الإسلام مستهدف في ذاته وإنما تحت عناوين فرعية. ومثلما استخدم المستعمر التقليدي طوائف إسلامية، وقبائل عربية فإن السيناريو يتكرر اليوم بوجود تنظيمات ودول داعمة لقوى العصر، باعتبار ما يجري حربا على "الوهابية" والسلفية والإرهاب. وإذا كان العالم لم يتفق على تعريف محدد للإرهاب، فهل للوهابية والسلفية تعريفات محددة يمكن أن نحتكم إليها؟
الدعوة الإصلاحية "الوهابية" تعود إلى ما قبل الثورة الفرنسية، وأي حكم موضوعي عليها يجب أن يضعها في إطارها المكاني والزماني، وينظر في كتابات معاصريها من الموضوعيين. كتب ابن سند البصري: "ومن محاسن الوهابيين أنهم أماتوا البدع ومحوها، ومن محاسنهم أنهم أمّنوا البلاد التي ملكوها، وصار كل ما تحت حكمهم من هذه البراري والقفار يسلكها الرجل وحده على حمار بلا خفر، خصوصاً بين الحرمين الشريفين. ومنعوا غزو الأعراب بعضهم على بعض.. وهذا بسبب قسوتهم في تأديب القاتل والسارق والناهب، إلى أن عُدِم هذا الشر في زمان ابن سعود، وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية.. فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركناً من أركان الدين، ويفهم عقلاً من سياستهم أنه إذا فُقد القاتل والسارق والناهب فأي سبب يمنع الناس من الاشتغال بالزراعة أو التجارة أو اقتناء المواشي في البادية المخصبة للتكسب من ألوانها وأصوافها وجلودها، وإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا يسرقون ولا ينهبون ولا يقتلون (...)".
ويمكننا عقلا التسليم بأن ما من حركة إصلاحية أو ثورية إلا وكان لها أخطاء، وإذا كانت بشاعة المخالفات العقدية التي وجدها الشيخ محمد بن عبدالوهاب سواء في الجزيرة العربية أو في العراق قد جعلت اتباعه يميلون إلى تكفير ارتكاب تلك الأعمال الشركية فإن الإرث الفكري الذي خلفه الشيخ مطروح لنقاش علماء المسلمين ممن جاء بعده، وليس نصوصا مقدسة لا يمكن المساس بها.
الدولة السعودية الثالثة انفتحت على العالم، والذين قادوا عملية التعليم والتنوير كانوا علماء من مصر والشام، وكان المصدر ومازال الكتاب والسنة. بمعنى أن "الوهابية" ليست مسؤولة عن الإرهاب. كما أن المملكة العربية السعودية كدولة لم تسمح يوما بأن تكون مصدرا لتهديد أمن وسلامة العالم.
أما السلفية، فتُشيطن في الإعلام الغربي وعلى ألسنة نخب وسياسيين في خطاب تعبوي يستعدي الرأي العام ويثير الخوف والهلع، وينذر باجتياحها المجتمعات الغربية وكأنها فكرة بربرية ذات جيش همجي يقف على بوابات الدول الغربية ويهدد سلامتها وأسلوب حياتها، لكن أيا من رواد وخطباء النفير المعادي للسلفية لا يمكن أن يناقش بمنطق وعقلانية المقصود بالسلفية.
التفسير الجاهز أنها حركة تعود بالمسلمين إلى ما كان عليه الإسلام في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا النمط من الدين مرفوض عندهم، فأي دين يراد لنا أن نعتنق؟
إذا كان السلفيون يريدون العودة بالناس إلى عهد النبوة، فهل يعني أنهم يريدون التخلي عن كل مظاهر الحياة، والعودة إلى عصر الجمال والبغال والحمير، وإلى الصحراء وشظف عيشها؟ وإذا كان المحرضون يرون أن ذلك هو غاية السلفية فإنهم يتجاهلون عن قصد خوض السلفيين في المغرب الانتخابات باعتبارهم حزبا سياسيا ضمن مكونات الحراك السياسي، ولم تكن الأحزاب والانتخابات موجودة في عصر النبوة. كما أن الدولة التي يزعمون أنها تجمع تحت سقف واحد الوهابية والسلفية تعيش حياة رفاهية قوامها منتجات الحضارة الغربية وخدماتها، فهل كان مجتمع النبوة يعيش هكذا حياة؟
قد يجادل المعارضون لهذا الرأي بأن المسلمين في ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما من الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية يعيشون حياة طبيعية بعيدا عن المخاطر المحدقة بالشرق الأوسط، وبالتالي فلا حجة عند من يزعمون أن الإسلام مستهدف. ويضيف آخرون وبخاصة من فئة "المتحولين" إلى أن مشكلة الغرب ليس مع المسلمين وإنما مع المتطرفين والإرهابيين.
ومع ما لهذا الرأي من قبول، فإن واقع الاستهداف لا يفرق بين الاعتدال والتطرف عندما يتعلق الأمر بالمملكة التي تحارب رسميا التشدد والتطرف والإرهاب منذ ما قبل الصحوة الغربية، وفي وقت كان الغرب يعتبر ذلك من حريات التعبير. خطاب الحملات الانتخابية في أميركا وفرنسا يهاجم المملكة ويقصد داعش، والقاعدة، والسلفية والوهابية، أو العكس.
نقل حميد بوزارسلان في كتابه الصادر بالفرنسية والمترجم إلى العربية بعنوان "قراءة في تاريخ العنف في الشرق الأوسط" عن هاردينج نائب ملك بريطانيا العظمى في الهند عام 1915م ما نصه: "آمل بشدة في أن تتشظى الدولة العربية المستقلة حتى لو نشأت. ما كان بوسع أحد أن يصمم مشروعا أكثر ضررا بالمصالح البريطانية في الشرق الأوسط من هذا المشروع. هو يعني ببساطة كاملة حكما سيئا، وفوضى، وفسادا، بما أن العرب لم يعرفوا ولن يعرفوا أبدا أي تماسك وانسجام".
والناظر بتبصر للأحداث من حولنا يراها تستهدف العرب سنة وشيعة ولكن وفق أولويات، وفي ذلك رمزية واضحة؛ فالعرب هم قلب الإسلام، وتفجير القلب يشل سائر الجسد. والسعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي يتعلق بها المسلمون والعرب على أنها الأمل المتبقي.
إن قدرة المملكة على مقاومة المشروع التدميري يتطلب معرفة أركان القوة وعدم المساس بها، وأعني الدين، واللحمة الوطنية، والنفط.
المساس بركن من أركان التمكن، يعرض البناء كله للخطر. الغرب ينصب لنا الفخ تلو الآخر تحت مسميات براقة، ولكن قراءة التاريخ وتجارب من سبقنا تكشفان عن أن الذين جاملوا الغرب على حساب مبادئهم، ومكتسباتهم الوطنية من أمثال شاه إيران، وآخر سلاطين الدولة العثمانية أصبحوا اليوم صفحات مهترئة في سفر التاريخ.
عبدالله موسى الطاير- الرياض السعودية-