دعوة » مواقف

زولي: (الصحويون) كفروا المجتمع ونفذوا العمليات الإرهابية

في 2016/08/23

في كل أسبوع تستضيف «عكاظ» مغردا في «تويتر» وتجلسه على منصة المواجهة ثم ترشقه بالأسئلة المضادة والمشاكسة.. هو حوار ساخن هنا كل يوم ثلاثاء، وضيفنا هذا الأسبوع هو الشاعر إبراهيم زولي الذي أصدر حتى الآن ستة كتب شعرية آخرها «حرس شخصي للوحشة» الصادر العام الماضي عن المركز الثقافي العربي في المغرب، فيما له كتاب ماثل للطبع هو أشبه بسيرة أدبية. ولزولي إسهامات ثقافية مهمة في الملتقيات والمنابر الإعلامية.

• تقول إن من ينتظر المؤسسات الثقافية «واهم» وتصف مطبوعاتها بـ «المكدسة في غرف مظلمة لا يدخلها غير العناكب»!.. أستاذ إبراهيم هل يليق بك هذا الهجوم القاسي على مؤسسات احتضنتك وقدمتك وطبعت كتبك أيضاً؟ هل لديك أسباب موضوعية لهذا النقد الحاد؟

•• مؤسساتنا الثقافية بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة. ومثال ذلك هذه الأندية الأدبية التي مر على تأسيسها ما يربو على 40 عاما، وهو زمن يعتبر كبيرا جدا في عمر أي مؤسسة تعنى بالشأن الثقافي، ولا يزال ما تقدمه لا يليق بالدعم اللامحدود الذي تتلقّاه سنويا، علاوة على الملايين التي حصلت عليها كهبات «عشرة ملايين ريال من الراحل الملك عبدالله، ومثلها من خادم الحرمين الملك سلمان» كل هذا ولا يوجد لدينا منجز ثقافي نفاخر به أشقاءنا في الدول الأخرى، في الوقت الذي تجد فيه مؤسسات عربية ميزانيتها لا تتعدّ عُشْر ميزانياتنا، وإنتاجهم الثقافي أضعاف ما هو موجود عندنا، كمّا وكيفا. بالتأكيد هناك خلل ما، ويجب إيقاف هذا الهدر المالي غير المبرر.

الزندقة والعمالة

• نشرت قبل أيام في صفحتك في «تويتر» صورة للمفكر الراحل إدوارد سعيد وهو يرمي حجرا من الحدود اللبنانية باتجاه إسرائيل.. ماذا أردت من هذه الصورة؟ هل كنت ترمي حجراً تجاه الانكسار العربي الذي يحدث حالياً للقضية؟ وفي رأيك لو كان إدوارد سعيد حياً هل سيعمد إلى رمي ذات الحجر في راهن اليوم؟

•• المتابع للشأن السياسي، يرصد تراجعا ملحوظا فيما يخص القضية الفلسطينية، ولم يعد قتل الفلسطينيين وحرق منازلهم يتصدر نشرات الأخبار. نعم يا صديقي إنه زمن الانكسار العربي بامتياز، إذ انشغل المواطن العربي بقضايا هامشية، قضايا فئوية وطائفية، لا تصب إلا في صالح أعداء الأمة التاريخيين.

اعتقد أن المفكر إدوارد سعيد، صاحب الكتاب الأشهر الاستشراق، لو كان حيّا لعاد إلى رمي الحجر مرة أخرى، ولكنه بالمقابل سيقذف بفردة حذائه كثيرا من أنظمة الاستبداد التي تقهر شعوبها، وتلقي عليهم بالبراميل المتفجرة ليل نهار، وتنكل بمواطنيها بسبب الحب المسعور للسلطة.

• تنتقد الذين يكتبون بكثرة ويظهرون دائماً.. ولكنك في المقابل، في السنوات الأخيرة، أصدرت كتباً كثيرة دواوين شعر وقصائد نثر وربما سيرة.. هل كنت تعوض سنوات الغياب التي انقطعت فيها عن الشعر والساحة الثقافية والتي نريد أن نعرف أسبابها؟ أم هي رغبة في الوجود ليس إلا؟

•• سنوات الغياب لها ما يبررها، ولأنني لست ممن يتاجرون بآلامهم، سأتحدث على المستوى العام. في ذلك الظرف التاريخي، لم يكن غيابا فرديا، الكثير من النخب الثقافية انسحبت من الساحة، بعد أن حاصر تيار راديكالي كل المنافذ الإعلامية، وتنفذوا في كثير من مفاصل المؤسسات الأخرى، ولم يكن هناك طرح مختلف عما يقدمونه، بيد أن هذا المشهد تراجع وانحسر كثيرا في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ تدشين معرض الرياض الدولي للكتاب، وعقب إدراك المواطن السعودي أن بعضا من أولئك كانت لهم أجندات خفية، ليس الوطن واحدا منها.

