كغيري، تابعت خلال شهر مضى الأصداء التي أعقبت مؤتمر غروزني الذي دُعيَت إليه الجماعات المذهبية والعقائد التي يدّعي أتباعها أنهم على حق، وأن غيرهم لا حظّ له في الإسلام -بكل أسف-، وغابت عنهم الآية الكريمة: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، وأن العقائد والمذاهب التي ليست تحت قبة غرزوني ليست من الإسلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الأمر الذي جعل المتابعين للمؤتمر يتساءلون: لماذا همش دور باقي أهل السنة والجماعة والسلفيين خصوصا، هل ذلك لحاجة في نفس يعقوب أم أنه أمر دُبّر بليل؟
قد يكون الأمران معا، فالجهة الداعية منظمة تدّعي ولاءها للإسلام، وأن غيرهم لاحظّ لهم في ذلك، وتناسوا مناهج الخلاف المذهبي على مر التاريخ الإسلامي، والمناظرات التي تحصل بين أهل الديانات، فكيف بأهل الملة الواحدة، فنسأل الله السلامة.
لقد حدث، كما يقول التاريخ، ما يشبه هذا المؤتمر، ودُعي إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وناضل وكشف زيف هذه العقائد في القرن السابع الهجري، ونجح في مناظرة أهل العقائد حتى جاءت الصواعق المرسلة في الرد على أهل البدع وغيرهم، وهذا ما حدث مع الأسف في غروزني.
لقد انبرى العلماء -ولله الحمد- في كشف وفضح زيف هذا المؤتمر.
وقد استمعتُ إلى العلماء الذين علّقوا على هذا المؤتمر، وقد استمعت مثلا عبر الفضائيات لفضيلة د.عبدالرحمن السند الذي عرّى مؤتمر غروزني، وكشف أضراره، وبيّن خطره على الأمة بقوله "الذين يريدون تفريق كلمة المسلمين إلى أحزاب وطوائف وأحزاب، وأنها هي الإسلام وغيرهم ليسوا من المسلمين، هذا هو الذي يفرق الأمة، ولهذا جاء عقد مؤتمر غروزني للتفريق وضرب بعضهم ببعض، وجعل أهل السنة في طائفة أو في فكر ومذهب، هذا هو التفريق والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، والنصارى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قلنا من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".
وكثيرة هي الجهات العلمية والجامعات التي استنكرت هذا الاجتماع، وعرفت أنه على غرار ذلك المسجد الذي أُطلق عليه مسجد الضرار، وهذا مؤتمر الضرار، ولهذا تكشفت أوراق المؤتمر بتلك المواقف التي أعلنها العلماء إثر عقده، ورأينا هيئة كبار العلماء في المملكة التي كان ردها متعقلا، يجمع أبناء الإسلام وأهل السنة ولا يفرقهم، وكما فعلت رابطة العالم الإسلامي، إذ أصدرت بيانا في موسم حج هذا العام، حذرت المجتمعين من أي تكتل يخرج بالمسلمين عن رايتهم الجامعة، ليفرق كلمتهم وينافي رسالتهم في سلمها واعتدالها، مشيرين إلى أن تاريخ الإسلام لم يسجل أي تجمع لإقصاء أي منهم عن سنتهم وجماعتهم، وأن أي خطاب يخرج عن أصول الأدب العلمي يمثل من صدر عنه، وأن بعض الكتابات التاريخية سجلتها أقلام لا رسوخ لها في علوم الشريعة.
إذن، ماذا بعد غروزني؟ على علماء الأمة الذين وقفوا هذا الموقف المشرف لفضح أهداف مثل هذا المؤتمر، أن يُعِدوا مؤتمرا يحاور هذا الفكر الأحادي الذي يعتقد أنه على حق، وأن غيرهم خالفوا منهج الله عز وجل، وذلك بحشد علماء الأمة من خلال رابطة العالم الإسلامي، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو بلاد الحرمين -أعزها الله- لنقول للعالم: هذا هو صفاء الدين لا مذهبية ولا حزبية، وأن خروجنا من الحج متوحدين بكلمة واحدة وهدف واحد هو منهج السلف الصالح وعقيدة أهل السنّة والجماعة، وهو ما تحرص عليه هذه البلاد المباركة بقيادة الملك سلمان "وفقه الله".
أتطلع إلى هذا المؤتمر مع غيري، وأن يكون عقده قريبا لا بعيدا، حتى يتحقق منه الهدف المنشود.
وفّق الله علماء الأمة إلى كل خير، ودحر أعدائها وكشف زيفهم، إنه على كل شيء قدير.
سليمان العيدي- الوطن السعودية-