دعوة » مواقف

التعليم الديني في السعودية

في 2017/03/03

يقول الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم الأسبق (2013 – 2015) "التعليم في السعودية بأكمله للمتشددين، ولم يكن هناك مجال للفكر السعودي المعتدل ولا لمنهج الاعتدال، لقد تخلينا عن أبنائنا واختطفوهم ..". وفي سياق الدور الذي سيلعبه لتغيير تلك الصورة بعد توليه الوزارة، أكّد الأمير على أن وزارته ستسعى لنشر منهج الاعتدال على كافة مستويات التعليم ومناهجه، وخاصة الدينية، وأنه تمّ رصد ميزانية ضخمة لهذا الغرض، حوالي 21 مليار دولار، تحت اسم مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام في المملكة!

أمّا وزير التعليم الحالي فيقول في كتابه الموسوم "إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجّس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية"، والذي كان صدر عام 2009 ومُنع وقتها من التداول بسبب نفوذ المتشددين: "مشكلة فشل إصلاح ما هو معطوب في النظام التعليمي القائم لا يعود حصرياً للضعف النوعي للمناهج أو مستويات المعلمين أو في البيئة التعليمية، إنما يعود إلى تخلّف فلسفة التعليم ذاتها وبالتالي الى غياب الرؤية السياسية الحاسمة للتغيير"، على اعتبار أن تضخيم وتغويل الاهتمام الكمي والكيفي والعملي بالعلوم الدينية وعلوم اللغة العربية، على كافة المستويات من الروضة إلى الجامعة، وعلى حساب العلوم الأخرى، يشكل خياراً متعمداً لا يعطي إلا نتائج بائسة نلمسها في كل ميادين الحياة السعودية!.

شدّة الصراع القائم
الاستعانة بأقوال وكتابات اثنين من أصحاب الشأن، ومن المسؤولين السعوديين ذاتهم، رغم كثرة الناقدين للنظام التعليمي من النخب الأكاديمية والثقافية السعودية المتنورة، والذين يتطلّعون أيضاً بطروحاتهم للإصلاح الحقيقي، تدلّل على عمق الصراع الدائر بين مراكز القرار المؤثرة بالمملكة. فالوزير الأول هو من أمراء الأسرة الحاكمة، لكنه ليس من أصحاب القرار، والوزير الثاني ليبرالي متنور وهو من الكفاءات أو من يسمَّون بالتكنوقراط، المهنيين المهرة القادرين على التخطيط السليم وعلى وضع الأصابع على مَواطن الخلل. الأمير خالد الفيصل يتهم صراحة المتشددين، لكنه لا يستطيع إدانة التواطؤ والتماهي التاريخي ساري المفعول بين فكر وممارسات هؤلاء المتشددين من جهة وبين الأسرة الحاكمة من جهة أُخرى وفلسفتها بالحكم المبنية على الطاعة العمياء لأولي الأمر، وعلى رفض أيّ نوع من الفصل بين السلطات، وعلى تركيزها بيد الملك وحاشيته، وعلى نظام التخادم البرغماتي مع المتشددين الليّنين أو المتشددين من آل الشيخ ومن فرّختهم هذه الحاضنة الدافئة من جماعات متشددة. أما الوزير الثاني فهو ينتظر الحماية من الملك بوجه المتربصين به، وهو العارف بأن وجوده في الوزارة يخدم الصورة التي يحاول هذا الأخير الظهور بها أمام المنتقدين في الداخل والخارج. أما إعطاء الضوء الاخضر لإجراءات جدّية تحدّ من سطوة التيار الديني السلفي على منظومة التعليم، فأمر آخر.

لماذا الحداثة؟
خشية أولي الأمر من غضب الغرب، وتحديداً أمريكا، على حالة التعليم التي تبعث على الجهاد التكفيري، وعلى رخاوة الإجراءات التي يتبناها الحكم السعودي بوجه المتشددين، ومحاولة ظهوره بمظهر الحداثة، هي البواعث الحقيقية لبعض الاستجابات الإصلاحية، إضافة إلى حاجة الحكم الفعلية لكوادر متعلمة تتقن اللغات واستخدام الأجهزة والمعدات التي يحتاجها لتسيير اموره ، بعد ان اتّسعت دوائر الحكم ولم تعد مدنه ملحية صرفة كما وصفها عبد الرحمن منيف في رواية "مدن الملح"، يمكن سد حاجتها باستقدام ذوي الاختصاص من البلدان العربية الأخرى، وخاصة الكوادر المتقدمة، إلى جانب الخبراء الأجانب!

