من على منبر تابع رسمياً لوزارة الشؤون الإسلامية أكّد أحدهم أن من تدخل ابنته أو أخته أو زوجته المجال الطبي ديوث، واستمرأ الصفاقة في القذف والشتم وطرح الكلمات النابية في وصف الأطباء والطبيبات والممرضات وطال القذف أسرَهم ووصف رجالَهم بالدياثة.. بل بلغ به الأمر أن حرض لسفك الدم حين أكد أن دماءنا دون أعراضنا...؟
لو أن هذا القاذف واحد واستثناء لكان ذكر اسمه لزاماً علينا جميعاً دون استثناء ردعاً له وتأكيداً لشذوذه الفكري ولو كان استثناءً نادراً لكان أيضاً إهماله كافياً لاندثاره، ولكن للأسف إنه يمثل جزءاً من مجموعة لا تقف عند حد اعتقادها الخاص بها بل تقوم بالوصاية على المجتمع وفرض رؤاهم بل والتحريض على من يختلف معهم، الشاهد المؤكد في الموقف أنه بزهم ببذاءته وصفاقة لسانه وقبح كلماته ووقاحتها وابتذالها المتعارض مع جمال قيم وأخلاق الإنسان المسلم.
الاستمرار في تلك اللغة الصفيقة القائمة على القذف للعاملين في القطاع الطبي عموماً تتطلب تدخلاً من الجهات المختصة وعلى رأسها وزارة الصحة التي عليها أن ترفع فضية قذف وشتم للعاملين فيها وتشاركهم في ذلك مؤسسات الدولة التي فيها مؤسسات طبية وأيضا القطاع الخاص مع ضرورة دعم الأهالي في أخذ حقوق أبنائهم وبناتهم، فتلك المفردات لا تليق بمنبر ديني بأي حال من الأحوال.
كما أن استمرار خطاب النقد السلبي لعمل المرأة عموماً وعملها في القطاع الطبي لا يؤسس لثقافة عامة تحترم المرأة وتحترم عملها بل إن ذلك يخلق حالة من التنافر بين توجهات الدولة واحتياجات المجتمع المدني من ناحية وبين عناصره التي تستلهم ثقافتها من هؤلاء.
وموقف سماحة المفتي من هذا المُدّعي الفهم والخوف والغيرة على أعراض الناس جاء في وقته وبخطاب قوي وواضح وبقي الأمر تحت مسؤولية وزارة الشؤون الإسلامية التي عليها تخليص مؤسساتها عموماً والمساجد على وجه الخصوص من هذا وأمثاله ممن يشوهون المحتوى القيمي للخطاب المنبري ويفرضون على المتلقي بذاءتهم وشهوانيتهم التي تحرك أفكارهم واتجاهاتهم نحو الإنسان عموماً وليس المرأة فقط.. بل إن بعضهم يعمل على التحريض وتأجيج الرأي العام.
الشكر للمحامي والناشط في منصات التواصل الاجتماعي الأستاذ عبدالرحمن اللاحم الذي تبنى موقف أهالي وأسر الطبيبات والممرضات باعتباره رجل قانون برفع قضية الأهالي في المحاكم المختصة لأخذ حقوقهم بالقانون وبميزان العدل، باعتباره يؤسس لثقافة مهمة في تفعيل القانون لحفظ الحقوق.
عقاب هذا وأشكاله قد لا يكون هدفاً بذاته ولكنه وسيلة لإعادة تصحيح اعوجاج بعض المنابر، أيضاً تأسيس ثقافة أخذ الحقوق بالقانون وضمن المؤسسات العدلية وتنفيذ قوانين سنتها الدولة لحماية المجتمع من المنحرفين فكرياً أو سلوكياً..
والأهم من وجهة نظري لابد من تأسيس خطاب منبري يحترم العمل ويحترم الحريات الشخصية ويكرس احترام الإنسان المنتج بصرف النظر عن جنسه وعن قبيلته أو طائفته، مع اجتثاث فكر التخلف الذي يسعى لإقصاء المرأة وتهميشها وعزلها فالزمن تجاوز هؤلاء وحراكنا التنموي بات واضح المعالم للجميع وخاصة مع المرأة التي نحتاج لدفعها للمشهد العام أكثر وأكثر وليس إقصاءها.
هيا عبدالعزيز المنيع- الرياض السعودية-