قال عنّي «فضيلة الشيخ» أرضي شيئاً من غروري كافأته بأن خلعت عليه لقب «علاّمة» انتشى ثم التقاني مرّة أخرى وهو لم يزل بعد مزهوّاً بلقب «العلامة» الذي أسبغتُه عليه غير أنه كان أكثر سخاءً ذلك أنّ رصيده متخماً من «الألقاب» في بنك (طهبلت) المُتشبّع بما لم يعط إذ التقيته بعد يومين – فحسب – ذلك الذي كان قد منحني حينها نعتاً بـ»فضيلة الشيخ» فما كان منه إلا «صكّني» تالياً بلقبٍ اهتز من ثقل وقعه «عرشُ العلم» إذ حيّاني بقوله «حي الله العلامة..!» ارتبكتُ – بين يدي هذا الوصف الجديد – وأُسقط ما في يدي لا لأني تفاجأت فقط بضخامة الوصف – علامة حتّة واحدة – كلاّ وإنما ارتجّ عليّ إذ لم أجد في قاموسي ما يمكنني ردّ جميله بلقبٍ – هو الآخر – يكون في مقابل حجمِ ما أسبغه علىَّ من لقب «العلامة»!! وما لبثت أن تذكرت لفظة «إمام»! التي لم أستعملها من ذي قبل باعتبار أنّ من يستحقونها – بحقٍّ – قد هلكوا! و- لفظة إمام – هي من أنقذت موقفي فقلت بتوا ضعٍ – سمج/ مفتعل: لئن كنتُ «علامةً» وَفقَ ما نعتني به فإنك لأنت «الإمام» الذي حقٌّ على الناسِ كلّهم أن يُقبّلوا «رأسك»!! انفرجت إذ ذاك أساريرُهُ كما لم تنفرِجْ من ذي قبل فامتطّت على إثرِها خشته بـ «ابتسامة عريضة» استولت على كلا شدقيه!
مِن بعدِها بذلت الغايةَ من وسعي في أن أتجنّب الأماكن التي يُمكن أن التقيهِ فيها – ولو صدفةً – حتى إني آليتُ على نفسي لأن سلَكَ فجأً/ طريقاً لأسلُكنّ فجاً/ طريقاً غيره!! لا تمضي بكم الظّنونُ بعيداً وإنّما الذي كانَ يدفعني لتجنّب الالتقاء به هو خشيتي إن أنا التقيتُه أن يصفُني بسخاءٍ لا مثيلَ له بقوله: أهلا بـ»الإمام» مُحيّياً إيايَ على نحوٍ من طريقتِه السابقةِ التي ينشدُ من ورائها أن أردّ عليه بـ»لقبٍ» آخر يكون أفخمَ بكثيرٍ من لقب «الإمام»!! وليس بحوزتي من لقبٍ يستشرفه وبخاصةٍ أنّ «النبوة» قد خُتمت بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ بموته انقطع «الوحي»!!
المهمُ أنّي قد وجدتُ الاحتفال شغفاً بـ»الألقاب» مرضاً يُصاب به «الفارغون» وكلّما أوجسَ «الفارغُ» في نفسه خيفةً من اكتشافِ ما هو عليه في «الحقيقة» سارعَ إلى إحاطة نفسه بترسانةٍ من «ألقاب» يُداري بها تزييفه إذ لا يفتأ يوحي من طرفٍ خفيٍّ إلى مريديه ألاَّ يأتوا على اسمه مجرداً ومَن ابتغى من مريديه أن ينال حظاً من القُرب إليه فما عليه سوى أن يأتي بألقابٍ تكون أفخم ولها في الأذن وَقعٌ تُعيدُ فينا سيرة (شيخ الإسلام.. الحُجّة.. أمير المؤمنين في الحديث.. مُجدد)!!
