهيك عن الشعور بتوجهه إلى تحسين العلاقات مع الغربيين المسيحيين في المنطقة.

حقيقة تحول الإخوان ضد «ابن سعود» لا تلغي مسؤوليته باعتباره الرجل الذي نقلهم للخروج من الحياة البدوية، وأطلق العنان لغضب وحماس هؤلاء لسفك الدماء والنهب لسنوات عديدة، واستخدامهم لتحقيق الانتصارات. واليوم، وجدت المملكة السعودية الحالية في تنظيم الدولة أدوات مفيدة جدا لإضعاف أعدائهم (رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الأسد).

ودعمت السعودية المسلحين في العراق إلى سوريا واليمن وجنوب آسيا بالمال ودعم وسائل الإعلام، والدعم السياسي، والعقيدة الدينية القاتلة، ناهيك عن إمدادات كبيرة من الشباب السعودي المتشدد الذين انضموا إلى مجموعة متنوعة من المنظمات «الإرهابية» في جميع أنحاء العالم. وقد أفيد أن تنظيم الدولة حصل على ما يصل إلى 40 مليون دولار في الفترة بين 2013-2014 من رجال الأعمال والعائلات الثرية والجهات المانحة الأخرى في السعودية وسائر دول الخليج.

إن الدرس التاريخي هو أن «ابن سعود» أبقى على الإخوان، بمباركة من نفس العلماء «المتشددين» الذين يملكون أيديولوجية جاهزة لبث جولة أخرى من الرعب كلما يصبح ذلك ضروريا، سواء كان لمواجهة السوفييت الشيوعيين في أفغانستان أو إيران والشيعة في الشرق الأوسط.

إن حملة النظام الملكي السعودي الحالية لإدانة تنظيم الدولة بمساعدة نفس العلماء الذين تشكل فتاواهم الأساس الرئيسي لقواعد اللعبة التي يمارسها التنظيم قد تكون بلا جدوى، بما يعني أن دورة حياة «الإرهاب» ستبقى دون انقطاع.

لقراءة المقال من المصدر الأساسي اضغط هنا

ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-