دعوة » مواقف

السر والعلن في معالجة التشوهات الفكرية بالمناصحة

في 2017/02/21

أكبر سؤالين كانا يترددان في ذهني قبل زيارة مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية هما: لماذا ينتكس من خرجوا للحياة بعد المناصحة، هل لأن البرامج ليست جدية أو ناجعة، أم أن قدرة المنتكسين على الخداع أقوى من المعايير والمقاييس التي يقاس بها المستفيدون من البرامج؟ ولماذا نجد في لجان المناصحة أعضاء هم في أفكارهم المعلنة أقرب إلى أفكار المتطرفين الذين يناصحونهم؟
ومع أني أزعم لنفسي قدراً غير يسير من المتابعة للمركز ونشاطه، ولي بعض الصلات بزملاء في لجان المناصحة، لكني بعد أن قضيت يوماً كاملاً في المركز، التقيت خلاله بالعاملين بمختلف مهامهم ووظائفهم وناقشتهم نقاش الناشب في النحر، وقابلت المستفيدين في مراحلهم المختلفة.. والمستفيدون مصطلح يطلق على المحكومين من سجون المباحث وانتهت محكوميتهم أو كادوا، ويخضعون لبرامج المناصحة المختلفة الشرعية منها والنفسية والاجتماعية والإرشادية وغيرها، أقول بيقين: إن فكرتي عن المركز كانت محدودة في إطار جزئي، والصورة النمطية عندي أو ما تنشره بعض الوسائط فيها حيف كبير على المركز ودوره، ولئن كان اليوم الطويل الذي قضيته غير كاف لاستكمال كل البرامج والمناقشات، فإن ما شهدته كان ضرورياً للحديث عنه وليس من رأى كمن سمع.
قبل أكثر من عام التقيت الدكتور أحمد الرضيمان في بريدة لأول مرة وسألته بعد أن علمت أنه ضمن لجان المناصحة عن القضايا المكررة والمشتركة التي تتردد دائماً بين المشايخ وأصحاب الفكر الضال، وحدثني عنها حديث العالم المتمكن، وعندما عدت إلى "الوطن" تذكرت حديث الدكتور أحمد وفكرت في نشرها، ولكني وقعت في حيرة بين فكرتين: هل الأفضل أن ننشر هذه الشبه والرد عليها من الكتاب والسنة وآراء وفتاوى العلماء المعتبرين والمعتدلين لتعم الفائدة وينتفع بها الناس؟ أم أن نشر هذه الشبهات يفتح الباب لإعادة إنتاجها من جديد ولا نأمن مغبة أن يستغلها البعض لترويج الشبهات دون ردودها؟ وبالتالي تساهم في نشر أمر أردنا خلافه، ولكني ملت إلى الفكرة الأولى، لأن هذه الشبهات ليست سرية أو مجهولة بل هي منتشرة على الإنترنت، ويستغلها دعاة الفتنة والضلال، وإن لم تذكر في العلن فإنها سوف تتبادل في السر واللقاءات والمحادثات الخفية والسرية، ونحن بحاجة إلى أن نضع الردود بين يدي أب أحرجه ابنه بأسئلة حائرة قرأها أو سمعها، وبين يدي معلم سأله أحد طلابه أمام الآخرين ولم يجد عنده جواباً شافياً كافياً، ونشرنا الشبهات والرد عليها في "الوطن" على حلقات وتلقاها الناس بالقبول، وقامت جامعة حائل بنشرها بين دفتي كتاب طبعت منه آلاف النسخ ووزعته على طلاب الجامعة، ووضعته بين أيدي المختصين وطلاب العلم، وقدم للكتاب الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، فالقضية قضية وطن لا تمس أفراداً فقط ومناقشة الأمور في النور تكشف مكامن السوء، ولو كان هناك خلل فمعالجة الخلل الفكري في النور أفضل من دمدمته، والكتاب تضمن 3 أقسام: الأول دعاوى وشبهات الإرهاب ويحتوي على خمس شبهات رئيسة والرد عليها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء وهي خمسة، فيما تضمن القسم الثاني أسس الفتنة وهي ستة.

اكتسب فرادته من تجاربه وخبراته وتعامله مع التشوهات الفكرية
كنت أتخوف كثيراً من بعض أعضاء لجنة المناصحة، وأرى أن بعض هذه الأسماء تحتاج هي نفسها إلى مناصحة، وسألت تحديداً عن أسماء وتوجهات، واكتشفت أن (م1) عمل في لجنة المناصحة في بداياتها، ولم يعد كذلك منذ زمن طويل، ومع ذلك يقرنه الناس أو يقرن هو نفسه باللجنة، أما (م2) الذي يذكر في معرفه الشخصي أنه من لجنة المناصحة فلم يكن منها أبداً، ولكنه جاء في فترة استعان فيها المركز بفئات من المجتمع للزيارة والإطلاع، وأخذ الأفكار والملاحظات، وكان منهم في هذه النقطة تحديداً ولا شيء بعد ذلك، ولا أعلم لماذا يستغلون اسم المناصحة ضمن معرفاتهم؟ أو لماذا يسكت المركز على استغلال اسمه من قبل أشخاص يثيرون التساؤل، وإن كانوا لفترة محددة فلماذا لا ينص على ذلك من قبلهم أو يوضح من قبل المركز؟
مصادفة
قابلت في أثناء الزيارة عدداً من الأعضاء دون ترتيب مسبق بل تصادف وجودهم وفق برنامجهم الشرعي والنفسي والاجتماعي، هم الغاية علماً وفكراً ورؤية وخلقاً، غير أن هذا لا يعني عدم وجود طوائف مجتمعية أقرب إلى التشدد، وإلى المتطرفين أميل، كما يوجد آخرون هم في الطرف الآخر المناقض، وتصادف في زيارتي قدوم وفد من الشخصيات العلمية المعتبرة بعضهم أدلى بتعليقات أو قام بتصرفات يحتاجون هم نفسهم معها إلى مناصحة، لكن المطمئن في الأمر أن أعضاء اللجان بفروعها الأربعة الشرعي والاجتماعي والنفسي والإرشادي لا يتركون على عواهنهم فالجلسات موثقة وتخضع للمراجعة، وهم على علمهم وفضلهم قد يُستغنَى عمن لا ينسجم مع رؤية المناصحة وأهدافها.

فرادة
يكتسب مركز المناصحة فرادته وريادته من أنه يتعامل مع التشوهات الفكرية، واكتسب تجارب وخبرات بناها بنفسه على غير مثال سابق، فقد سبق أن اطلعت عن كثب على جوانب من أسلوب مصر والمغرب والجزائر منذ 15 عاماً عن طريق رجال أمن سابقين ومفكرين ومختصين في شؤون الإرهاب، وما في المركز يسبح في فلك آخر، ويسير في خط مختلف، ولذلك كانت النائبة بالبرلمان الفرنسي ونائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة بالبرلمان ناتالي جوليه، عندما التقينا بها في باريس تتحدث وزملاؤها بحماس عن تجربة المناصحة السعودية وتطلب تعميمها في أوروبا، ومراكز المناصحة التي أنشئت بأسماء مختلفة في الإمارات وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة والباكستان والبحرين خرجت من رحم مركز المناصحة السعودي واستفادت منه، وكلما تعثر شيء لديهم طلبوا لجاناً من مركز الأمير محمد بن نايف لتسديد مسارهم، والمنتدى الدولي لمكافحة الإرهاب الذي يضم 30 دولة يعتمد اعتماداً رئيسياً وعضوياً على المركز.

الوطن السعودية-