• أنت أحد الرموز المعروفة للأدب الحداثي في فترة الثمانينات الميلادية، حيث تقول إن «الصحوة شكلت في السعودية ارتدادا للحداثة ومعطياتها على مستوى الفنون والمرأة والفلسفة، إذ حوربت بواكيرها من خلال منابر دينية واجتماعية».. هل تحس أن هذا قول عادل منك؟ أليست هزيمة الحداثة أمام الصحوة قد يعود إلى هشاشة الأولى وصلابة الثانية؟

•• مع تحفظي الكامل على مسمى «الصحوة» الذي يغمز في باطنه من بقية من لا يسير في ركابهم، ويصمهم، تلميحا لا تصريحا بالغفوة. الجدل الذي ثار آنذاك بين المتشددين، وكتّاب التجربة الجديدة، لم يكن نزالا نبيلا، ولم يكن حراكا صحيا، فقد اتخذوا من الدس واللمز وكيل التهم سلاحا في حواراتهم، ووصل ببعضهم تكفير أغلب نخبنا الثقافية واتهامهم بالزندقة والعمالة. كل هذا كان يجري بعيدا عن قراءة نصوص كتابنا ومدوناتهم الإبداعية. بعض هؤلاء وصل بهم الحال فيما بعد إلى تكفير المجتمع السعودي، ليتطور الأمر لاحقا إلى عمليات إرهابية طالت مقدرات ومؤسسات الدولة. هل تعرف أحدا من كتاب التجربة الجديدة أو «الحداثة» فجر نفسه، أو قام بتفجير الآخرين. أحسب أن علينا واجبا إخلاقيا، بمراجعة تلك الحقبة، مراجعة فكرية وثقافية، حتى لا تتكرر الفجيعة مرة أخرى.

• صف لنا التجربة تماماً، تجربة الثمانينات، ما الذي حدث؟ وما الذي كان يجب أن يحدث ولم يحدث؟ من الذي صمت؟ ومن هرب؟ ومن تحول؟ ومن بقي وحيداً يواجه السهام؟

•• ما يحسب لجيل الثمانينات أنه عمل على تغيير اللغة التي كانت سائدة من قبل، في كثير من الأجناس الأدبية. ومع أن ذلك الجيل، وما تلاه، كان مختلفا ومغايرا في أدواته، مغايرة لم يعهدها الخطاب الإبداعي في تاريخ الأدب السعودي، بيد أنه لم يكن نبتا شيطانيا، فقد كانت هناك بواكير تنويرية، وطليعية، لعل أبرزهم؛ محمد حسن عواد، عبدالله عبد الجبار، وحمزة شحاتة. وما يميز هذا الجيل، أن مد ظلاله على كثير من الأصوات اللاحقة، وشرع لهم نوافذ الملاحق الثقافية في المطبوعات السعودية، مع أن الكثير من رموز ذلك الجيل، دفع ثمنا باهظا، لهذا الغناء خارج السرب، والسير بعيدا عن القافلة. أجل، منهم من صمت، ومنهم من انسحب بهدوء، غير أن القامات التي تؤمن بنصها ولغتها لم تزل باقية، وتخوض غمار التجربة بكل ثقة واقتدار.

حشود الجماهير

• تقول: «الربيع العربي تم اختطافه بطريقة مؤسفة من قبل بعض جماعات الإسلام السياسي، أضحى ربيعا ملتحيا ومعمما بكل أسف».. لماذا أنتم أيها المثقفون تهاجمون التيارات الدينية دائماً؟ هل تشعرون بقهر سطوة هذه الجماعات في فترات سابقة خاصة في السعودية؟

•• لو أن التونسي البوعزيزي الذي أحرق جسده، كان يعرف أن أغلب الدول العربية ستدخل في أتون من الجحيم، عقب مصرعه، لآثر أن يبقى خلف عربته، ويبيع الخضراوات حتى اليوم. بكل أسف تم اختطاف الربيع العربي من قبل بعض جماعات الإسلام السياسي، واستطاعوا بخبرتهم التاريخية قطف الثمرة، التي لم يفعلوا من أجلها شيئا، حتى أنهم كانوا في خضم المظاهرات وحشود الجماهير، على الحياد، إلى أن اتضحت الصورة، وقفزوا على السفينة.

المثقف السعودي متدين بطبعه، ولا يقف موقفا عدائيا من الدين بل ممن يتاجرون به لمصالح آنية، المثقف السعودي ضد تسييس الإسلام واتخاذه مطية للوصول للسلطة، المثقف السعودي مثقف وطني بامتياز وضد من يعتاشون بالدين ويغررون بشباب الأمة، فيما هم يقضون عطلاتهم في مصايف أوروبا رفقة أولادهم.

