استقبل العديد من الهيئات والشخصيات الشرعية والسياسية نبأ مؤتمر الشيشان بالكثير من عدم الارتياح والاستنكار لبيانه الأخير، مشيرين إلى وجود أبعاد سياسية وراء المؤتمر تستهدف عزل المدرسة السلفية، وتستهدف تحديداً دور ومكانة المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي.
أهداف غير مطمئنة
من جهته اعتبر الإعلامي والكاتب جمال خاشقجي أنّ المؤتمر مبني على نية غير مطمئنة، وأضاف في حديثه لـ"الرياض": كيف يعقد مؤتمر للتعريف بأهل السنة ويغيب عنه أهل السنة من سلفية وأهل حديث وأثرية، بل لم توجه لهم دعوات، لم يدع من السعودية غير د.الشريف حاتم العوني وقد عاد عاتباً محتجاً على تجاهل مطلبه بإضافة "السلفية" في التعريف.
وأضاف: "هل يعقل أن يعقد مؤتمر لتعريف أهل السنة بدون علماء من بلاد الحرمين معقل أهل السنة والجماعة بكل مدارسها، نعم هناك خلاف علمي بين بعض السلفيين والأشاعرة، وكان حريا بهذا المؤتمر أن يجعلها مبادرة لجسر تلك الهوة التي أحدثها غلاة خاصة في زمن أحوج ما يكون فيه أهل السنة لجمع الكلمة".
تكريس العداوة
فيما رأى الأكاديمي والباحث الشرعي د.محمد سلطان أنّ مؤتمر قروزني مثير للريبة من حيث أهدافه ومراميه، إذ أنّه مارس الانتقائية في اختيار ضيوفه، وهم المتصوفون والأشاعرة، الذين لهم مواقف وخصومة قائمة على احتكار أهل السنة والجماعة في "الماتريدية" و"الأشعرية"، مبدياً استغرابه من مشاركة شيخ الأزهر ومؤسسته ذات المنهج الوسطي -كما تعلن-، وكان الأولى ظهور تأثيره في البيان الختامي الذي أخرج المنهج السلفي من السنة.
وأضاف: "البيان وصياغته يظهر منه الإقصاء المجافي للوسطية المكرس للعداوات والخصومة بين المجتمع السني من إندونيسيا وحتى غرب إفريقيا، المؤتمر يحمل مسؤولية العنف الواقع في ديار المسلمين وشعوبهم المنهج السلفي السني، وهذا خطير!، ومناقض للواقع، فالذي قتل مئات الآلاف من المسلمين هم (بوتين) و(قاديروف) الذين تبنوا المؤتمر، بعكس الذين يدعون بالحكمة والموعظة بالتي هي أحسن.
وأشار إلى أنّ المؤتمر أخرج السلفية ومنهجهم الوسطي والتي تبنته المؤسسات العلمية والشعبية بالمملكة العربية السعودية، وهو منهج يقوم على أهمية توحيد كلمة المسلمين وضرورة ائتلافهم على كتاب الله وسنة رسوله الكريم، امتثالا للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وتحملا لمسؤوليتهم التاريخية فهم حماة البيتين وخدام قبلة المسلمين، عبر ملوكها ومؤسساتها العلمية مثل رابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي، وهيئة كبار العلماء وغيرها".
مؤتمر فاشل
وفي تعليقه على المؤتمر قال مدير عام الجمعية الثقافية والخيرية في جمهورية مقدونيا الشيخ نصرت عوني رمضان: "في الوقت الذي نحتاج فيه إلى جمع الكلمة يظهر علينا هذا المؤتمر ليزيد أهل السنة افتراقاً، مخالفين بذلك ما قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، ونعتبر المؤتمر السياسي خطيرا، فهذا الجمع برئاسة الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف بهذه التوصيات قد خالفوا السنة وفرقو الجماعة وأخرجوا من دائرة أهل السنة والجماعة علماءنا الأجلاء المعتبرين المتقدمين من الأئمة الأربعة أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، ومالك، وغيرهم من الأئمة والعلماء الربانيين العاملين، إلى جانب الهجوم والطعن الذي كان في هذا المؤتمر تجاه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه إبن القيم وهذا غير مقبول، رغم أنّ ابن تيمية كان من أحرص الناس على جمع الكلمة حتى مع من يختلف معه، وعنده رسالة جميلة في جمع الكلمة أسماها (قاعدة في جمع كلمة المسلمين)".
وأضاف: "نحن نرى أنّ هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من مكونات أهل السنة والجماعة، إلى جانب المؤسسات العلمية المعتبرة تحت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ونعتبر هذا المؤتمر فاشلاً لأنّه تجاهل التواصل مع هذه الهيئات والمراكز".
ملابسات مقلقة
وعاد جمال خاشقجي متسائلاً: "لا يعقل أن من صاغ ورص كلمات تعريف أهل السنة وتعمد تجاهل السلفية لا يعرف، ربما يريد رد فعلهم الغاضب، فهل من نظم المؤتمر يريد فتنة؟، نعرف الآن من نظمه، فمؤسسة طابة ومقرها أبو ظبي والتي أسسها ويرأسها الداعية المعروف الحبيب الجفري، الذي لا يعد شخصاً بعيداً غريباً عن المملكة، إذ عاش فيها، وكان بإمكانه التواصل مع من أحب من علمائها، وهو يضع قوائم الضيوف والمتحدثين".
روح التضامن الإسلامي
فيما يتعلق بالتصرف تجاه مخرجات المؤتمر، قال خاشقجي: من الخطأ رد الاساءة بمثلها، يجب أن نرفض الإقصاء، ونعود لروح التضامن الإسلامي، التي وضع ضوابطها الراحل الملك فيصل، والتي جمعت المسلمين بإسلامهم لا لمذاهبهم، فهناك الحل".
أما د.سلطان فنوّه على أنّ الواقع وما يجري من فتن عظيمة بين أبناء الأمة الإسلامية يفرض ضرورة الحوار والتآلف بين المسلمين، كما أنّ على المؤسسات الدعوية الحذر من افتعال الخصومات وتربية الجيل على احترام المخالفين وعدم التنابز بالألقاب، ونشر المحبة والأخوة بين المسلمين عبر برامج مؤسسية، كما أن هذه الظروف العصيبة تؤكد تناسي الخصومات والعداوات والاعتصام بحبل الله المتين والاجتماع على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي عدم الزج بالأهداف والأساليب الحزبية السياسية وبين الدعوة إلى الله وإفراده بالعبادة ونشر قيم المحبة والأخوة الإسلامية.
وأشار إلى أنّ المؤتمر الأحادي الجانب والإقصائي يدعو عقلاء أهل السنة والجماعة إلى ضرورة تبني خطاب شرعي قائم على احترام المدارس السنية وعلمائها ونبذ الخطاب الإقصائي القائم على الإلغاء والعنف الذي لا يفيد سوى الأعداء، ولعل تفعيل خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في مؤتمر قمة مكة عام 2012م الذي تبنى فيه تأسيس مجمع للحوار بين علماء المذاهب الإسلامية ويكون مقره الرياض خطوة لوأد الفتنة.
وكالات-