وصف نفسه بأنه إنسان مشتبك مع قضايا عصره، وهموم وطنه، فيما يحمل البايو الخاص بحسابه في «تويتر» عبارة تشخص الواقع الاجتماعي وتختصر أبعاداً كبيرةً في حوارنا الثقافي عندما قال: «المتعصّب يطل على المشهد من ثقب الباب الصغير؛ لذا يكرهك ويمقتك حين تفتح الباب وتريه المشهد كاملاً!».
إنه الأستاذ عبدالله الكويليت رئيس تحرير مجلة الفيصل سابقاً والمدير التنفيذي لمركز البحوث والتواصل المعرفي في الرياض، وهو قبل كل ذلك كاتب صحفي معروف بآرائه الناقدة لمرحلة الصحوة التي يرى أنها «حولتنا من مجتمع طبيعي متسامح إلى مجتمع عصابي عدائي وإقصائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى».
في هذا الحوار يطلّ الكويليت بإجابات مقتضبة وكلمات قليلة كونه لا يحب الكلام الكثير، كأنما يطبق مقولة النفري أنه «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، لكنها، أي عباراته أو على الأدق إجاباته، لا تخلو من العمق ونكء الجراح عميقة بما تحمله من صراحة قاسية، وإن كان أحياناً لا يسمي الأشياء بأسمائها، لأن ذلك يتطلب، من وجهة نظره، «مناخاً صحياً وحرية رأي لا نملكها، وإلا دفعنا الثمن باهظاً» كما يقول.
هنا الكويليت يجيب عن أسئلة «عكاظ» أو (جدلها) بما هو أكثر إثارة للجدل عندما يصف مجتمعنا أنه «مستنقع راكد ألقي فيه حجر كبير»، وأن «تويتر» يُحسب له أنه «وسّع هامش الحرية اجتماعياً وسياسياً، وحطم الكثير من التابوهات القديمة في مجتمعنا».. هنا نصّ الحوار:
• أنت أديب معروف ككاتب قصة قديم، وصحفي قدير من خلال رئاستك لتحرير مجلة الفيصل، لكن ظهورك في «تويتر» جاء بتوصيفات عدة أهمها أنك مثقف ليبرالي تنتقص من الذين تختلف معهم بإيماءات تهكمية وتخوض في الشأن السياسي حيث إيران وأمريكا والمرحلتين الأوبامية والترامبية، إذا صح التعبير، فمن هو عبدالله الكويليت وسط كل هذا؟
•• إنسان مشتبك مع قضايا عصره، وهموم وطنه.
• أعلنتَ قبل فترة، ربما تكون سنة أو أكثر أو أقلّ قليلاً، غيابك أو ابتعادك عن «تويتر» قبل أن تعود أخيراً.. لماذا نأيت أولاً؟ ثم لماذا رجعت؟ وكيف ترى هذا الطائر الأزرق في الحضور وفي الغياب؟
•• تويتر جغرافية شرسة.. إيقاعها سريع، وأرضها رملية حيناً، وسبخة طينية حيناً آخر.. عليك أن تستريح وتستبطن ما حولك قبل أن تركض فيها مجدداً.. من يبقى في المطبخ طويلاً لا يستطيع أن يميز بين الروائح المختلفة جيداً.
• قلتَ أخيراً: «صبرنا على مغثة الصحوة عقود، وما قدرتوا تصبرون شهر على الترفيه؟.. طيب عاملونا بالمثل، فإن عجزتم تجاهلونا، فذلكم أقرب للعدل..».. لمن توجه خطابك هذا؟ وهل الترفيه ينحصر فقط في أغنية أو حفلة موسيقية أو مسرحية أو فيلم سينمائي؟ أليس الترفيه يبنى أولاً على نيل الحقوق والمتطلبات الأساسية؟
•• أنا على يقين أن الصحوة جريمة كبرى أخرتنا، وأعاقتنا أكثر من ثلاثة عقود، والذين يعرفونني يعلمون أن هذا رأيي فيها منذ بدايتها. الصحوة حولتنا من مجتمع طبيعي متسامح إلى مجتمع عصابي عدائي وإقصائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الترفيه صناعة وثقافة لا يمكن اختزاله بنشاط أو اثنين!