• قلتَ إنه «ليس هناك رقابة صارمة على هذا الهدر المالي الذي لا ينتج شيئا ذا بال». كان هذا الحديث عن الأندية الأدبية في المملكة وهو حديث يحمل اتهاماً ضمنياً بالفساد لهذه الأندية أو بعضها.. هل أندية معينة تقصدها؟ وما رأيك في الإشكالات والصراعات التي حدثت وما تزال تحدث في نادي جازان؟

•• لا أود أن اتهم أحدا باللصوصية، إلا أن «المال السايب يعلم السرقة»، هذه الأموال الطائلة التي تدخل خزائن الأندية الأدبية تستطيع أن تستضيف أكبر كتاب العالم، وتقيم بها مهرجانات ضخمة، وتطبع مجلات وكتبا نوعية. لماذا يتهافت كتابنا على مهرجانات عربية وعالمية، ويذهبون لإصدار كتبهم في الدور اللبنانية مثالا لا حصرا، التي تتعامل مع مبدعينا من شعراء ونقاد وروائيين كغنائم، لماذا يبقى المثقفون السعوديون كأنهم أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام؟

نادي جازان أنهكته الصراعات الدونكوشوتية، الصراعات التي لم يجن أحد منها شيئا، الأمر الذي حدا بالكثير من شباب المنطقة إلى العزوف عن هذه المؤسسة، ومقاطعة ندواتها ونشاطاتها المنبرية.

المرأة السعودية

• علقت على صورة إحدى العداءات السعوديات في ريو 2016 كريمان «تصنع التاريخ» في سباق 100 متر، هل تعلم أن المشاركة السعودية في الأوليمبياد برجالها ونسائها كانت صفراً أي دون تحقيق أي ميدالية؟ وهل ترى أن المشاركة النسائية تظل انتصاراً أو عزاء على الأقل؟

•• كتبت هذه التغريدة في «تويتر»، نقلا عن بي بي سي، ونشرته «إيلاف» واعتبرته تلك المواقع تاريخا جديدا للسعودية في ريو 2016، في وقت تعتبر فيه مشاركة المرأة في بطولة دولية مطلبا بسيطا وخجولا في القرن التاسع عشر لدولة أوروبية. نعم، لم نحرز شيئا ذا قيمة في هذه الدورة، ولكن هذا الحضور الرمزي للمرأة السعودية، يعدّ الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، ولزاما أن القادم أجمل، وعجلة التاريخ لا تسير إلا للأمام.

• قلتَ يوم افتتاح سوق عكاظ: «حيثما حل #خالد_الفيصل حلت البهجة، وأدار الفرح بوصلته باتجاهه، #سوق_عكاظ نموذجا». كمثقف ومهتم كيف ترى تجربة المهرجان التي انتهت دورته العاشرة للتو؟ وكيف تتوقع أو ما هي رؤيتك لأكاديمية الشعر التي تم إقرارها في المهرجان الأخير؟

•• خالد الفيصل نموذج راق للأمير المثقف، الأمير الذي يعلم جيدا أن الثقافة والفن مكونان رئيسيان لأي مجتمع سوي. لم ينعزل هذا الرجل في مبنى إمارته، رغم المشاغل الإدارية والتنموية لإمارة كمكة المكرمة، غير أن البعد الوطني لمشاريعه الأدبية الكبرى كان هاجسه مذ كان أميرا لعسير.

ما أوده كمواطن سعودي أن نستنسخ من هذه القامة الوطنية بعدد مناطق المملكة.

إنشاء أكاديمية الشعر في سوق عكاظ، يعتبر إعادة تأهيل لهذا المكان الرمز في قلب كل عربي من المحيط للخليج، هذه الأكاديمية التي توجهت للشباب في نسختها الأولى، وتزامنا مع الذكرى العاشرة لهذه التظاهرة الثقافية، دليل ساطع على أن هذا الرجل يستهدف هذه الشريحة من المجتمع السعودي، تلك الفئة التي يراهن عليها وطننا، وكأنما خالد الفيصل يعقد حلفا تاريخيا مع المستقبل، ويصطحب معه أبناءنا صوب غد مشرق.

الملحدون الجدد

• تناولت إحدى تغريداتك الإلحاد وقلت «شباب ملحد في السعودية! هؤلاء، ما حدود إلحادهم؟ هل هم مؤسسون نظريا بالفكر المادي، ومسلحون بقناعات إيديولوجية؟».. نحن نسألك ما هو توصيفك للإلحاد في مواقع التواصل الاجتماعي؟ وكيف يمكن التعامل الاجتماعي والديني مع هذه النوعيات؟

•• إذا اتفقنا جدلا أن هناك بعض الشباب ملحد في السعودية، فلا بد من دراسة هذه الحالة، والوقوف عند أبعادها، وعدم تغطية وجوهنا ودسها في الرمال كما تفعل النعامة، وأحسب أن ذلك هو دور الإعلام، الذي من واجبنا عليه فتح هذه الملفات، وكشف المستور، ذلك أن الجروح يطهرها الكي، كما يقال. والمتابع لشبكات التواصل سيلحظ مثل هذه النماذج دون كثير من العناء. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء الشباب لهم قناعات مؤسسة، وإيديولوجيات عميقة يرفدها فكر مادي وجدلي راسخ، أم أن الحالة لم تتعد كونها هروبا مجانيا، ونوعا من أنواع الارتداد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبالتالي فهي شكل من أشكال التطرف لا أقل ولا أكثر.

عكاظ السعودية-