فرضت التحديات والمهددات الأمنية والفكرية والاجتماعية التي تواجهها الأمة ضرورة استثمار كل منبر وصوت وكل وسيلة في المعالجة والمواجهة وأن تعمل جميع الجهات كمنظومة واحدة متكاملة ومتناغمة في التصدي لهذه المهددات والمخاطر، ويأتي من أهم الوسائل في ذلك هو المسجد ومنبر الجمعة، الذي يؤدي دورا مهما ومؤثرا في المجتمع متى ما استغل الاستغلال الأمثل، ومتى ماقام على هذا المنبر الخطباء المؤهلون المدركون لظروف المرحلة وتنوع مفاهيم ومستويات المتلقين العلمية والفكرية، كما فرضت هذه التحديات ضرورة تطوير وتجديد الخطاب الديني والعمل على تعزيز العمل الدعوي والنهوض به بشكل أكثر فاعلية لإيصال رسالة الاسلام السمحة التي تعمل المملكة على نشرها في شتى أنحاء العالم والقائمة على الوسطية والاعتدال.
اليوم نحن بحاجة أكثر إلى صوت العقل والحكمة والعلم الشرعي الصحيح في معالجة الأحداث والتعاطي مع المتغيرات وفق مقتضيات العصر ومتطلباته بعيدا عن ردات الفعل المتشنجة أو المتسرعة التي تشحن النفوس وتفسد أكثر مما تصلح، لذا نحن في حاجة اليوم أن نقف وقفة تأمل ومصارحة.. هل يؤثر فينا هذا منبر الجمعة هذا الدرس الأسبوعي الذي يحضره الكبير والصغير على اختلاف مستوياتهم العلمية والفكرية، وهل يستخدم كما ينبغي، وكيف هي رسالة المسجد وأداء خطباء الجمعة ووعيهم لهذه التحديات التي تحيط بمجتمعنا وتستهدف ديننا وعقيدتنا وعقول شبابنا، وماهي إستراتيجية وزارة الشؤون الإسلامية وخططها لتطوير الخطاب الديني والنهوض بالعمل الدعوي للأفضل وما مدى استثمار التقنيات الحديثة في ذلك، والجهود في تطوير وتأهيل وتدريب الخطباء الذين يتصدرون منابر المساجد.
ندوة "الرياض" تناقش اليوم جهود وزارة الشؤون الإسلامية في تحقيق رسالتها القائمة على دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة وتوعية الناس بأمور دينهم ونشر القيم الإسلامية النبيلة وترسيخها، إلى جانب العناية بكتاب الله وإنشاء المساجد والعناية برسالة هذه المساجد، إضافة إلى التصدي لما يثار حول الإسلام من شبهات.
وقد شارك في الندوة د. توفيق السديري نائب وزير الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد، والشيخ سعد اليحيى وكيل الوزارة المساعد لشؤون المساجد، والشيخ عبدالله آل الشيخ وكيل وزارة الشؤون الإسلامية المساعد لشؤون الدعوة، والشيخ عبدالله الناصر مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة الرياض، ود. حمد العليان مستشار نائب وزير الشؤون الإسلامية، ود. صالح الزهراني مدير إدارة التطوير في وزارة الشؤون الإسلامية.رسالة المملكة
في البداية تحدث د. توفيق السديري عن دور وزارة الشؤون الإسلامية في تعزيز رسالة المملكة في الخارج قائلاً: إن الوزارة تمثل جهازاً مهماً من أجهزة الدولة ولها جهد مقدر خارج المملكة، ومن ضمن المسؤوليات المناطة بالوزارة ترسيخ العلاقات الإسلامية مع الأجهزة الدينية المختلفة سواء في الدول الإسلامية أو في تلك الدول التي توجد فيها أقليات أو جاليات مسلمة، وذلك انطلاقاً من رسالة المملكة، وما حباها الله من احتضان أقدس بقعتين للمسلمين، وهما مكة المكرمة، والمدينة المنورة، من هذا المنطلق جاء اهتمام الدولة وتم توكيل هذا الأمر خاصةً فيما يتعلق بالجانب الإسلامي الشرعي وتمثيل المملكة في هذا المجال، وتعاوننا يتم وفق القنوات الرسمية في كافة الدول التي نعمل بها من خلال المؤسسات الدينية ووزارات الشؤون الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، ودور الإفتاء، وكذلك من خلال المنشآت الرسمية التي تمثل المسلمين في الدول التي توجد بها أقليات وجاليات مسلمة سواء كان ذلك في أفريقيا أو في دول أميركا اللاتينية، وأميركا الشمالية، وأوروبا وآسيا واستراليا وغيرها.