• «في الثمانينات والتسعينات كان لدينا بروباغندا الصحوة ومدعوها.. اليوم لدينا أيضاً من يدعي الليبرالية تحت قبة مجلس الشورى أو قبة تويتر»، هكذا غردت قبل أيام.. من هم هؤلاء الذين تقصدهم؟ من هم هؤلاء الأدعياء؟ ثم لماذا لا تسمي الأشياء بأسمائها طالما تعتقد أنك تقول حقاً؟
•• في كل تيار هناك أُناس صادقون، وهناك أدعياء.. الليبرالية بصفتها فكرة شُوهت بقسوة من مدعيها وأعدائها على حدٍ سواء. الليبرالية ليست ديناً أو مذهباً، والليبرالي الحقيقي يقبل بفنون الاختلاف. أما بالنسبة إلى تسمية الأشياء بأسمائها، فهذا يتطلب مناخاً صحياً، وحرية رأي لا نملكها، وإلا دفعنا الثمن باهظاً. ثمة خطوط حمراء سياسية ودينية وأخلاقية نضطر لمراعاتها؛ وإن لم تقنعنا!
• تؤكد أن «من علامات نهاية الصحوة: موت القاعدة، الحرب على داعش والحشد الشعبي، موت الهالك عمر عبدالرحمن، تنظيم هيئة الأمر، إنشاء هيئة الترفيه. الحياة تتغير». أولاً كيف تجزم بنهاية الصحوة؟ ما مقياسك؟ وهل رصدت تويتر جيداً لترى المعترضين على بعض أنشطة هيئة الترفيه مثلاً؟
•• أنا قلت علامات، والعلامات مؤشرات على قياس الشيء. فأنت حين ترى أغصان الشجرة تجف بسبب المرض أو العطش، فلن تحتاج إلى معلم أو خبير لتدرك قرب موتها.. في الثمانينات والتسعينات كنت ترى الكتيبات والأشرطة الإسلامية والخطب... إلخ. أين هي الآن؟ وأين جمهورها؟ أين اختفى المحتجون على عمل المرأة في السوبر ماركت والشورى؟ لدينا جيل جدلي يناقش ويسأل ويفكر، وهذا الجيل رأى بأم عينيه الذين كانوا يدعونه إلى الجهاد، بينما هم يتنعمون بقصورهم وخيولهم ومزارعهم في تركيا، وغيرها.
• تمنيتَ على «#وزير_التعليم القيام بمراجعة صارمة لما قدمته جامعاتنا الجديدة، فبعضها -مع الاحترام- أقرب للثانويات منها للجامعة».. أيضاً أنت هنا تخشى التحديد وتقول كلاماً عاماً.. لماذا؟ ولماذا لا تشير إلى الخلل مباشرة كي تساعد على إصلاحه؟ في رأيك كيف تقيم تجربة الدكتور أحمد العيسى في وزارة التعليم حتى الآن؟ وهل عمله كان بمستوى الطموحات وما يملكه من أفكار سبق أن طرحها في بعض مؤلفاته؟
•• سأشير بأصابعي العشرة: أغلب جامعاتنا الجديدة ذات مستوى ضعيف متدنٍ للأسف، وهي بالفعل أقرب إلى الثانويات منها إلى الجامعات، الجامعة ليست مبنى فاخراً حديثاً.. الجامعات مؤسسات علمية وتربوية ومصانع للفكر والبحث العلمي، لها معاييرها المتقدمة، وتجب الرقابة الصارمة على أدائها، وهذا ما تفتقده هذه الجامعات. الدكتور أحمد العيسى لا يستطيع أن يغير وزارة بيروقراطية بها قوى متنفذة في يوم وليلة.. يجب إعطاؤه الوقت الكافي، ومن ثم نحكم عليه؛ حتى لا نظلمه. في تصوري أنه الرجل الأنسب في هذه المرحلة، وهو رجل تربوي بامتياز.
