لا يحتاج الباحث لكبير عناء لإثبات أن الوهابية تكفر الجميع، وان موقف مؤتمر غروزني قد فعل الصواب عندما استثنى الوهابية من الدعوة. وربما احتاج الباحث للعودة الى الكتب الوهابية المتناثرة على نطاق واسع. وقد يصاب القارئ بإحباط او صداع وهو يقرأ تأكيد فريق عن اقصائية الوهابية للآخرين ونفي علماء الوهابية وكتّابها لهذا الامر ومحاولة تبرئة نفسها.
من باب التذكير فقد اعتبرت توصيات مؤتمر غروزني ان اهل السنة والجماعة هم الاشاعرة والماتريدية عقائديا والمذاهب الاربعة فقهيا والصوفية عملا بناء على ما اسسه الجنيد.
لم تعجب هذه التوصيات الوهابية ولا المملكة السعودية التي راح كتابها يهاجمون المؤتمر وينفون الاتهامات التي وجهت اليهم بأنهم يكفرون الجميع ويعتبرون انفسهم الموحدين الحقيقيين والممثلين للسنة والجماعة حصرا. الا ان تصريح مفتي الوهابية في رده على الرسالة التي وجهها الامام السيد علي الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام قد أكدت المؤكد وقبضت على الوهابية متلبسة. ففي الوقت الذي طرح فيه السيد الخامنئي هواجس حقيقية حول الوهابية واداء ادارة المملكة للحج، كان الرد الوهابي عبر مفتيها هو تكفير الايرانيين وانهم ليسوا مسلمين بل «ابناء المجوسية».
لكن حتى لو وضعنا كلام المفتي جانبا فان ما حفلت به صحافة المملكة في ردودها على توصيات مؤتمر غروزني اعطت للباحث مادة اضافية لتأكيد التهمة الموجهة للوهابية.
ففي صحيفة الوطن السعودية كتب «أحمد الرضيمان» مقالا بعنوان: «مؤتمر الشيشان حشفا وسوء كيلة». يعطي هذا المقال الدليل الاضافي على الاتهامات الموجهة للوهابية التي لا يجيد المدافعين عنها سوى الرد باتهام الآخر بالكفر والضلال. اذ يقول الرضيمان «أن من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل السنة، ووصفهم بالمجسمة والحشوية والناصبة» ولكي ينفي هذه التهمة قال : «وإذا كان هذا هو دأب أهل البدع منذ مئات السنين، فإن أتباعهم المجتمعين في مؤتمر الشيشان، لم يأتوا بجديد، وإنما يسيرون على طريقة أسلافهم أهل البدع والأهواء، الذين يلمزون أهل السنة، ويلمعون أنفسهم بزخرف القول؛ من أجل أن تصغى إليه أفئدة الجهال، فيقبلوا اقترافهم الكذب، وقلب الحقائق».
ولا أدري عن أي قلب للحقائق يتحدث وهو بقوله هذا انما يؤكد المؤكد مما ينسب اليهم. الا ان عجائب هذا الكاتب الذي يحمل على «ظلم» مؤتمر غروزني انه قال : «فالأشاعرة يخالفون أهل السنة والجماعة: في مصدر التلقي، وفي إثبات وجود الله، وفي التوحيد والإيمان، وفي القرآن والقدر، وفي السببية وأفعال المخلوقات، وفي الحكمة والنبوات، وفي التحسين والتقبيح، وفي التأويل والتكفير والصفات...ولا يتسع المقال لعرض أقوالهم، وبيان مخالفتها عقيدة أهل السنة»
ولكم يكتف الكاتب بالهجوم على الاشاعرة فاستكمل هجومه على الصوفية ايضا، العدو اللدود للوهابية، فاعتبر أن مخالفة الصوفية «عقيدة أهل السنة والجماعة، أظهر، فالعقيدة عندهم تثبت بالإلهام والكشف والمنامات، ويعتقدون الحلول، ووحدة الوجود، ويعتقد كثير منهم أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون، وسلك بعضهم طريق تحضير الأرواح، واهتموا ببناء الأضرحة وقبور أوليائهم، وإنارتها والتمسح بها، ودينهم هو الرقص والتمايل والغناء، بتكرير كلمة واحدة على أنه ذكر لله، بزعمهم، كقولهم: هو، هو. ومجرد تصور عقائدهم الباطلة كاف في إبطالها، ولهذا كان من آثار انحرافهم انتشار الوثنية والشرك، المتمثل في بناء القباب على القبور، وصرف أوجه من العبادة لأصحابها المدفونين فيها، مثل الدعاء والاستغاثة والنذر والطواف وغيرها«
نموذج آخر من هذه الاقلام هو ما كتبه رضوان السيد لصحيفة الشرق الاوسط. كان رضوان السيد اكاديميا ماهرا اقرب الى الفكر العربي الاصلاحي مع ميول الى الحركات الصوفية عندما كان استاذا متفرغا في الجامعة اللبنانية قبل ان يفسده المال السياسي اللبناني اولا ثم المال الوهابي ثانيا. ورغم محاولات «السيد» الاستعراضية في مقالته، الا انه سطّح الموضوع كثيرا عندما اعتبر ان المؤتمر هو قول الروس لا المسلمين وان «الروس يعرضون علينا اعتقادات الماتريدي والأشعري للخلاص من الإرهاب٬ مضاًفا إليهما الجنيد الصوفي السالك»! وبعيدا عن كل «فذلكات» رضوان السيد فان عنوان مقالته وحده كافيا لتأكيد المؤكد ايضا ان الوهابية ليست سوى دعوة اقصائية والا ماذا نسمي اختيار السيد « مؤتمر غروزني والافتراء على الإسلام« عنوانا لمقالته؟ فاذا كان المؤتمر افتراء على الاسلام فانه بلا يشك يحصر الاسلام بالدعوة الوهابية لا غيرها.
محمد محمود مرتضى - موقع العهد-