وأضاف: الوزارة لديها جهود كبيرة في هذا المجال وذلك من خلال مذكرات تفاهم وقعت بين وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة ووزارات الشؤون الإسلامية في الدول المماثلة، وكذلك من خلال مجلس وزراء الشؤون الإسلامية في دول العالم الإسلامي الذي مقره المملكة، والوزارة تشرف عليه، وأيضاً من خلال اجتماعات وزراء الشؤون الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي ومن خلال دور الإفتاء والمراكز التي تعنى بالدعوة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وذلك كله يتم ضمن قنوات رسمية وقانونية، ويتمثل النشاط في التعاون في خدمة الإسلام، وفي مجال الدعوة لله سبحانه وتعالى، وفي مجال العناية بشؤون المسلمين في الدول التي توجد فيها أقليات إسلامية والجاليات المسلمة.
وأوضح د.السديري أن المملكة من أكبر الدول التي ساهمت في إقامة المراكز الإسلامية والمساجد في مختلف أنحاء العالم، والوزارة تشرف على العمل في العديد من المراكز والمؤسسات في الدول الأخرى، وذلك وفق اتفاقيات وأُطر قانونية ودبلوماسية متفق عليها بين الأجهزة الرسمية في المملكة والعديد من الدول، كذلك للمملكة برامج في هذا المجال مثل البرنامج الرائد لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في استضافة قادة العمل الإسلامي من مختلف أنحاء العالم في برنامجي العمرة والحج، وبرنامج الحج الآن له (24) سنة ومازال مستمراً، إضافةً إلى برنامج العمرة.
رسالة الوسطية ومواجهة التحديات
وفي سؤال للزميل محمد الغنيم عن واقع العمل الدعوي في الخارج في ظل التحديات والمهددات، وجهود المملكة في إيصال رسالة الإسلام الصحيحة إلى الخارج، أكد د. توفيق السديري على أن العمل الإسلامي في الخارج يواجه العديد من التحديات لاسيما خلال الفترة الأخيرة وتحديداً بعد أحداث (11) سبتمبر تغيرت كثيراً من الأمور، وواجه العالم الإسلامي بشكل عام العديد من التحديات الكبيرة، كما واجهت المملكة العديد من التحديات، لكن بفضل الله استطاعت تجاوزها، وذلك يعود لأمر مهم وهو رسوخ المبدأ الذي قامت عليه والرسالة التي تحملها للناس وهي الرسالة الوسطية مهما حاول أعداؤها إثارة أشياء ملفقة عنها، حيث ثبت للعالم أجمع وللعقلاء أن المملكة تحمل رسالة وسطية معتدلة، وأن كل صوت "نشاز" مهما كان مصدره لا يمثلها ولا يمثل رسالتها في هذا المجال، هذا بالنسبة للتحديات، أمّا بالنسبة للجهود فهي كبيرة من خلال التعاون مع إخواننا في الدول الإسلامية والدول العربية أو في دول الأقليات والجاليات الإسلامية حيث تحاول إقامة البرامج التي ترشح الوسطية والاعتدال ونقل رسالة الإسلام السمح للعالم أجمع، ومحاولة الاهتمام بالأقليات والجاليات المسلمة وإبعادهم عن تأثير الجماعات المتطرفة التي تتجه نحو العنف والغلو والتطرف بعيداً عن رسالة الإسلام الحقيقية، هذا ما نفعله ونحرص على تأكيده دائماً في برامجنا الدعوية سواء الموسمية مثل برامج رمضان، أو التي تتم على مدار العام من خلال الدورات العلمية التي تقام بالتعاون مع المراكز الإسلامية المختلفة، أو من خلال برامج العمرة أو برامج الحج، وغيرها من البرامج التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية بحكم أنه مناط بها مهمة العمل الإسلامي خارج المملكة، وهناك وكالة مستقلة اسمها وكالة الوزارة للشؤون الإسلامية معنية بكل ما يتعلق بالعمل خارج المملكة والعلاقات مع الجاليات والأقليات المسلمة، إضافةً إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين الخاص بالحج والعمرة وله أمانة مستقلة تعمل على مدار العام في هذا المجال.
الإعلام الجديد
وطرح الزميل عادل الحميدان سؤالاً قال فيه: فيما يتعلق برسالة المملكة في الخارج يلاحظ أن هناك قصوراً من قبل الوزارة فيما يتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، إذ ليس من الضروري أن يذهب الداعية إلى الخارج وإنما باستطاعته أن يتواصل مع الجميع، ونرى عدم وجود حسابات رسمية للوزارة ولا لدعاتها، هذا من جانب، والجانب الآخر هو محاولة الانتقال من مرحلة الدفاع الدائم، فنحن منذ زمن طويل نمارس عملية الدفاع، وإذا أخذنا بالجانب الخاص بتصحيح الصورة نلاحظ غياب الوزارة عن الاستفادة من الإعلام الجديد القادر على تصحيح الصورة بمختلف اللغات، مضيفاً كذلك وجود بعض المنتسبين إلى الدعوة الذين يصدرون فتاوى غريبة ولا يجدون متابعة من الوزارة، أو ربما تتخذ الوزارة ضدهم إجراءات غير معلنة.
