في مشهد دموي حقيقي، وليس مشهدا لأفلام الرعب المسلّية، يحتشد عدد من البشر حول فرد من أفراد مجموعتهم، وهم بالمناسبة هنا طلاب جامعة، ليقوموا بجريمة قتل علنية في رحاب الجامعة، إذ لم تفلح قداسة المكان ومكانة العلم، في وقفهم عن قتل الطالب زميلهم، بحجة أفكاره الليبرالية، وإدارته صفحة فيسبوك تحمل أفكارا ليبرالية أدت إلى اغتياله.
هذا ما حدث في حرم جامعة عبدالوالي خان في باكستان، حيث قَتل مجموعة من الطلاب طالبا من زملائهم، لأنهم لم يتقبلوا آراءه الليبرالية «حسبما ذكر في حادثة القتل».
فقد أقدم الطلاب نتيجة هذا الاختلاف، ورفض تقبل الرأي، إلى القيام بنزع ملابس مشعل خان الطالب في كلية الإعلام، المعروف بآرائه الليبرالية -حسب رأيهم- وضربه وإطلاق النار عليه، ثم رميه من الطابق الثاني، ثم إكمال القضاء عليه ضربا بالأقدام والعصي.
إلى هنا، والمشهد الدموي عبارة عن طلاب جامعيين وطالب اختلف معهم وعنهم، وكانت تهمته الكبرى أنه ذو أفكار ليبرالية، وتم قتله غيلة في حرم الجامعة.
وبالمناسبة، هنا يمكن أن نشير إلى أن الليبرالية ليست إرهابا ولا دينا، بل هي فكرة عميقة تعني الإنسان الحر، وهي حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع، تهدف إلى تحرير الإنسان.
الليبرالية لا تعني أكثر من حق الفرد الإنسان أن يحيا حرا كامل الاختيار، وما يستوجب هذا الاختيار من تسامح مع غيره لقبول الاختلاف.
وإنما على مدار أزمنة ممتدة، لم يحظ هذا المفهوم بالتقدير والقبول من المجتمعات الإسلامية، وتم إرباكها وتخويفها وتشويه هذا المعنى، وإظهاره بمعنى مرادف للانحلال والانسلاخ من الدين.
من هنا، قُتل الطالب مشعل خان، ونقلت صحيفة «إكسبريس تريبيون» عن شهود عيان قولهم، إن المجموعة المشتبه بها أحاطت بغرفة القتيل، وأجبرته لاحقا على قراءة آيات من القرآن، ثم الشروع في قتله.
الحقيقة، أن الضحية هنا لم يكن فردا، بل هم جميعا ضحايا، لأن الإنسان حين يُستلب تفكيره، ويستجيب لتشويهات وتضليل، تؤول كل ما يخالف معرفته المحدودة وتضعها في إطار تخويفي، فإن النتيجة ستكون قتل المخالف، وتصعيد مفاهيم الجهل على حساب العلم والإنسان.
نعم، الوعي الاجتماعي انعكاس للواقع الاجتماعي، والحاضر سيكون امتدادا للمستقبل، وستتواصل حركة التاريخ، وإن لم يتم تغيير الحاضر، فستتطور أدواته ومخرجاته، وسيكون هناك المزيد والمزيد من التخلف والجهل والقتل والصراعات الفكرية، بين التطرف الديني والاجتهاد والتنوير، ومحاربته. إن هذا الصراع الظلامي هو من قتل الطالب الباكستاني، لأنه ليبرالي، وسيُقتل مزيد من البشر والمختلفين في الرأي أو الفكر.
فقد قَتل هذا الصراع من قبل كثيرا من المفكرين، لأن الجهل والتطرف لا يؤمنان بالحوار، ولن يوصلانا إلى أية حقيقة، ويظل اليقين الباذخ في دائرة الجهل والتطرف والإقصاء، هو قتل الآخر وسلبه حياته.
هذا الصراع يتجاهل تماما أن من حق كل إنسان -مهما كانت درجة تعليمه حتى وإن كان أُميا- أن يمتلك مساحة من التفكير والاختلاف في كل مناحي الحياة والوجود.
من المخيف أن كثيرا من القتلة اليوم بيننا يختبئون في هيئة معارف وأصدقاء ومتابعين، يضمرون اللحظة القاتلة لشخص ما، في مكان ما، في هذا العالم، لأن أحدهم قال عنه «ليبرالي»، أو لأنه قال وعبّر عن آراء تتعارض مع رؤيته وفهمه للعالم والحياة والدين.
هؤلاء جموع وكثرة، يجلسون على بركان من النار والتحفز، تؤججهم وتحركهم قوى مرجعية، ترى البشر بمقياس كفرة ومؤمنين. قوى تفهم الدين بغير أهدافه الحقيقية.
سالمة الموشي- الوطن السعودية-