يتفق المتطرفون على تكفير المجتمع السعودي بعمومه معتمدين على نصوص مجتزأة من سياقاتها تبرر لهم استباحة الدماء. كما أن الخطاب الإعلامي الليبرالي يدعشن المجتمع السعودي. هذه الحدية التي يتوافق عليها الدواعش والليبراليون تخدم أهدافا سياسية في المقام الأول؛ فأولئك يكفرون المجتمع لتبرير الإرهاب الذي يفضي إلى قيام دولة الخلافة، وهؤلاء يدعشنون المجتمع لحث دولهم على تخليص السعوديين من سطوة الإرهاب "الديني". الفئتان تمارسان الانتقائية تارة والتعميم تارة أخرى، وتوظف النصوص والأحداث بما يخدم أهدافها.
المسمون بالوهابيين (أي السعوديين) كفرة عند الإرهابيين، وهم عند الليبرالية العالمية منطلق الإرهاب ومعاده. ويرى البعض أنني متحمس في تبرئة الوهابية بينما أراني أعيب تقديس البعض لإرث الشيخ الديني. في نهاية المطاف أنا أدافع عن السعودية التي أعرفها حيث نتفق على الإسلام كما نزل. فهل جاء ابن عبدالوهاب بما يخالف ذلك؟ وهل أنا ملزم بمتابعته في الخطأ؟ الشيخان ابن باز وابن عثيمين يعتبران أصحاب المذاهب الأربعة علماء مجتهدين قد يقعون في الغلط، وبذلك فإن المتأخرين ليسوا متعبدين بخطأ من سبقهم وزللهم، وإنما بالعودة إلى المصادر الأصلية: القرآن والسنة. فإذا كان القول ينسحب على أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل أفلا يكون من باب أولى أن يسع الشيخ ابن عبدالوهاب ما وسع المتقدمين؟
لنتأمل حالتنا السعودية، وما إذا كانت المناهج المدرسية والمقررات سببا في الإرهاب والتطرف. المدرسة السعودية كانت أكثر التصاقا بالمؤسسة الدينية، ومع ذلك افتتح التلفزيون، وأذيعت أغاني أم كلثوم وسميرة توفيق وشادية والشحرورة وفيروز، وكانت دور السينما مفتوحة، حدث ذلك في المدة التي تلت توحيد المملكة إلى عام 1980م، فهل كان المجتمع ضالا على مدى 50 عاما من عمر المملكة؟ أم أن تدينه الطبيعي لم تخالطه السياسة؟
التحولات المحلية والإقليمية التي بدأت عام 1980م هيأت لتدين سياسي تشكل بوضوح بعد عام 1990م، وعلى الرغم من أن المحتوى الديني في مناهجنا ومقرراتنا المدرسية خضع لمراجعات متعمقة وبخاصة منذ عام 2001م، وعلى الرغم من أن الفضاء أمطرنا بترفيه منهمر، وأن الحدود ذابت بين الثقافات، وأن المجتمعات اتصلت ببعضها البعض، فإن ظاهرة الإرهاب وتشنج الخطاب الوعظي أخذا في الاتساع وليس الانحسار. تشدد الخطاب الدعوي يمكن أن يتموضع في سياقه الطبيعي كرد فعل عفوي لمسلم يشعر أنه مهدد في دينه وهويته فيحتمي من الخطر الداهم بخطاب حماسي متشنج يستحث به أتباعه للتمسك بالدين أكثر منه تحريضا أو دعوة إلى العنف.
ولكن الانفتاح من جهة، وخوف المجتمع من آثاره السلبية على النسق المعيشي المعتاد من جهة أخرى قدّم فرصة مواتية لتيارات الإسلام السياسي لتقديم نفسها منقذا للفضيلة. وفي الوقت الذي صرف العلماء فيه جهدهم في فترة ما قبل عام 1980م للمحافظة على استقرار الحكم في السعودية، ودعموا البناء والتطوير، واعتمدوا النصح لولاة الأمر بالطرق الشرعية التقليدية، فإن دعاة التيار السياسي بقصد أو بدونه عمقوا حالة الخوف على الدين والهوية، وأعلنوا مواقف ناقدة للدولة ورجالها جعلت عامة الناس وصغار الشباب المتحمسين يجدون في أسلوبهم "كلمة حق عند سلطان جائر"، وإذا كان هذا التيار الذي سيّس التدين قد تمتع بذكاء في عدم التحريض المباشر على العنف فإنه قدم نظريات في الحكم والمعارضة اعتمدت عليها الأذرع الإرهابية المسلحة في صياغة الفتاوى التكفيرية.
المنطق وتسلسل الأحداث التي تضيق هذه الزاوية عن ذكرها تدفع بأن الإرهاب سواء داخل المملكة أو خارجها ليس ابنا شرعيا للوهابية أو السلفية بمناهجها المدرسية وخطابها الدعوي، ولكنه حتما وليد تزاوج المصالح بين الإسلام السياسي من جهة، وأجهزة مخابرات عالمية وجدت فيه شريكا فاعلا لخلخلة المجتمعات العربية تمهيدا لتلبية استغاثة الخطاب الليبرالي المتطرف.
عبدالله موسى الطاير- الرياض السعودية-