وعلق د. توفيق السديري قائلاً: بخصوص الجانب الإعلامي والاستفادة من الإعلام الجديد فإنني أعترف أن الوزارة لديها تقصير في إيضاح ما تقوم به من خلال الإعلام التقليدي أو عبر الإعلام الجديد، لكنها الآن بصدد تفعيل موقعها على الإنترنت من أجل الاستفادة من وسائل التواصل الحديث لإيصال رسالتها في جميع المجالات وعبر المنابر سواء في مجال الدعوة أو في المساجد، وهذا الأمر سيتم تنفيذه بإذن الله، وبإمكان د. صالح الزهراني أن يطلعكم على ما تم في هذا الأمر، ذاكراً أنه فيما يتعلق بموضوع الفتاوى وما يصدر من بعض المنسوبين للدعوة من فتاوى يحكمه الأنظمة والتعليمات التي صدرت بأن الفتاوى محصورة في هيئة كبار العلماء، ومن يأذن لهم ولي الأمر بالفتوى، لذلك تجد أن الوزارة وبشكل مستمر تتخذ الإجراءات بصورة حاسمة وقوية تجاه من يقوم بهذا الأمر، وإذا كان من العاملين في الجامعات وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى فيتم التعامل معهم عبر القنوات الرسمية المتاحة في مثل هذه الحالات، والأمر غير متروك في المملكة إطلاقاً، والعلاج يأتي بشكل حاسم، ويأتي عبر قنوات ومسارات رسمية ومتعددة قد لا تعلن، وهي موجودة، والوزارة لا تترك فرصة للذين ينتحلون الخطاب الشرعي في المملكة.
تصحيح المفاهيم
وطرح الزميل عادل الحميدان سؤالاً آخر حول تصحيح المفاهيم التي تحتاج إلى معالجة آنية، خاصةً ما يتعلق بالفتاوى الشاذة التي تسيء أحياناً إلى المملكة بينما لا تجد للوزارة موقعاً مخصصاً للرد على مثل هذه الإساءات بالصورة السريعة، وقال د. توفيق السديري: تم إنشاء إدارة للدعوة الإلكترونية، وهناك إعادة تأهيل وتطوير للموقع الإلكتروني للوزارة، وسيكون هناك اهتمام بهذا الجانب، وهو مهم بدون شك في عملية التواصل الاجتماعي وسرعة الاستجابة لاستفسارات المتواصلين، ومن هنا جاء الاهتمام بإنشاء الإدارة الجديدة، مبيناً أن هناك مواد إعلامية تخرج عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ورسائل قصيرة توعوية لأهمية ترسيخ الوسطية والأمن الفكري بشكل يومي، ويتم بثها عن طريق الواتساب وتويتر والوسائل الأخرى المتاحة، لافتاً إلى أن أغلب البرامج التوعوية التي تصدر من المملكة إلى الخارج تصدر باللغة العربية، ولكن البرامج النوعية يتم إرسالها بعدد من اللغات العالمية.
وتداخل الزميل هاني وفا قائلاً: نفهم من حديثكم أن لديكم أنشطة توعوية خارجية، لكن ماذا عن تلك الجهات الأخرى التي لديها كذلك أنشطة دعوية مثل رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي؟، وهل يوجد تنسيق بينكم وبين هذه الجهات في هذا المجال؟
وأجاب د. توفيق السديري: الرابطة ومنظمة التعاون الإسلامي هما منظمتان دوليتان ليستا سعوديتين وإنما تم إنشاؤهما في أرض المملكة ووقعتا اتفاقية مقر مع المملكة، والتعاون يتم معهما بلا شك عبر القنوات الرسمية وتحديداً وزارة الخارجية.
