ضحكت وشرُّ البلية ما يُضحك وأنا أتابع لقاءً بثّته إحدى القنوات الفضائية، مع الداعية «عبدالعزيز الفوزان» أرسله إليّ أحد الأصدقاء, الفوزان كان يتحدث عن حُرمة (قيادة المرأة للسيارة)، التي جعل منها كثير من الدعاة قضية مفصلية، يُنافحون عن حرمتها، ويصفون من يدعون إليها بالضلال وربما بالفجور والعصيان، دونما دليل من كتاب أو سنّة؛ اللهم إلاّ أوهاماً توهّموها ما أنزل الله بها من سلطان.
يقول الفوزان في اللقاء لا فُضّ فوه: (هل قيادتها للسيارة يعني ستكون محميةً من التحرُّش بها وإيذائها؟.. هذا الإشكال الموجود عندنا.. أنا سأحكي لك فتاوى عن سماحة شيخنا العلاّمة محمد ابن عثيمين وأنت تعرف فتواه في تحريم قيادة المرأة للسيارة، فتوى يعني من أشهر الفتوى وأشدها وذكر فيها أكثر من عشرين محذوراً شرعياً من تمكين من قيادة المرأة للسيارة في السعودية؛ سألته والسؤال عندي ومسجل عن قيادة النساء المسلمات في أمريكا ومنهن بعض السعوديات وغيرهن. سألني: هل المرأة آمنة هناك أم لا؟.. قلت: نعم، وكثير منهن تقود السيارة وهي مُنقبة أيضاً. فقال: إذا كانت آمنة فلا حرج.. ليس التحريم في أصل القيادة ) انتهى. واللقاء موجود على اليوتيوب.
والسؤال الذي يثور وبقوة هنا: هل يعني كلام هذا الرجل أنّ أمريكا التي لا تُطبق الشريعة ولا أخلاق الشريعة أكثر أمناً من المملكة، بلد الإسلام والمسلمين، التي تطبق الشريعة، وأجهزتها التنفيذية تعمل بكل قوة وحزم على تطبيق الأمن وصيانة العرض وتكريس الاستقرار؟ .. ثم هل أنت هنا تهجو المملكة أم تهجو من حيث لا تعلم الشريعة؟
أعرف أنه لم يقصد، وأنه كما يقول العرب (أراد أن يُعربَه فأعجمه)، وأساء للإسلام وشريعته قبل أن يسيء لبلده، لكنه الغباء والسطحية، والسبب أنه يرافع في قضية خاسرة ابتداءً، حاول أن يتلمّس لها دليلاً فكشف نفسه، وجاء بهذا المثال المضحك الذي يدينه ويدين فطنته، فقد أبان للناس أنه يغرق في شبر ماء، وأنّ بينه وبين السياق المنطقي المقنع والمترابط (وقفة نفس)!
ضبط الأمن في المملكة - يا الفوزان - مثار إعجاب العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ فتنظيم (القاعدة) مثلاً الذي أفرزه تنظيم السروريين والقبطيين الإخوانيين قضت عليها سلطات الأمن في بلادنا قضاء مبرماً، وانتهت كوادرها المتأسلمة إلى إما القتل أو الاعتقال أو الهرب كالجرذان خارج المملكة؛ فإذا كان هذا الإنجاز الذي سرى بذكره الركبان لم يملأ عينك، ومازلت تصر على أنّ أمريكا أكثر أمناً، فأنصحك أن تعرض نفسك على أخصائي نفسي؛ أما إذا كان لك فيها مآرب أخرى، فذاك أمر آخر لا يعنيني.
كل ما أريد أن أثبته في هذه العجالة أنّ بعض الدعاة - للأسف - يفتقرون إلى قدر من الذكاء في مرافعاتهم، ونقاشاتهم ويورِّطون أنفسهم، فيخرجون من أي نقاش (بمطبات) تجعلهم مضحكة للعالمين، ورحم الله من عرف قدر نفسه، وترك المناظرة والمجادلة و(المناكفة) لغيره، واكتفى بالسلامة، لكيلا يورِّط نفسه، ويقع في مثل هذا التناقضات المضحكة.
محمد آل الشيخ- الجزيرة السعودية-