مجتمع الجماعات الجهادية ليس مجتمعا ملائكيا، كرامات قتلاهم ومصابيهم، ليست سوى مشاهد تمثيلة تصنع للاستهلاك الإعلامي ولترغيب الشباب بالالتحاق في صفوفهم"، بهذه الكلمات كشف عائدون من مناطق الصراعات حقيقة الجماعات المتطرفة وشعارات الجهاد التي تنشرها تلك الجماعات لتحقيق أهدافها وأجندتها السياسية. وذلك في الملتقى الثاني للتوعية الفكرية "التطرف بين التنظير الموهوم والواقع المشؤوم.. حقائق ماثلة للعيان"، الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالتعاون مع مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، وانطلقت فعالياته صباح أمس بحضور عدد من طلاب وطالبات الجامعة وبعض طلاب المدارس والمعاهد الثانوية بالرياض.
أرقام مدهشة
طرح الأكاديمي بجامعة الملك سعود، عضو هيئة تدريس مركز محمد بن نايف للمناصحة الدكتور علي العفنان، عددا من علامات الاستفهام أثارتها نتائج دراسات حديثة كشفت عن بلوغ نسبة منفذي العمليات الانتحارية السعوديين 65% من إجمالي العمليات الانتحارية، مشددا على وجوب التوقف عند تلك الأرقام وتجاوز الشباب السعودي لمرحلة "الدروشة"، والتفكير بتعمق ووعي أكثر.
وشدد العفنان على خطورة استغلال الجماعات المتطرفة لمواقع التواصل الاجتماعي في تجنيد الشباب السعودي خصوصا المراهقين، مشيرا إلى أن دراسات أجريت حديثة كشفت أن متوسط الساعات التي يقضيها طلاب المراحل المتوسطة والثانوية في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي 4 ساعات، فيما يقضي بعض الطلاب 13 ساعة في تصفح تلك المواقع.
الوقوع في الفخ
حدد خريج المركز بدر هذال العنزي عوامل أدت لانسياق الشباب السعودي وراء الدعوات الزائفة والوقوع في فخ الجماعات الإرهابية، ومنها استغلال النوازل وما يحدث من ظلم وقتل للمسلمين في بعض المناطق، واستغلال إساءة بعض وسائل الإعلام الغربية للإسلام والنبي "صلى الله عليه وسلم"، والفراغ الفكري لدى بعض الشباب، وتحريض بعض الدعاة والأئمة والخطباء الشباب للانخراط في الجهاد، وتشكل صورة ذهنية خاطئة عن الأمن السعودي مع المعتقلين، وإسقاط الرموز الدينية المعتدلة التي كانت تعتبر قدوة للشباب، وزراعة رموز دينة متطرفة ليقتدي بها الشباب.
تأثير المعلمين
أكد الباحث بشؤون الجماعات الجهادية محمد الملا، وهو أحد المستفيدين من برامج مركز محمد بن نايف للمناصحة، في تصريح لـ"الوطن" أن معظم كرامات قتلى الجماعات المتطرفة المنخرطة في القتال في مناطق الصراعات مجرد مشاهد تمثيلية يصنعها إعلام تلك الجماعات بهدف ترغيب الشباب بالجهاد وتجنيدهم، وحدد الملا 3 أساليب لصناعة كرامات القتلى والمصابين وهي، تصوير شخص يؤدي دور قتيل مبتسم أو يشير بأصبعه بالشهادة، شد وجه القتلى وأصابعهم وتصويرها على أنهم شهداء أصحاب كرامات، رش جروح المصابين بالعطر للمفاخرة بأن جروحهم تفوح بروائح زكية. وأشار الملا إلى أن بداية تجربته كانت بتأثره بالفكر الجهادي في عمر الـ16 سنة، حيث تأثر بأحد أساتذته بالمرحلة المتوسطة، "عائد من الحرب الأفغانية"، وكان يرى فيه علامات الصلاح والتدين، ونصحه بالانخراط في القتال في البوسنة والهرسك.
وفصّل الملا قصته مع أستاذه المحرض بقوله: "جئت إلى أستاذي في أحد المساجد التي كان إماما وخطيبا فيه، وطلبت منه النصح حيال الخروج للقتال في البوسنة والهرسك، والتي شاهد في وسائل الإعلام مناظر قتل وظلم يتعرض لها المسلمين فيها، وكانت إجابة الأستاذ كلمة الفصل والحافز في قرار السفر للقتال، حيث قال له الأستاذ: إنها حياة واحدة فلتكن في سبيل الله"، مشيرا إلى مفارقات حدثت خلال حديثه مع أستاذه لم ينتبه لها إلا بعد توقيفه ورجوعه عن أفكاره السابقه، وهي دخول ابن الأستاذ طالبا السماح له بالذهاب إلى نادي الفروسية، حيث رفض الأستاذ طلب ابنه وبرر رفضه بخوفه عليه من التعرض للأذى أو مخالطة أصحاب الأفكار المنحرفة.
وزاد الملا: لم أنتبه حينها لتلك المفارقة ولم أفكر لماذا رفض أستاذي ذهاب ابنه لنادي الفروسية خوفا عليه، بينما يدفعني إلى الانخراط في أتون حرب ضروس قد أتعرض للهلاك فيها".
وتحدث الملا: عما ينقل لنا عن مناطق الصراع والجماعات الجهادية، مؤكدا أن هناك من يصورها على أنها مجتمعات ملائكية، وذلك كذب وغير صحيح، مؤكدا أنها مناطق مفتوحة يجرب فيها على الشباب السعودي كل شيء، ويتم استغلاله لتحقيق أهداف سياسية واستخباراتية، لاعلاقة لهم بها، مشيراً إلى حادثة وقف عليها، وهي عندما وجد أحد المقاتلين مصابا يضع العطر على جرحه ليقال إنه ذو كرامة وأن دمائه تفوح منها رائحة زكية.
الوطن السعودية-