دعوة » مواقف

تقاسيم - الوعظ بـ «تكتيك» ... «مصادم للفطرة»

في 2016/12/20

ينتابك خجل طارئ من الكتابة ليس لأجل الكتابة ذاتها، بل للأسطر التي تضطر لاصطحابها في حضرة المقال، فالواقع يبوح بأنه كلما أخذتنا خيوط التفاؤل لمكان دافئ جميل سحبتنا مع بالغ الأسف والحيرة جملة للعصر الحجري وأشعرتنا أن الطريق نحو مزيد من الوعي والتفكير محاط بالمخاوف والشكوك وحجار الطريق المنتشرة بعبث... كم هو محبط للمجتمع المتعطش للفكر السوي أن تأتيه أوراق فظيعة مصادمة وصادمة لمنظومة الأخلاق والقيم الإنسانية، أوراق يمكن أن يقرأها صغير سن أو متلق مراهق في منحنى طريقين على اعتبار أنها مزيج مخيف من الفتوى والتسويق، ولي أن أقول بخجل سابق متكرر كيف يمكن أن نثق في وعينا وبيننا من الذين اصطلح على تسميتهم دعاة أو وعاظ وفيهم من يتبرع قائلاً «إن زنا المحارم أهون من ترك صلاة الفجر»، ثم نتساءل بعدها لماذا نكون مجتمعات تهتم بالعبادات الشكلية وتنغمس في التناقضات وحبال النفاق، وكيف لنا أن نتفاءل بحضور دعوي أو وعظي وثمة أفواه في الميدان تركل عقولنا بمقارنات استثنائية وتصفع بقايا الفطرة السوية لدينا، بل وتجلب سخرية كل من يتابع ويقرأ ويحلل ويفسر، وهنا بالضبط منطقة ملائمة للتأجيج وربط الرخيص بالرخيص.

صادم جداً أن نقول إن مجتمعاتنا جرحت حد النزف على أيدي كثيرين اعتلوا المنابر وتصدروا دوائر الوعظ، وهم يحملون لغة هابطة ونصحاً مجرداً من كل شيء، وفوق ذاك معبأون بعنف في التفكير وحدة في إبداء الرأي، وذاك مرده إلى أنهم لا يخافون من أحد ولا يعنيهم أحد إلا تمرير ما يريدون وبشجاعة مطلقة.

لم تكن قذيفة الداعية هي الأولى على صعيد الاستفزاز الاجتماعي ولا أظنها ستكون الأخيرة طالما كانت المنصة مشرعة لأن يولد في كل أسبوع داعية بلا مقدمات ولا تذاكر قدوم فضلاً عن نموذج مساءلة يتضمن الوجهة والنوايا والفكر، فشهوة تصدر المنبر والتمثيل الديني في القنوات ووسائل الإعلام بلا سرعات محددة، وقد تكون ثمة ضوابط لكنها مطاطة مفتقرة للصرامة، لتنمو الفواجع والمواجع ويجد الكاره قبل المحب الإجابة الكافية عن أسئلة معلقة على مشجب الصبر والصمت. الأثر الذي ينشأ من دعاة بمثل هذا المستوى من الاضطراب والتسرع والإصرار ذو أبعاد طاعنة للفرد والمجتمع، والأثر يمتد ليملأ الصورة البيضاء بسواد أكثر وأكثر. يتحدث عنا هذا الأثر بكثير من التطرف والتشدد ويجذب لنا مزيداً من الكراهية، وكيف نعيش خصوصية شاذة حتى في المقاربات والمقارنات وهذا وحده مزعج وكافٍ. وليت أن صوتاً رسمياً يناصح داعيتنا ولو سراً حتى وإن كان كما يشاع أنه عضو لجنة مناصحة سابق، فبعض التفاصيل الصغيرة تربك أكثر لأنها كعود ثقاب يحمل موته برأسه!

علي القاسمي- الحياة السعودية-