كانت الزيارة الملكية، التي تجولت بين دول الشرق الأقصى، دليلاً لا يقبل التأويل على مكانة المملكة في نفوس المسلمين. أنشد الإندونيسيون «طلع البدر علينا»، فتمايلت قلوب الماليزيين ومسلمي الصين واليابان فرحاً، إنهم يعشقون أرض الرسالة؛ مهبط الوحي المباركة، وأهلها لا ينازعهم في ذلك أحد، هذه هي الحقيقة، وعلى من شاء مرافقة السعوديين في سفينة المحبة التي تقلّهم، أن يضع كلتا يديه في يد دولتهم الطولى، بلا منة ولا مزايدة.
إضطلاع السعودية بقضايا الأمتين؛ العربية والإسلامية، انطلاقاً من مكانتها التي فرضت عليها تحمل المسؤولية، لا يتوقف عند حدود التناول السياسي فقط، بل هو متعد إلى جوانب أخرى تسير في خط مواز نحو تحقيق أهداف وحدة الموقف، والنماء والاستقرار المنشودة. في هذا الإطار، اختُتمت الأسبوع الماضي في مكة المكرمة، أعمال «المؤتمر الدولي للاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومُحكمات الشريعة»، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، بمشاركة الوجوه العلمية الإسلامية الفاعلة في المشهد، بينهم الدكتور يوسف القرضاوي، الذي أثارت مشاركته حفيظة «بعضهم»، بوصفه شيخ جماعة الإخوان المسلمين، وواحد من أهم الداعمين للثورات العربية، المصفقين لها. في الحقيقة، كان يمكن غض الطرف عن مثل تلك «الخربشات»، وعدم الالتفات إليها على الإطلاق، باعتبار أن السعودية ليست في الموضع الذي يمكن معه «لمتشعبطي» العلم الشرعي أو العمل السياسي، توجيه انتقادهم إليها على هذا النحو الفج، لولا أن السهام قد طاولت رمزاً لا يقبل السعوديون التجاوز إليه بالتشكيك، ألا وهو سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، المفتي العام للمملكة، كان ذلك بسبب «صورة» جمعته بالقرضاوي على هامش المؤتمر! ومما زاد «الغبينة»، أن تلك الأصوات الدعيّة، على رغم قلتها، تعالت في دولة الإمارات، العزيزة، الشقيقة حقاً، فعلاً وليس قولاً، الدولة التي يخط أبناؤها بدمائهم، التي امتزجت في اليمن بدماء إخوتهم السعوديين، أرقى معاني الولاء والتعاضد والتلاحم والإباء. «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ،،، على المرء من وقع الحسام المهند»، لذلك فإن «الشرهة» كانت أكبر، والعتب كما يقال، على قدر المحبة، و«الحشيمة» التي حبست الألسن عن الرد على تلك الافتراءات، التي أشبه ما تكون بالمتوثبة، التي تتحين فرصة نفث سموم «غلها»، كانت لشيوخ الإمارات أبناء زايد «المرجلة» والمواقف، والطيب، والعروبة، والخير كله، ومن خلفهم شعبهم الغالي النفيس.
إن ما دعاني إلى الكتابة عن هذا الحدث المؤسف، ليس تفنيد دعاوى أولئك المغرضين، فهي في الواقع أقل من أن تُتناول في هذا السياق، وإنما خشيتي من آثاره التي قد تترتب في حال التغاضي عنه، فهؤلاء الأدعياء ممّن يصدق فيهم القول: «كم من صفيٍّ في الورى صافيته، حتى إذا اختلفت بنا يتثعلب»، قد يتسببون بجهلهم - لا قدّر الله - في فتح الثغرات داخل سد التكاتف، الذي يميز السعوديين والإماراتيين في ساحات الكلمة، وفضاءات وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن حديثي ليس موجهاً إليهم بالتأكيد، فلست أرى لهم عقولاً يمكن اللجوء إلى حكمتها، وليس في المنظور رشدٌ يمكن توخيه منهم، وإنما أرفعه إلى مقام الحكيم ابن الحكيم،الشيخ محمد بن زايد، الذي أراهن على غيرته الشديدة على السعودية والسعوديين بلا استثناء، متمنياً - وأنا العارف بحزم أبي خالد وعزمه - أن يتوجه بنظره الثاقب إلى مثل تلك الممارسات «الشقية»، في الشكل الذي يجعلها تتوقف عند حدود أحبته ومحبيه، فلا تتجاوزها إلا بالمودة، أو لتصمت.
فيصل العساف- الحياة السعودية-