لن نخترع العجلة هنا، فقد قيل من قبل إن حيلة البليد مسح السبورة. والبلداء في هذا الزمن يصعب حصرهم، خاصة وأنهم يأخذون أشكالا وأفكارًا متنوعة. من (البلادة) المفرطة أن تفتقد الحجة، أو الرأي الناضج، فتذهب إلى السباب الشخصي وفتح حنفيات اللطم والشتم والتقليل من شأن الناس وآرائهم. كل رأي يرد عليه برأي وكل حجة يرد عليها بحجة وكل دليل يرد عليه بدليل، وهذا هو شأن عقلاء الأمة في قديمها وحديثها، سواء تعلقت المسألة بشأن سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أو حتى برأي فقهي عليه عشرات الاختلافات.
لن يضر مفكر أو كاتب أن تقول له أنت كويتب أو تسبغ عليه لقب رويبضة أو ترسله إلى المدافن الفكرية التي تحفرها. هو يعلم من هو وماذا يقول أو يفعل. والمهم أن تعلم أنت من أنت، وماذا تقول أو تفعل، لكي تكون متزنا على المستويين الذهني والنفسي فتستفيد وتفيد، بدلاً من أن تتحول إلى مُحرج في السوق الشعبي للألفاظ الرخيصة التي لن تصيب من تلقيها عليها بقدر ما ستكشف عن ضحالة عقلك وضيق أفقك واطلاعك.
هذه العادة الصحوية، نسبة إلى ما يسمى اعتباطا مرحلة الصحوة، لم تندثر بعد وإن كانت نارها قد خبت وتراجع مشعلوها كثيرًا بعد أن تبين للناس، من بين ما تبين لهم من أدرانها، فجر أصحابها في الخصومة. ولأن مجتمعنا يزداد تفتحا ونضوجا كل يوم فإن عادة قبيحة من هذا النوع ستندثر حتما وستصبح على قائمة الطرائف التاريخية التي يتذكرها الناس ليضحكوا على سذاجتهم أو غفلتهم وقت كانوا يأخذون كلاما لا وزن له على محمل الجد. وقد علمتنا الأيام، وإن طالت، أن الزبد يذهب ويبقى ما ينفع الناس من القول والعمل.
محمد العصيمي- اليوم السعودية-