عندما كنت طالباً في الصف الأول المتوسط كان مدرس الدين يقول لنا: عندما يأتيكم سؤال في الاختبار عن سيرة أي صحابي للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أول جملة في الإجابة يجب أن تكون أنه «كان صحابياً جليلاً عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من خيرة أصحابه»، وستحصلون على نصف درجة على هذه الجملة منفردة. بعد أن قال لنا المدرس ذلك، أصبحنا نمرُّ بشكل سريع وبدون تركيز في بعض الأحيان على سيرة أي صحابي في المنهج، ونركز على بقية المنهج، لكون أن لدينا إجابة جاهزة أو «إكليشة» سنضعها في ورقة الاختبار عندما يأتينا سؤال عن أي صحابي، وسنحصل بموجبها على نصف درجة دون عناء!.
أتذكر دوماً هذه القصة عندما أقرأ أي تقرير أو دراسة للعديد من المشاكل أو الظواهر الاجتماعية الموجودة لدينا، و»الإكليشة» التي نستخدمها دوماً ولا تتغير لأحد أهم أسباب المشكلة أو الظاهرة، وهي «ضعف الوازع الديني والأخلاقي»، وبعد ذلك تأتي بعض الأسباب الأخرى التي في مجملها قد تكون ضعيفة أو واهية، وكأن من قام بالبحث أو الدراسة يريد أن يريح نفسه من مشقة البحث عن الأسباب الحقيقة والمنطقية للمشكلة، وفي ذات الوقت لا يرغب بأن يقوم أي شخص بمناقشته في هذا البحث أو الدراسة، بعد هذا السبب المسكت والملجم لأي نقاش أو نقد، حتى أصبحنا جميعنا نردد هذه الجملة كالببغاء في أي مشكلة أو ظاهرة اجتماعية نواجهها أو نناقشها!. ولكن الغريب أننا نطبق الشريعة الإسلامية، ومجتمعنا محافظ، كما ندعي، ويُغلق جميع الأبواب والنوافذ من باب سد الذرائع، ومن المفترض بعد كل ذلك أن نكون المجتمع الفاضل الأفلاطوني، ولا يوجد «ضعف للوازع الديني» لدينا، لنستخدمه كشماعة لجميع مشاكلنا!.
قامت هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» مؤخراً بنشر دراسة عن أسباب انتشار الفساد المالي والإداري في القطاع الحكومي الخدمي، ولم تكن هناك مفاجأة حيث كان السبب الأول للفساد هو «ضعف الوازع الديني والأخلاقي»، والذي احتل نسبة (83%) من الأسباب الأخرى. بمعنى آخر، أن نزاهة استخدمت «الإكليشة» المعروفة لتسكتنا، دون احترام لعقولنا، حتى لا نناقشها في الأسباب الحقيقة للفساد. عموماً، لا نعرف ما هو رد نزاهة على تقرير مؤشر الفساد العالمي، الذي احتلت قائمته دولة الدنمارك كأقل الدول فساداً، رغم أنها في الغرب، الذي يسميه البعض «كافر»، ويوجد لديها نسبة ملحدين تصل إلى (52%)!. بينما نحن رغم هذه النسبة من التديّن والانغلاق نحتل المركز (52) في قائمة التقرير!.
علينا أن نكون صادقين عند الوقوف على الأسباب الحقيقية للمشاكل والظواهر الاجتماعية لدينا، لنتمكن من إيجاد الحلول الناجعة لها. أما إذا استمررنا في استخدام «إكليشة» «ضعف الوازع الديني»، فإن مشاكلنا ستستمر بدون حلول، لكون الحل يعتمد في المقام الأول على معرفة الأسباب الحقيقية للمشكلة.
قيصر حامد مطاوع - المدينة السعودية-