بالأمس بدأ طلابنا وطالباتنا الركض من جديد في مضمار سنة تعليمية جديدة، وبدأ الاستنفار في البيوت والمدارس وعاد الطلاب إلى مقاعدهم بعد إجازة صيفية طويلة، ومع عودتهم عاد الحديث من جديد عن هموم التعليم ومستقبله، لأنه حديث متجدد لا ينحصر على النخبة وإنما هو هم مشاع لكل من له أبناء على مقاعد الدراسة، فالجميع يتحدث عن تطوير العملية التعليمية وتحديثها ولعل أكثر جانب نال حظا كبيرا من المناقشة بين الفرقاء كان تطوير مناهج التعليم العام، التي أصبح البعض - وأنا منهم - يراها لا تتواءم وهذا العالم بتغيراته وتعقيداته وأحداثه، فلازالت المناهج متخمة ببعض العبارات التي تنتمي إلى خطاب الإقصاء، أو تلك التي قد تؤسس لفكر التطرف خصوصا المناهج الدينية التي لازالت عصيّة عن التحديث الجاد والشامل، والسبب هو معارضة التيار الإسلاموي الذي لازال ممسكا بتلابيب مفاصل كثيرة في التعليم وذلك بحكم وضع اليد منذ عقود من الزمن، ونجح في إجهاض مساعي الإصلاح والسطو على المبادرات المعلنة لتقليم أظافر التطرف في المدارس، وليس مشروع (فطن) إلا جزءا بسيطا منها.
كما أن المناهج الدينية قد تورمت بأحكام فقهية لا يحتاجها الطالب ولا الطالبة في حياتهم اليومية وفي صلتهم المباشرة مع الله الذي هو الهدف الأساسي من تلك المناهج، فالدكتور الذي كان طالبا في يوم من الأيام ؛ لن يضره مهنيا ولا دينيا لو جهل مقدار زكاة الأنعام، والمهندس لن يجرح في براعته المهنية لو لم يعرف الفرق بين الحُقة وبنت مخاض، كما أن جهل الفرق بين ما سُقي بمؤونة وما سُقي بلا مؤونة لن يمنع العالمة غادة المطيري من استكمال أبحاثها العلمية، فكل تلك التفاصيل الفقهية قد ينتقل الإنسان إلى جوار ربه دون أن يحتاج لأن يستذكر ما درسه عنها، ولو قدر له أن يحتاج تلك المعلومات النخبوية؛ فأعتقد أننا البلد الوحيد في العالم المكتفي ذاتيا من المفتين، بل وصل الأمر لأن أصبحنا نملك فائضا منهم وقمنا بتصديرهم للخارج، وباستطاعة من قرر أن يدخل تجارة الأنعام مثلا أن يستفتي أحد المنتمين لطبقة المفتين ويأخذ رأي الدين في زكاتها دون الحاجة لأن نحشو رؤوس بقية الطلاب بتلك التفاصيل التي يفترض أن يحل مكانها قيم التسامح والتعايش والتصالح مع الجمال والفنون ونبذ التطرف والإقصاء، لأن الهدف من المناهج الدينية هو تخريج طلاب أسوياء يستطيعون التواصل مع الله من خلال العبادات اليومية ويجيدون قراءة القرآن ويحفظون بعضه، ومن أراد أن يتزود فله ذلك بعد أن ينهي مرحلة التعليم العام بأن يتوجه للكليات الشرعية ليتخرج فقيها ويمضي عمره في تحقيق رأي اللالكائي في الصفات، لأنه ليس من مهمة التعليم العام تخريج فقهاء وإنما يمنح الطلاب فرصة الاطلاع على تلك العلوم ليختاروا بعد ذلك الطريق الذي سيسلكونه والتخصص الذي يجدون أنفسهم فيه.
عبدالرحمن اللاحم- عكاظ السعودية-