الدواعش لديهم خلايا دعوية، يتم توظيفها ليس فقط في العمليات الإرهابية وإنما أيضاً في الترويج وتجذير الفكر الداعشي. ويبدو أن هذه الخلايا بعد محاصرتها، ومحاصرة ثقافتها، وفضح خطابها الدعوي والتضييق على دعاتها، لجؤوا إلى توظيف (الأغنية)، واستغلال شغف الشباب بها، ليمرروا الفكر الداعشي الجهادي، الذي يدعو إلى كراهية الحياة، ويُغري الشباب لتبني ثقافة الموت والترغيب فيما وراء الموت، والبحث عن الجنة، والزهد في الحياة ونعيمها، كما يفعل الدواعش عندما ينتحرون.
هناك أغنية شهيرة للفنان الأستاذ «محمد عبده» بعنوان (الأماكن)، لاقت استحساناً كبيراً من عشاق الفن والطرب، وانتشرت بين فئات الشباب، حتى أصبح كثير منهم يحفظونها، ويترنمون بلحنها العذب الشجي.
إحدى الخلايا الداعشية، سعت بطريقة جديدة للترغيب بالدعشنة، وجعل ثقافتها ومفرداتها وأجوائها حاضرة عند صغار السن، ولتحقيق هذه الغاية قامت بسرقة اللحن، واختارت شاباً صاحب صوت جميل، وتم نسج كلمات وعبارات من قاموس داعش وما يرددونه في خطبهم الدعوية، وقدموها في قالب فني جديد.
وغنيٌ عن القول أن الكلمة والعبارة لا يمكن أن تتعامل معها بشكل مجرد، وإنما وفق ما تحمله من دلالات، وما تثيره في ذهن المتلقي من أجواء ومناخات نفسية، والغاية أن تجعل هذه الثقافة ومنطقها وعباراتها تتسرب إلى وجدانك وتوجه مشاعرك.
ورغم أن السلفيين التقليديين يُجمعون على أن الغناء يتأرجح بين التحريم وبين الكراهية في خطابهم الفقهي كما هو معروف، إلا أنهم حصروا ذلك فقط في (الآلات الموسيقية)، أو ما يسمونه في المصطلح الفقهي (المعازف)، فقد أباح بعضهم الغناء والطرب بهمهمات ومؤثرات تحايلاً على التحريم، واختزلوا التحريم فيها، وأباحوا الترنّم بصوت الإنسان وسموه الحداء؛ وهو بالمناسبة ما يدعو إلى الاستغراب من تخريجاتهم، فصوت الآلة في اعرافهم حرام وصوت الإنسان حلال!
ويجب ألا نتعامل مع هذه الظاهرة بلا اهتمام، فاستغلال وجدان الإنسان وتحويله من كونه يعشق الحياة إلى أن يعشق الموت، ويوجه رغباته إلى الحور العين في الجنة، بدلاً من الحسان الكواعب في الدنيا، تحمل كثيراً من المؤشرات التي تشير إلى خطورة هذه الظاهرة على النشء، والعبث بالوجدان الإنساني.
ومن ضمن ما انفردت به داعش عن القاعدة، أنها استحدثت أساليب ترويج جديدة، لم تكن من ضمن أدبيات الرحم التكفيري (القاعدي) الذي أنتجها. فمثلاً فن (الشيله) الشعبي، المنتشر لدى قطاعات واسعة من الشباب، هُم أول من استثمره، واستثمروا أجواءه، وألحانه، كما في شيلتهم الشهيرة (يا عاصب الراس وينك). رغم أن هذا النوع من الفن الذي انتشر مؤخراً، وأصبح له من يستمتع بسماعه، هو من أحط أنواع الفنون في المملكة، وأكثرها تخلفاً، سواء على مستوى الألحان أو من حيث الكلمات، إلا أنه أصبح جزءاً من ثقافة الدواعش.
القضية قد تبدو للبعض (كاركتيرية) ساخرة، إلا أننا يجب أن نتعامل معها بمنتهى الجدية، نظراً لما لها من قدرة على ترويج الثقافة الداعشية ومفرداتها وأجوائها لدى الشباب.