لا أحد يختلف على أهمية النصح في زمن غابت فيه «مجالس» النصح الأسري أو الاجتماعي في المنزل والحي والعمل، وبات الاعتماد فيه على موجهات تأتي من كل حدب وصوب تبرمجها التقنية وتوظفها الأهواء، ولكننا كمجتمع «مسلم» نتفق على العيب.. ونعلن فيه وقوفنا مع الصائب واختلافنا مع الخائب..
المحتسبون في مجتمعنا السعودي الذين يمارسون الاحتساب دون مظلة رسمية وبطريقة عشوائية هم فئة تمارس الفضول وترفض مبدأ القبول وتفرض الحلول وفق أبجدياتها ومنطقها المعتمد على «الغلو» أحياناً وعلى «العلو» في أحايين كثيرة.. ما أن تبدأ فعاليات معرض أو مناسبة أو مؤتمر حتى تجدهم على بواباته بنظراتهم «الحادة» وإيماءاتهم «المتضادة» مع كل أسلوب أو سلوك إنساني يتعارض مع أجندتهم الخاصة بعيداً عن المنطق.. ولأنهم يتذّرعون بالاحتساب فهم خارج أطر الحساب.. وإن ضاقت عليهم الوسيعة تم إبلاغهم بمغادرة المكان فقط.. ولكنهم يخرجون بنتيجة أنهم أثاروا فصولاً من الوصاية والدراية في المكان فأعلنوا التكفير والتشهير بأشخاص يفهمون الدين والشرع أكثر منهم وممن على شاكلتهم..
يجيدون تهيئة «الكاريزما» الدينية المتشددة وينظرون للآخرين على أنهم جزء من الباطل والخطأ ويتشبثون برجعية الفكر التشددي الأصولي المعتمد على إن كنت على غير فكري وهيئتي فأنت «على منكر» يثيرون البؤس في أرض المعارض وتجدهم يراقبون المواقع على طريقة مراقبة مجرمين في سور عنبر أو زنزانة سجن..
جاهزون للغضب محترفون في البحث عن خيوط الخطأ وذرات الخلل. يتفنون في لملمة بشوتهم الملونة بحثاً عن صاحب ثوب طويل أو تنقيباً عن فتاة زائرة لمناسبة أو ولوجاً لاصطياد شاب قدم للمعرض بلبس رياضي أو ملاحقة لنساء عبروا بتلقائية أمام معرض رجالي بحثاً عن موقع نسائي محدد لهم أو السعي وراء مناقشة شأن حاجز يفصل النساء عن الرجال مصنوع من حديد ليعترضوا بأنه لا بد أن يكون من فولاذ، وأن يغطي الهواء والإضاءة عن الجنسين أو متابعة عنوان رواية أو صورة على غلاف كتّاب متحججين بأنها جزء من الماسونية أو إيحاءات من الإلحاد وإيماءات من فكر الغرب.
طبعاً لديهم قائمة بأسماء مفكرين ومثقفين يصرون أن يحملوها معهم في المناسبات لملاحقة هؤلاء ممن يرون أنهم «قائمة» سوداء لبثّ فكر الحداثة والعلمانية يتصيدون إنتاجهم ويتحينون قدومهم ليعلنوا معهما ثورة احتساب غارقة في البؤس والرجعية خالية من الحوار لترمي بهم خارج المسار.
وجود المحتسبين يتعارض مع فكرة العمل المؤسساتي والتنظيمي ويربك الأنظمة ويخلط ما بين مفهوم وإنجاز «الاحتساب» المقترن بالرسمية ويضعهم في قناة «الانتقاد» ويرمي بالمنظم أو المشرف على الفعالية في «دائرة» الشبهات حتى وإن كانت مؤقتة أو غير صحيحة.. ويجعل المستفيدين من الثقافة والفكر في قلق وارتباك مع هذه الجيوش الفضولية التي باتت تندس وتنغرس في كل مناسبة بحثاً عن إثارة الأخطاء ونثر الشبهات ورمي الانتقادات وفرض الرؤى والتعنت بالرأي الذاتي ونبذ كل الموضوعية.
والواجب أن يتم عمل آلية عمل خاصة تواجه هؤلاء المحتسبين وأن يتم فرض عقوبات صارمة عليهم منعاً لتمادي البعض في مناسبات قادمة وخروج أعضاء جدد منهم وأن يتم توعيتهم بخطورة الأمر وأن تسعى الجهات المعنية المسؤولة بجد وحزم لمنعهم واعتبارهم جزءاً من الأخطاء والسلبيات التي تشوه المناسبات وتقتل الفرح واعتبار منعهم معروفاً ينعكس بفرض النظام والمنطق على المناسبة وكي تصفى آليات الاحتساب وفق جهات رسمية سواء الهيئة أو الشؤون الإسلامية من خلال مخاطبات رسمية للجهة المنظمة فقط وبطرق نظامية بدون تداخلات باتت سائبة بأيدي المحتسبين ليطلقوها متى ما شاءوا في مناسبات لها نظامها وتنظيمها وأقيمت تحت مظلة رسمية وبتصاريح نظامية.. وعلى المنظمين والجهات الأمنية التي تراقب هذه الفعاليات فرض طوق أمني ونظامي لمنع هذه الظاهرة.. وآن الأوان للمحتسبين أن يتراجعوا عن هذه الفوضى الملازمة لكل مناسبة والتي باتت ظاهرة غارقة في الرجعية والغوغائية.
عبده الأسمري- الجزيرة السعودية-