جاء في مؤتمر ( من هم أهل السنة ) المنعقد في الشيشان من بعض الحاضرين والمحاضرين فيه ما يلي : ( وكان من الحاضرين من يرى بصراحة أن ( الوهابية ) فريق من فرق أهل السنة، وإنما يعيب عليهم المسارعة إلى التكفير والتبديع بدون موجب ، والمبالغة في الإثبات بما قد يفهم التجسيم والتشبيه، وممن صرح بذلك من الحاضرين الحبيب علي الجفري والشريف حاتم العوني ) . . أقول : إن إعادة تفسير أهل السنة والجماعة الذي أحدثه مؤتمر الشيشان ... قد أوجد عند البعض ممن هم إلى الوعظ أقرب منهم إلى العلم بأصول الدين وضوابط اليقين ، التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة عبر تاريخ الإسلام ومنذ فجره اللامع والساطع في دنيا الإسلام والعالم أجمع ، خروجا وانحرافا عن مسلك أهل السنة وضوابط اعتقادهم وأصولهم ... ، مما قد يساهم في إعادة العبث والفوضى في التاريخ والفكر والعقيدة المتوارثة بأوهام وخيالات زائفة ، يريد أصحابها أن يلبِّسوا بها على الناس ويخضعوها لقياساتهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة ... . والمعروف عبر قرون الإسلام الطويلة أن أهل السنة والجماعة هم كل من وافق مذهب الأشاعرة والماتردية في الاعتقاد ، والذين هم جماهير أتباع المذاهب الأربعة ... حتى إن كثيرا من أئمة أصول الدين ألحقوا أئمة كبارا ، كانوا وما زالوا مرجعا وعمدة في أكثر المذاهب الأربعة كالإمام الماوردي الشافعي والإمام الزمخشري الحنفي والقاضي عبدالجبار وسواهم بالمعتزلة ، حتى ولو كانوا مرجعا في مذاهبهم ، وكذلك أخرجوا كثيرا من أتباع المذهب الحنبلي كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني وابن تيمية وسواهم من جماعة الوهابية الزائغة ، وألحقوهم بفرق الحشوية الضالة ... . وهذا التاريخ وهذه كتب الملل والنحل والفرق والمذاهب الكلامية والعقدية ماثلة أمام الدنيا كلها ، فقد فصلت القول في جميع الفرق وسمتها بأسماء مبتدعيها وبعضها بأكبر أسماء بدعها كالمرجئة ، وأحوالها كالمعتزلة ، وفصلت القول في حكم منتحليها ، وقد بينوا مذهب أهل الحق وأجمعوا على أن أهل السنة والجماعة هم الأشعرية والماتريدية ، ثم بينوا سائر الفرق الضالة ضلالا قريبا بحيث لا يكفر معتقده ، أو بعيدا يكفر بالإجماع كالفرق الباطنية ... . وبناء عليه فمسمى أهل السنة لا يعني من التزم السنة وعمل بها فقط ، كما يدعي الوهابية مع مخالفاتهم الواضحة لعقيدة أهل السنة وخروجهم عليها وعلى أتباعها ، وإنما مسماها مقترن بما أجمع عليه أهل الحق ، لذا فإن أهل السنة هم من صح اعتقادهم ، ثم التزم بما ثبت وصح من سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهذان الشرطان لا بد من اجتماعهما ولا يمكن أن ينفكا عن بعضهما حتى يصح أن يطلق على الملتزم بهما أنه من أهل السنة والجماعة ... وإذا علمت هذا ، فاعلم بأن الوهابية لم يتوفر فيهما شرط صحة الاعتقاد على مذاهب أهل السنة والجماعة ، فكيف يصح أن يدخلهم الشيخ على الجفري في مذهب أهل السنة ويعتبرهم أنهم مهتدون ..!!!!!!!! . ونقول لسماحة الشيخين : لو كان من أمثالكما ملء الأرض مشايخ ، فلن تصلوا جميعا إلى أدنى أدنى أدنى مرتبة من علماء أهل السنة المتأخرين فكيف بأرباب أصول الدين وفرسان هذه الميادين ... . ولا شك أن الوعظ والثرثرة بأقوال الأولياء والصالحين العارفين بالله تعالى ، لا تجعل من صاحبها عارفا بالله ولو ألف ملء الأرض كتبا أو أنه صار من أئمة أصول الدين ، فالإجماع المتقدم هو حجة عليهم أجمعين ...!!! ولنعلم أن المعرفة بالله تعالى هي المعرفة الثابتة بالكشف والمشاهدة وقواعد اليقين التي أجمع عليها أئمة أصول الدين ، وأهل اليقين والمعرفة بالله تعالى هم الذين بينوا قواعد الاعتقاد وعقائد المسلمين ( ... فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) ... ... ومن هنا نجد أن الخلط العجيب والمريب من الشيخ علي الجفري وحاتم العوني ، هو مدخل كبير إلى تسفيه الأئمة وتشوية الحقائق وقلب المفاهيم ، وإدخال أعداء أهل السنة ومكفريهم ومستبيحي دمائهم وأعراضهم وأموالهم إلى دائرة أهل السنة ... ، ولا شك أن هذا الخلط الغريب سيكون سببا كبيرا من أسباب الفوضى الفكرية والدينية والعقائدية ... فالحذر الحذر من هذا العبث الذي سيدخل الأمة في المجهول ، ويختلط فيها الحق بالباطل وأهل الهدى بأهل الأهواء الباطلة والضالة ، والله تعالى أعلم بما في قلوب العالمين ...!!! وصلى الله تعالى على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .
عبدالخالق زكريا الجيلاني الماتريدي الحنفي.