دعوة » مواقف

إعادة تمحيص السنة

في 2017/04/21

كان الشيخ المصري "محمد الغزالي" قد طرح قبل قرابة عقدين أو تزيد كتابا عنوانه (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث)، ضمنه حينها - حسب ما أتذكر - أفكارا نقدية جريئة حول ما وصلنا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأننا في حاجة إلى معايير عقلانية وموضوعية ومجهرية معاصرة، من شأنها تمحيص صحة نسبة هذه الأحاديث للرسول على ضوء القرآن.

الكتاب في حينه أثار ضجة واسعة لدى كثير من السلفيين، خاصة عند من يعتنون بعلم الحديث، وصدرت في الرد عليه ونقده كتب كثيرة، وبالذات داخل المملكة.

الآن أجد أننا في أمس الحاجة فعلا وأكثر من أي وقت مضى إلى التفكير في موضوع إعادة تدقيق وتمحيص الأحاديث، انطلاقا من أن القرآن الكريم هو المصدر القطعي اليقيني الذي يجب أن نجعله فعلا لا قولا هو المعيار الذي نحكم به على صحة محتويات هذه الأحايث ومدى تماهي فحواها معه، حتى وإن صح سندها بطرق المحدثين الأوائل كالبخاري ومسلم مثلا؛ ولاسيما وأن ثقافة الإرهاب اعتمدت على مدونات أهل الحديث، وما قبلوه وما ضعفوه من أحاديث؛ غير أن الواقع الذي نشهده الآن، واعتماد الحركيين المتأسلمين على بعض الأحاديث، والارتقاء بها من حيث الصحة إلى درجة (القطع واليقين)، مع أن بعضها أحادية السند، وبالتالي ظنية الصحة، وغير قطعية الثبوت، ما يُحتم علينا إعادة النظر في صحة وسلامة ما وصلنا من أحاديث الرسول، خاصة تلك التي تتعارض تعارضا واضحا مع الآيات القرآنية.

خذ -مثلا- حديث غلام أصحاب الأخدود، وكيف اتخذه "القرضاوي" ومن دار في فلكه، دليلاً لنسف قوله جل شأنه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، فقدّموا حديث غلام أصحاب الأخدود هذا على هذه الآية المحكمة؛ فإذا كان القرآن قطعي الصحة، ولا يرقى إلى صحته كتاب قط، فهل يُعقل أن نقدم عليه، حديث آحاد، ظني الدلالة، ليلغي مقتضى الآية إلغاء تاما، ونشرع بهذه الآلية، والتخريج المتعسف، جواز الانتحار وقتل النفس، بل ويعتبرون ان كل من قتل نفسه إذا كان هدفه (النكاية) بغير المسلمين، هو في حكم الشهيد. تقديم النصوص الظنية على النصوص القرآنية اليقينية، هو ما أحدثت كل هذا الارتباك الكبير في التعامل مع النصوص الحديثية، وأدى في المحصلة إلى ظهور الإرهاب والعنف والقلاقل والفتن.

كما ان هناك حديثا ثانيا أراه من أخطر الأحاديث من حيث النتائج المنطقية المترتبة عليه؛ وهو حديث (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) والمثل هنا يعني ما روي عن الرسول من أحاديث؛ والسؤال: هل يُعقل أن يصدرحديث كهذا عن الرسول؟ .. هذا الحديث يعني من حيث الدلالة ان ثمة قرآنا آخر (مثل) القرآن الذي بين أيدينا، بقي في منأى عن التدوين، حتى دونت الأحاديث في مدونات، وانتشرت في الأمصار، ولم يدونها الخلفاء الأربعة: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي؛ وينسف - أيضاً - متن هذا الحديث أن الرسول نفسه نهى أن يُكتب عنه إلا القرآن كما جاء في متن حديث آخر، أضف إلى ذلك أن عمر كان في مرات كثيرة وردت في سيرته، ينهى عن تدوين غير القرآن.

إعادة تمحيص ما وردنا من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم نحن اليوم أحوج إليه من أي وقت مضى.

محمد آل الشيخ- الجزيرة السعودية-