• قمت بإعادة تغريدات تتهكم وتسخر من الدكتور عبدالله الغذامي رغم أنكما، ربما سابقاً بالنسبة لأحدكما، تنتميان لاتجاه واحد هو اتجاه التحديث أو الحداثة والتجديد والتطوير.. هل تغير موقفك من الغذامي؟ هل تودّ إيصال رسالة (ما) من خلال هذه (الريتويتات)؟
•• أعرف الدكتور عبدالله الغذامي منذ بداية الثمانينات، وهو ناقد كبير معروف له جمهوره ومحبوه.. أحترمه وأجلّه، هذا كلام قاسٍ ولا يمكن أن أسخر منه، أو أتهكم عليه كما تقول!، وليس بيننا إلا الاحترام الشديد.. ولا توجد لديَّ رسالة أوصلها إليه.. هناك ملاحظة لديَّ بوصفي متابعاً، هي انجرافه في السنوات الأخيرة مع «الشعبوية» التي تدغدغ الجماهير، وأرى أنها لا تليق بمثقف بحجمه.. ملاحظة محب آمل أن يتقبلها بصدر رحب.
• هل المجتمع السعودي في حالة تقبل للتحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في ظل رؤية 2030؟ وكيف ترى المستقبل من خلال ما يجري الآن؟
•• 75 % من مجتمعنا تحت سن الثلاثين.. هذا مجتمع شاب، ونسبة الأمية فيه من أقل النسب في المجتمعات العربية، ولديه استعداد كبير لقبول التحولات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فمجتمعنا مثل مستنقع راكد ألقي فيه حجر كبير؛ لذا تراه يمور بكل شيء. نحتاج إلى مدة حتى نحكم على ما يجري.. في تصوري أن البعد الاقتصادي الواقعي في الرؤية هو الأهم وهو ما يجب أن نركز عليه، وهذا البعد يتمثل في محاربة البطالة، وتوفير الإسكان، والشفافية، ومحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية، ومراعاة ظروف الطبقات الأقل دخلاً، ونحن قادرون على ذلك، ونملك الوسائل التي تذلل الصعاب، علينا توفير المناخ الحر المحفز مدعوماً بإرادة وإدارة شجاعة.
• أنت واحد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وأهمها «تويتر».. فهل ترى أن هذا الموقع مقياس حقيقي وترمومتر لقياس نبض ومزاج المجتمع لدينا؟
•• إلى حدٍ ما، لم يعد اللاعب الوحيد في تويتر هو الفرد، بل هناك قوى ومؤسسات وأحزاب تتسابق على صناعة الفكرة أو الرأي داخله، وهذا يتطلب منا الحذر والتنبه.. يُحسب لتويتر أنه وسّع هامش الحرية اجتماعياً وسياسياً، وحطم الكثير من التابوهات القديمة في مجتمعنا.
• «ماذا يعرف أطفالنا وشبابنا عن آثارنا؟ كم عدد المتاحف التي يفترض وجودها في مدننا؟ ماذا نعرف (عنا)؟ إننا نجيد التباكي على الماضي ولا نعرفه!».. هكذا قلت، لكن أطروحاتكم ضد الماضي فلماذا هذه العودة إليه الآن؟ وما الماضي الذي يجب أن نعرفه؟
•• الماضي ليس لوحة جميلة أو سيئة.. الانقطاع عن معرفة ماضينا وتراثنا وإرثنا الحضاري والثقافي جريمة ترتكب بحق الأجيال الجديدة. المتاحف وغيرها من المناشط الإنسانية تجسّر هذه الهوة، وتمثل قنطرة بين الماضي والحاضر، وهذا ما أطالب به.