عام 1924 أنشأت "مديرية المعارف" ومعها تعزز وجود بعض المدارس الابتدائية التقليدية والتي كانت حصرياً في مكة والمدينة وجدة. وسعت المديرية لافتتاح مدارس حكومية جديدة مشابهة في العديد من المدن المشمولة إضافة إلى دار لإعداد المعلمين في مكة. عام 1930 ظهرت أولى بوادر الاعتراض على ما يدرَّس في تلك المدارس، لذلك جرى التأكيد على تحشية كل المراحل الدراسية بعلوم الدين واللغة العربية وعلى تقزيم كل العلوم الأخرى في كلّ المراحل. وفي كتاب حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز بين أعوام 1915 – 1934 "جزيرة العرب في القرن العشرين" تفاصيل تشي بهذا. فالجغرافيا التي تقول بكروية الارض مرفوضة ومثلها أيّ وسائل تعليمية كالخرائط الكروية تحديداً، على اعتبار أن لا وجود لنصّ قرآني يشير إلى هذه الكروية.

عام 1953 أُنشأت وزارة المعارف ومن إنجازاتها أنّها زادت حصص بعض المواد الدراسية العلمية وأضافت مواد أُخرى جديدة. وبعد ذلك جرت اعتراضات قوية وحملة شنّها التيار السلفي ومن يتبعه، أكّدت على عدم شرعية تقليص دروس الدين لحساب دروس تتعارض مع العقيدة الإسلامية كالفنون التشكيلية والموسيقى واللغة الإنكليزية. الحكومة من جانبها حلّت الأمر بطريقة تبتعد عن محاورة أصحاب هذه الآراء وتحجيم حججهم: اكتفت بفتح مدارس ومعاهد أهليه تستوعب الدروس الجديدة!

تغيرت مرارا أسماء الوزارة أو الوزارات المعنية بالتعليم العام والتعليم العالي من معارف إلى التربية والتعليم إلى جانب وزارة التعليم العالي ثم إلى توحيد الوزارتين بوزارة واحدة يديرها حالياً د. أحمد العيسى، صاحب مسرحية "وسطي بلا وسط"، التي اقتحم عرضها في جامعة اليمامة شباب المطاوعة أيّام كان الوزير عميداً لكلية اليمامة 2006!

توجد في المملكة 33,500 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية، وتوجد 33 جامعة منها 24 جامعة حكومية و9 جامعات أهلية. الجامعات الأهلية يغلب عليها الطابع العلمي البحت، ومعظمها تأسس بمبادرة أمراء الأسرة الحاكمة لتكون تخريجة عملية أمام ثوابت التعليم الجامعي الحكومي، وجسراً إصلاحياً مقبولاً لتنفيس جزء من الاحتقان الداخلي، والتعامل المنتج مع الجامعات الأجنبية. ومن تلك الجامعات "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" و"جامعة الأمير فهد بن سلطان" و"جامعة الأمير محمد بن فهد" و"جامعة الأمير سلطان".. أمّا الجامعات الحكومية فهي تدرِّس بعض علوم الدين في مناهجها إلى جانب تخصّصاتها. وهناك كلّيات وجامعات حكومية مغلقة لعلوم الدين يحرم دخولها على النساء، ناهيك عن منع الاختلاط في جميع مدارس وجامعات المملكة وخاصة الحكومية، عدا روضات الأطفال. وإلى جانب هذا العدد من الكليات والمعاهد والمدارس، توجد مئات المدارس لحفظ وتجويد القرآن وإعداد خطباء الجوامع والقضاة الشرعيين والأئمة، وهي جميعها، أهلية كانت أم حكومية، تعتاش على الدعم المالي الحكومي وعلى زكوات المتنفّذين من تجار ومقاولين وأصحاب عقارات أو من يتصاهر معهم من الطفيليين والمتسلّقين، وهي تكلِّف سنوياً مليارات الدولارات!

فشل نوعي وتبديد كمّي


أغلب المؤشرات، الداخلية والخارجية، تلوح بفشل النظام التعليمي عموماً والديني خصوصاً، على المستوى النوعي لأنه يُسهم في تخريج أجيال جاهلة يسهل غسل أدمغتها وحشيها بالتلقين. وعليه فليس بالغريب أن تفشل سياسة السّعوَدة لأنّها لم تجد في هؤلاء الخرّيجين من يعوّض الكفاءات العاملة الوافدة. حتى نظام السنة التحضيرية لم يسعف الضعف البنيوي للمعرفة والتعليم عند الطلبة المتقدّمين للجامعة.

وبحسب البنك الدولي، فإن السعودية في مراتب متدنية في معظم مؤشرات الكفاءة المعلوماتية والتقنية. يُستقطع لقطاع التعليم 23 في المئة من إجمالي ميزانيات العشرة أعوام الأخيرة لعموم قطاعات المملكة. عشرات المليارات من الدولارات تذهب للمباني والأجهزة والمستخدمين والمناهج.. والنتيجة فشل نوعي.

جمال محمد تقي - السفير اللبنانية-