وسائل التواصل الحديثة من المنابر التي ينتشر منها القول، بل أكبر وأكثر انتشاراً وتأثيراً من منابر المساجد والإعلام التقليدية، فهي نعمة أو نقمة، وذلك حسب استخدامها وكيفيته، ومن أكبر النقم استخدامها باسم الدين بشكلٍ خاطئ، سواء كان مستخدمها متعمِّداً أو جاهلاً، ومن أجهل الجهل أن الجاهل يُوقن أنه على حق، وباسم الدين يتكلَّم، وقد ذكرتُ من قبل وأُكرِّرها لن يُغرِّب الدين أعداؤه، بل يُغرِّبه الجهلة الذين يمتطون بعض المنابر، ويتبعهم هؤلاء الذين لا عقول لهم تُدرك وتتفكَّر، بل الكثير من هؤلاء الأتباع يُعيد وينشر ويُكرِّر قول هؤلاء الجهلة، والأدهى أنهم فرحون بهم، ومؤمنون بقولهم. وبهذا يُشوِّهون صورة الدين الحقيقية؛ لدى المسلمين أو غير المسلمين.
وقد ظهر مقطع تداوله الكثيرون لشخصٍ ابتُلينا به، وهو في صالونٍ فاخر، وفي اعتقاده أنه يفعل خيراً، حيث قال: إن رضا الزوج أعظم من رضا الوالدين، لاحظوا «أعظم»، وليس «أوجب» ولا «أحق»، بل «أعظم» في رأيه، وفي هذا جهلٌ كبير، لأن رضا الله من رضا الوالدين، وهو رضا مُطلق ولا يُنتظر مقابل له، وعقوقهما من أكبر الكبائر، بل قرنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بالشرك بالله، والوالدان لا انفصال عنهما لا بطلاقٍ ولا بالتبرؤ، لأن الصلة؛ صلة ماء ونسب، ومن العقوق أن تنتظر منهما رداً للجميل أو مقابلاً لما تقوم به من لزوم الطاعة والرضا.
أما الزوج وحقوقه، فهي حقوق متبادلة وشراكة، وما ورد في السنة الشريفة يُؤكِّد أن له حقوقاً وعليه واجبات، قال سبحانه وتعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وأولهما القوامة، وهي مربوطة بالنفقة، وأما الأحاديث التي تحثُّ على طاعة الزوج وحقوقه، فمقابلها أحاديث تحثُّ وتوجب عليه التعامل بالمثل، وقد كتبت مقالاً مطولاً عن ذلك من قبل، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»، يُقابله حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».. وهناك أحاديث لا تصح لا نقلاً ولا معنى ولا عقلاً، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقولها مثل حديث (لعق القيح).. وقد كان صلى الله عليه وسلم يخسف نعله ويكنس بيته، ويقوم على مساعدة أهله في البيت، ويندر ذلك في أزواج اليوم، ويتضح من ذلك أن من يستحق السجود الممنوع هو من يتمتع بالخيرية، ويساعد أهله، وكذلك مَن قام بحقوقه من كسوةٍ ومأكل ومسكن لائق، استحق الخدمة من قِبَل زوجته، وقيامها على متطلباته.
ولعلم من جهل وجهر بقول أن حقوق الزوج أعظم من حقوق الوالدين، لو كلامه صحيح لما شُرع الطلاق، ولستُ بصدد تفصيل أسبابه الشرعية، وممكن للزوجة أيضاً أن تطلب الخُلع من رجل ليس أهلاً لها، وهي غير مرغمة للعيش معه، ولا مصاحبته في الدنيا بمعروف، بعكس الوالدين، وإن كانا كافرين، وجب على الابن أو البنت معاشرتهما في الدنيا بمعروف، كما قال تبارك وتعالى: (وَإن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).. وما اتكالي إلا على الله، ولا أطلب أجراً من أحد سواه.
أسامة حمزة عجلان- المدينة السعودية-