نرى ذلك المتدين في كل مكان, فلا نملك إلا احترام رغبته واختياره هذا النمط ليعيشه دون مضايقة الآخرين.. نراه في كل مكان فنتجنب فعل ما قد يتسبب في إزعاجه، مثل النظر إليه بريبة، أو افتعال ما يغضبه مثل رفع صوت الموسيقى من قبل الشباب في السيارات، أو تعمد مصافحته من قبل النساء، أو مجرد ممارسة الإقصاء ضده من قِبل الذين لا يتفقون مع النمط الذي اختاره لحياته.
لكن هذا المتدين الذي يحظى بمراعاة الجميع، تجده -بعضهم- في لحظة واحدة وتافهة، يضرب بتلك المراعاة عرض الحائط، فيهجم على ما لا يعجبه في مكان عام، ليحطمه أو ليوقفه بالقوة والعنف.
لطالما رأينا الدعاة والحملات الدعوية التي لا نفهم أسباب انتشارها في بلاد الإسلام ومهبط الوحي والرسالة المحمدية، لطالما رأيناهم يجوبون الأسواق والمنتزهات والشوارع وأماكن تجمعات الناس والشباب ليقولوا ما يريدونه للجميع، وليحاولوا فرض مزاجهم على الجميع، بل إن بعضهم قد تطاول على بعض الجلسات الشبابية وحطم ما لديهم من أدوات الترفيه البريئة كآلة موسيقية أو طبلة!.. دون أن يتعرض لهجوم معاكس، أو حتى تساؤل من أولئك الضحايا.
هل رأيتم من قبل شخص يتهجم على داعية ويخطف المايكروفون من يده بحجة أنه يسعى لتصدير شبابنا إلى مناطق الصراع، أو إلى تشكيكهم في أخلاق أهلهم، وأخواتهم، وأمهاتهم؟.
هل اعتدى أحد من الذين كانوا يثنون الركب أمام الداعية الذي اتهم كل من يعملون في القطاع الصحي من النساء بالعهر ومن الرجال بالدياثة؟.
إن هؤلاء يأخذون مساحاتهم ومساحات الآخرين الذين لم يعتدوا يوماً عليهم أو يحاولوا مجرد محاولة منافستهم على منابرهم التي ليس هناك شيء أكثر ولا أشمل منها.
إن صور الاعتداء على الحياة العامة من قبل شخص متطرف في تدينه وتفكيره ومعقد مضطرب، لا يجب أن نسميه احتساباً، أو احتساباً خاطئاً ومبالغ فيه.
إن المساس بالحياة العامة ليس مجالاً للاجتهاد!.. وما فعله الذي هجم على ركن الضيوف الماليزيين في معرض الكتاب، ليس من الحِسبة في شيء؛ بل هو اعتداء سافر وصريح على حياة المجتمع، وخياراته وحريته في كيف يعيش، وكيف يرى الحياة، وكيف يتعاطى مع جمالياتها الإنسانية المشرقة.
هذا المعتدي، من الجرم أن نسميه محتسب مجتهد أو شاب متحمس أو تصنيف فعلته النكراء ضمن الغيرة الزائدة على محارم الله!.. فالمجتمع سيكون بذلك فاسقاً في أصله، ولكن يتم إصلاحه من قبل هؤلاء المعتدين المرضى، الذين يعانون عقدة عميقة جداً من مواجهة الجمال، بكل صوره وأنماطه المتعددة.
ولذلك يجدر بنا كمجتمع التعامل بصرامة مع مثل هذه الحالة المخجلة، التي تعرضنا لسخرية العالم بأسره، وتجعلنا في مواقف حرجة، دولياً وإقليمياً، فضلاً عن حالة الرعب والإرباك التي يخلقها مثل هؤلاء بتصرفاتهم الرعناء.
الجميل في الأمر، هو الانحسار الكبير الذي تشهده حياتنا ومناشطنا وفعالياتنا الثقافية والفنية وغيرها، حيث كنا لا ننفك من معتوه إلا وخرج علينا آخر. واليوم أصبحت هذه الظاهرة نادرة الحدوث، وحين تحدث، يتم التعامل معها بحزم شديد ورادع، يكفل عدم تكرارها مستقبلاً.
سمر المقرن- الجزيرة السعودية-