في مثل هذه الظاهرةِ المسكونةِ بـ»التعالم» والمنتفخةِ بـ»الدعاوى» والمزهوّة بـ»الأنا» تكونُ الحاجة مّلحّة لطرحِ مثلِ هذه الأسئلة:
* لِمَ جاء ذكرُ «الأنبياء» في القرآن ممهوراً بأسمائهم فحسب في حين أنّ ذكر الله تعالى لصفيه ونبيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- جاء بوصف الرسالة/ والنبوة؟! بمعنىً آخر: لقد اكتفى الله تعالى وصفاً لمحمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- بالمهمّة التي أنيط بها تبليغاً، حيث النبوة/ والرسالة دون أوصافٍ من التبجيل كان يستحقها ولا ريب غير أنّه الأدب «الرباني» الذي لا يعرفُ التقديس للأشخاص.!
* أليس لنا في محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- أسوةٌ حسنة ذلك أنّه لم يخلع على أحدٍ من أصحابه – المقربين – أيّ لقبٍ يُمكنُ أن يشي بماكان عليه هذا الصحابي أو ذاك من ميزاتٍ لا تتوافر إلا فيه. مما يجدر ذكره هاهنا أنّ حديث «أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله – تَعَالَى – أُبِيّ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح»، الصحيح أنه مرسلٌ وهو إلى عدم الثبوت أقرب وليس له إسنادٌ تنهض به حجة باستثناء آخره وهو ماكان في شأن أبي عبيدة فإنه مخرّج في صحيح البخاري.
* لماذا نستطيب هذه الألقاب «سماحة.. معالي..» بينما هي – على التحقيق – ترجع إلى مصطلحاتٍ «كنسيّة»؟! كما أنه ليس بخافٍ أنّنا في الانتفاخ «الألقابي» نحاكي «النصاري» بحسبانهم معنيين بهذا الأمر حتى عُرف به!! (ويمكنُ أن نستأنسُ استدلالاً بقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»، مُتَفَقٌّ عَلَى صِحَّتِهِ)
* إلى أيّ مدىً يصحُّ الزعم بأنّ أيّ أمةٍ تفتقر لدورٍ «ريادي» وتقتاتُ تالياً على موائد الآخرين في الغالب ما تكون حفيّةً بـ»الألقاب» على نحو أُهزوجة «ألقاب مملكةٍ في غير موضعها…»!؟
* ما الأسباب التي جعلتنا لا نقرأ في كتبنا «المعتبرة»: سماحة العلامة عمر بن الخطاب.. أو شيخ الإسلام معاذ بن جبل.. أو المحدث أبو هريرة..؟! في حين لا يتاجسر أحدنا أن يأتي على اسم أحد رجال الدين المحدثين مجرداً من الألقاب!! ولا تسأل – يا صاحبي – عن المعاصرين ممن انضافت لأسمائهم ألقاب: الدكترة مع الإمامة والعلامة والسماحة!!
* أظننا لم نزلْ بعْدُ لئن لم نسبغ على جملةٍ من هؤلاء ألقاباً من «الفخامة» وهالاتٍ من «التبجيل» تورط أحدٌ فساق الاسم غفلاً من أي لقبٍ يسبقه فإنّه بالضرورة «التّصنيفيّة» سيكون متهماً في دينه أو على الأقل يناصب العِدا بوصفه: ذو قلبٍ مريضٍ إزاء «الصالحين»!!
هامش:
أعرفُ مَن يُلقّب بـ»المحدث» و «الحافظ» صار له أخيراً ظهورٌ «فضائيٌّ» غير أنّه لا يكاد يميّز المسائل الكبار في السّنن والآثار وأحصيتُ عليه 67 خطئاً لفظياً أثناء استعراضه كتاباً واحداً من صحيح البخاري ومن عجبٍ أن يُوصف بـ»المتقن»!!
تبقى أنّ أؤكد على أنّ التبادل الفجّ لهذه الألقاب الفضفاضة تفاخماً يبقى في كثيرٍ من حالاته «غشّاً» يُخدع به الدهماء من الأتباع على غير هدى فيتخذهم الناس رؤوساً/ وهم ليسوا أهلاً لذلك وإنما هو الوقوع في فخ ورطة «الألقاب» الذي لا يأتي بخير.!
خالد السيف- الشرق السعودية-