أحد خريجي المناصحة يقول للشباب: المتطرفون يقومون بجرّكم إلى مناطق الصراع، ثم غسل أدمغتكم فكريا وعقديا، حتى تكونوا سلاحا ضد وطنكم
ذات يوم، كنّا على موعد مع الاعتراف العلني الجريء النابع من قلوب مخلصة، هدفها كان تحذير الناس مما وقع فيه أولئك الشباب العائد من مواطن الصراع، بعد أن أمضوا 10 سنوات، تزيد أو تنقص، في حيرة من الأمر، كان وراءها وفي خباياها مرارة الغربة عن الأهل والأوطان، حتى هيأ الله لهم يقظة وهداية إلهية، عزّزتها جهود دولة مخلصة، تبناها رجل الأمن المخلص ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بإنشاء مراكز المناصحة التي تعيد تأهيل هؤلاء الشباب بعدة محاور وورش عمل وبرامج متنوعة، يتولاها الإخوة المختصون في مختلف المجالات التعليمية التي تسهم في تأهيل العائدين من البلاد المضطربة التي عاشوا فيها سنوات، كانت بالنسبة لهم جحيما لا يطاق.
ومن هذه البرامج، ذلك اللقاء العلمي الذي أقامه مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في ذلك الصباح الذي جمع أربعة من الشباب النَّابه والمخلص لوطنه، والذي نقل تجربته في أوساط طلاب الجامعة بما يربو عن ألف طالب وطالبة وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تحدث كل منهم من واقع التجربة التي قضاها في بلاد الصراع، ليحكي كل منهم، وبصورة تختلف عن الآخر، مآسي التطرف بين التنظير الموهوم والواقع المشؤوم في حقائق ماثلة للعيان.
تحدث أحدهم قائلا: "تخرجت من مركز المناصحة إلى مدرسة الحياة من جديد، ورجعت إلى وظيفتي في شركة الكهرباء، وتزوجت بفضل الله ثم بفضل إخواننا في مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة وتوجيههم لنا".
وأردف يقول: "نتائج السنوات العشر التي وقعتُ فيها، أتمنى ألا يقع فيها أحد منكم، أو أي أخ أو قريب، فأنتم إخواني وهذه مقدرات هذا الوطن نحافظ عليها، والوطن في حاجة لكم فهو أمانة، خاصة أعضاء هيئة التدريس، فعليكم مسؤولية توجيه الطلبة، كي يكونوا فاعلين في مستقبلهم، والآن بان الحق وبان الباطل، فأولا هؤلاء المتطرفون يقومون بجرّكم إلى مناطق الصراع، ثم غسل أدمغتكم فكريا وعقديا، حتى تكونوا سلاحا ضد وطنكم".
بينما تحدث آخر عن تجربته بنقل بعض المآسي التي تعرض لها أثناء التغرير به، وقال: "بعض ممن كان معنا مع الأسف ذهبوا إلى مناطق الصراع وقُتلوا، وكانوا ضحايا لبعض الدعاة الذين كانوا يتلبسون بلباس الدين، ويجرون إلى هذا النفق المظلم، وعندما قبض عليَّ كنت أظنُّها مصيبة، ولكن ولله الحمد كانت فرجا من الله لي وتصحيحا للمسار، وكانوا يقولون لنا: إن الجهات الأمنية هي عدوك اللدود، ولكن ما عشناه ولمسناه بحمد الله في مركز المناصحة مختلف تماما عما كانوا يقولونه لنا. فجزى الله الدولة كل خير".
وبعد استعراض هذه التجارب الماثلة للعيان، جاء في آخر المتحدثين من هؤلاء الإخوة الفضلاء من قال: "يجب أن تكون مدخلات الفكر صحيحة، لا أن تكون من الإنترنت وبعض المجاهيل، حتى تكون النتائج صحيحة والفكر سليما، والذي حدث لي إما بسبب الجهل، أو لأنني لم أبلغ الرُشد، ولكن بحمد الله تجربتي في البوسنة والهرسك يصدق عليها عنوان اللقاء "التطرف بين التنظير الموهوم والواقع المشؤوم"، وهذا ما لمسته هناك، كلها أوهام وليست حقائق، وما كان يُنقل عن مناطق الصراع بأنها مجتمع ملائكي وبأنها آمنة، وأنها مثاليات وأقرب إلى الله، هذا ليس صحيحا، فانتبهوا إنها مناطق مفتوحة كلٌّ يدلي فيها بدلوه، وبكل أسف يجربون فيها على أبنائنا كل شيء.
سأنقل قصة قصيرة من الأوهام: "أثناء ذهابنا إلى إحدى المعارك، وخلف التلال، وجدت أحدا ممن كان معنا مصابا في قدمه، تصوروا وجدته يخرج زجاجة عطر ويرشها على الجرح ليقال خرجت من قدمه رائحة المسك!، وقال يا أخي: اُستر عليَّ.
والقصص كثيرة، أقول لكم ولأبنائي وإخواني: احمدوا الله على ما أنتم عليه من نعمة الأمن والاستقرار، وأشكر مركز المناصحة الذي كان -بعد الله- عونا لنا حتى وصلنا إلى أن نكون معكم اليوم".
هذه صور وتجارب حضرتها داخل أروقة إحدى الملتقيات الفكرية العلمية التي عبرت عن ألف ندوة ومحاضرة، فشكرا للجامعة، وشكرا لوزارة الداخلية، ولمركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، ولرجاله المخلصين، وأعانكم الله وسدد خطاكم.
سليمان العيدي- الوطن السعودية-