نخطئ كثيرا حينما نحصر التعاريف الدينية في فريق دون فريق، ومن هذا الخطأ الفاحش، ما كثر اللغط حوله مؤخرا، عن التعريف الجامع المانع لـ"أهل السنة والجماعة".
بلغة ميسرة أقول: إن "أهل السنة" -دون لفظ الجماعة- يطلق على من اتبع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد يطلق ويراد به غير الشيعة والمعتزلة وغيرهم؛ أما لفظ "الجماعة" فقد وقع النزاع فيه منذ القدم، بين مجموعات من المسلمين هم "الأشاعرة والماتريدية" من جهة، و"أهل الأثر، ويسمون كذلك أهل الحديث" من جهة أخرى، وضاع المصطلح بينهما، وكلٌ يأخذه لحسابه الخاص، وأحيانا ينفيه عن غيره بالكلية، ويعتبره من أهل "الضلالة"، لا "أهل الجماعة"؛ رغم أن "أهل السنة والجماعة" كمصطلح لم يرد في كتاب الله تعالى، ولا في سنة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن "أهل الجماعة" كمصطلح لم يُعرف إلا في عهد سيدنا عثمان -رضي الله عنه- وكذلك رغم التجاوز الكبير -في نظري- في إطلاق لقب الجماعة على أهل السنة اليوم؛ إذ الواضح عدم وجودها، وأسأل الله أن يحققها.
هذا النوع من العلم متعلق بعلم يسمى "علم الكلام"، والخلاف فيه منذ القرن الخامس الهجري، وينبغي أن يتم التخلص منه، وطريقة التبرؤ منه، تكون بالتجديد في مفرداته وألفاظه، والأمر متاح، ومفاتيحه بيد حكماء العلماء لا غير، ولا أجد مثالا بارزا عليهم اليوم، أفضل من شيخ الأزهر الشريف، فضيلة الدكتور أحمد الطيب، الذي قال في آخر خطاباته العلمية مؤخرا: "مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب "الأشاعرة"، و"الماتريدية"، و"أهل الحديث". مستدلا فضيلته بأقوال مشهورة لعلماء سابقين، ومنهم الإمام محمد السفاريني الحنبلي الأثري، من علماء القرن الثاني عشر الهجري، الذي قال: "أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: "الأثرية": وإمامهم أحمد بن حنبل، و"الأشعرية": وإمامهم أبو الحسن الأشعري، و"الماتريدية": وإمامهم أبو منصور الماتريدي. ذكر ذلك في كتابه "لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية" ص: 73.
اليوم.. إن أراد أهل "السنة" أن تكون لهم "جماعة"، لا يصح منا "الاقتصار" على مجموعة دون أخرى، كما لا يليق "الانتصار" من مجموعة على أخرى، وعلينا البعد، قلبا وقالبا عن التعامل بأسلوب "الاقصاء"؛ فما المذاهب الأربعة السنية
-الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة- إلا مذاهب "فقهية" داخل إطار "أهل السنة"، ومن يمارس التصوف "المقيد بالحقيقي"، كذا أصحاب الفكر السلفي
"المقيد بالصحيح" إلا صنوان، وقد يكون في المنتسبين منهم لأهل السنة والجماعة من هو "أثري"، أو "أشعري"، أو "ماتريدي".
عبدالله فدعق- الوطن السعودية-