الأسبوع الماضي، قرأت تقريراً صحفياً عن الفتاوى الغريبة والمثيرة للجدل التي يطلقها بعض المشايخ والدعاة عبر القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي ويحدث على أثرها جَلَبة يصل صداها إلى وسائل الإعلام العالمية والتي تتعاطى معها من منطلق الدهشة والاستغراب والسخرية أيضاً، وكثير من هذه الفتاوى الغريبة والجدل الذي يثار حولها ينتج عادة بسبب استعراض ما يدور بين «السائل والمسؤول» على الشاشات ووسائل الإعلام المختلفة، على غرار المتسائل عن حكم معاشرة جثة زوجته بعد موتها وإجازة ذلك من قبل أحد العلماء العرب، ومن هنا جاءت أهمية معالجة «فوضى الإفتاء» من خلال الالتزام بالرجوع إلى هيئة كبار العلماء وأعضاء «اللجنة الدائمة للفتوى» باعتبارها المرجع الشرعي الرصين لاستقاء الفتوى، ولكن القضية الأهم الآن ليست في الفتاوى الغريبة بل الفتاوى التي لم تعد صالحة لهذا الزمان وأصبحت غريبة على المتلقي بسبب تغير الأعراف والعادات وبحاجة إلى اجتهاد العلماء في هذه النوازل.
ونستشهد في ذلك بالقضية التي أثيرت في مايو الماضي عندما سأل أحد الأشخاص في لقاء متلفز أحد المشايخ عن حكم تصوير السيلفي مع القطط بعد انتشار هذه الظاهرة بين السعوديين بحسب ما ذكره السائل، فأجابه: «التصوير لا يجوز إلا للضرورة... لا مع القطط، ولا مع الكلاب ولا مع الذئاب ولا مع أي شيء»، وانتشر هذا المقطع في وسائل التواصل الاجتماعي ثم تلقفته وسائل الإعلام العالمية بعد ترجمته وتناقلته على شاشات التلفاز والصحف والمجلات، مثل «واشنطن بوست» و«نيوزويك» الأمريكية، و«إندبندنت» و«دايلي ميل» البريطانية، ليصبح حدثاً عالمياً مثيراً، وهذه الفتوى قد تتفهمها الأجيال التي عاصرت مرحلة ما قبل ظهور شبكة الإنترنت وثورة الاتصالات والهواتف الذكية، ولكن الجيل الذي نشأ في بيئة التواصل الافتراضي وفتح عينيه في هذه الدنيا على أنماط جديدة في التواصل، من الصعب أن تعزله من أدوات عصره التي أصبحت جزءا من حياته اليومية، ولذلك كان وقع فتوى تحريم التصوير على الأجيال التي نشأت مع دخول الألفية الثالثة غريبا عليهم هنا في المملكة، أي على الصعيد المحلي قبل أن تتطور وتتحول إلى قضية عالمية يتعامل معها الغرب بمنظورهم المختلف عنا اجتماعياً وثقافياً وعقائدياً.
وذات الأمر ينطبق على فتاوى أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر، تحريم سفر المرأة بلا محرم، وتمسك بعض مشايخنا بهذه الفتاوى بالرغم من أن باب الاجتهاد في هذه المسائل مفتوحاً، ولذلك هناك من أجاز ذلك من علمائنا الأفاضل، باعتبار أن وسائل السفر الحديثة اختصرت المدة إلى ساعات محدودة وانتفت المخاطر التي حرم بسببها السفر على المرأة بدون محرم عن زمن مضى حين كانت الدواب هي وسيلة السفر.
القصد في كل هذا هو ضرورة مراعاة المشايخ والدعاة الحال والزمان عند إصدار الفتوى والاجتهاد في كل ما يتناسب مع الواقع الذي نعيشه وبما ييسر على الناس أمور حياتهم، وليس القصد الإخلال بالثوابت مثل أحكام شرب الخمر والزنا والميسر والتي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، أما مسألة «التصوير الفوتوغرافي» على سبيل المثال فهي محل اجتهاد وينطبق عليها فقه النوازل، وإلا لماذا اختلفت حولها آراء العلماء، كما أن الكثير من أساتذة العلوم الشرعية ومشاهير الدعاة والأئمة أصبحنا نشاهدهم يلتقطون «السيلفي» و«السنابات» ويضعون صورهم في المناسبات على «إنستغرام» وغيرها من وسائل التواصل الحديثة، وبالتالي وجد الجيل الناشئ نفسه وسط حالة من التناقضات التي يصعب عليه تقبلها واستيعابها.
وكل من نخشاه من إعادة إنتاج الفتاوى القديمة مثل «تحريم التصوير» هو أن الأجيال الحالية سوف تتساهل في إهمال أمر الفتوى، فكيف سيتعامل الشباب اليافع مع فتوى تقول إن شتى أنواع التصوير حرام إلا في الضرورات مثل التقاط الصورة الشخصية في جواز السفر وبطاقة الأحوال المدنية، سوف يستمعون إلى هذه الفتوى التي أصبحت «غريبة» بآذانهم اليمنى ويخرجونها من اليسرى وكأن شيئاً لم يكن، ويعودون إلى ممارسة حياتهم التي أصبح فيها التصوير جزءاً من ممارسات يومية معتادة في التواصل مع العالم من حولهم، وهذا ما حدث بالفعل.
وبالتالي.. الإصرار على هذه الفتاوى التي أصبح تطبيقها مستحيلاً لا فائدة منها سوى إلحاق الضرر بالمجتمع والتأثير على تمسك المسلمين بعقيدتهم، ومع تزايد هذه الفتاوى والإصرار عليها سوف يعود الإسلام غريباً كما جاء في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء).
خالد عباس طاشكندي- عكاظ السعودية-