تعزيز الأمن الفكري
وعن جهود وزارة الشؤون الإسلامية وشراكتها مع الجهات المختصة ومع وزارة الداخلية فيما يتعلق بتعزيز الأمن الفكري والمناصحة وحماية عقول الشباب والنشء من منزلقات التطرف والإرهاب، وكذلك تجديد الخطاب الديني وتطويره، أكد د. توفيق السديري على أن التحصين والأمن الفكري للشباب والفتيات في المملكة هو محل اهتمام الوزارة منذ سنوات عديدة، وهناك تنسيق مستمر مع الجهات المختصة خاصةً وزارة الداخلية وغيرها من الجهات مثل الجامعات السعودية وقطاعات التعليم والعديد من القطاعات المعنية في المملكة وبمشاركة هيئة كبار العلماء، إضافةً إلى ذلك يوجد برامج عديدة في هذا المجال، إذ قامت الوزارة ممثلة في فروعها في جميع مناطق المملكة بتنظيم مئات من الدورات والمحاضرات للرجال والنساء وإعادة تأهيل الخطباء والدعاة، حيث بدئ ببرنامج دشنه الأمير نايف -رحمه الله- قبل سنوات، وهذا البرنامج استطاع أن ينجز مئات من الندوات المخصصة للخطباء والأئمة والدعاة، حتى يكونوا مستعدين لتحصين المجتمع الذي يتعاملون معه سواء عن طريق منبر الجمعة أو عن طريق البرامج الدعوية المختلفة، مبيناً أنه أقيمت العديد من الملتقيات برعاية أمراء المناطق سواء في منطقة الرياض أو في غيرها، ذاكراً أنهم شاركوا في العديد من الفعاليات التي تقيمها الجهات المختلفة مثل مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، وجامعة نايف الأمنية، إلى جانب ما تقوم به الجامعات السعودية من دورات وأنشطة ومؤتمرات، وغيرها من الهيئات والمنظمات، إذ شاركوا في العديد من المؤتمرات الدولية والمحلية المتعلقة بالأمن الفكري.
وأشار إلى أن الوزارة أنشأت إدارة عامة مرتبطة بنائب الوزير تعنى بالتوعية العلمية والفكرية، ومن أهم اختصاصات هذه الإدارة هو الاهتمام بهذا الجانب، وتقوم أيضاً بجهد ممتاز في هذا المجال، كذلك لدينا تعاون مستمر مع الجامعات السعودية وجميع القطاعات التعليمية بشقيه الرجالي والنسائي، ونسعى كذلك إلى تحقيق إنجازات كبيرة في مجال التحصين والأمن الفكري من خلال الشراكات المختلفة، وتفعيل ما تم تخطيطه ورسمه من قبل الوزارة ضمن خططها وإستراتيجياتها.
مناشط الفروع
وتداخل الشيخ عبدالله الناصر قائلاً: دور الفروع هو دور أساسي في عمل وزارة الشؤون الإسلامية، والجهود التي تبذلها الوزارة مرتبطة بشكل وثيق بالفروع، التي تقوم بجهود جبارة ومقدرة، خاصةً في الجانب الخاص بالدعاة وتأهيلهم، وكذلك تأهيل وتدريب الخطباء ومن يعتلون المنابر، مشيرا إلى عقد العديد من اللقاءات أهمها دور المسجد في تعزيز القيم الوطنية برعاية أمير منطقة الرياض بمشاركة الخطباء من الرياض وخارجها، وتم عقد لقاء مع أعضاء هيئة كبار العلماء، وورش وندوات خرجت بالعديد من التوصيات تمخضت عنها العديد من النتائج، إضافةً إلى اللقاء الأخير الذي نظمته الوزارة ممثلة بفرع الوزارة بمنطقة الرياض تحت رعاية أمير منطقة الرياض تحت شعار "يداً واحدة لوطن آمن" وكان للانتماء والمواطنة ودور الخطباء والأئمة والدعاة دور في ترسيخها، وكان القصد منه رفع مستوى الخطباء والدعاة ورفع مستوى الدور النسائية المشاركة وجمعية تحفيظ القرآن، مبيناً أنه في هذا الملتقى حرصت الوزارة وبتوجيهات وزير الشؤون الإسلامية وبإشراف نائب الوزير على أن يخرج الملتقى بتوصيات رائعة، واستفاد منها الخطباء والأئمة والدعاة، وشارك في الملتقى العنصر النسائي الموجود في دور تحفيظ القرآن أو الموجود في المكاتب التعاونية، كذلك شاركت المكاتب التعاونية التي كان لها دور كبير خاصةً في فرع منطقة الرياض، كما حرصوا على تطوير هذه المكاتب من خلال الندوات واللقاءات وفي إحصائية لما تم إنجازه خلال العام الماضي في فرع الوزارة في الرياض، بلغ عدد الندوات والمحاضرات والكلمات في الرياض (1549) محاضرة وندوات شارك بها الدعاة الرسميون، كما نظمت المكاتب التعاونية (2440) محاضرة و (4726) كلمة، و(1258) درساً، وهذه جهود كبيرة يقوم بها فرع الوزارة في منطقة الرياض.
وعلّق د. توفيق السديري قائلاً: وزارة الشؤون الإسلامية لديها معهد الأئمة والخطباء الذي يساهم مساهمة فاعلة في هذا الشأن، حيث إنه مرتبط بوكالة شؤون المساجد، ويقوم المعهد بإقامة الدورات الخاصة بإعادة تأهيل الخطباء والأئمة والدعاة، مضيفاً أن من أبرز اهتمامات المعهد في هذه المرحلة تنظيم برامج التحصين والأمن الفكري في مختلف المناطق ومنها فرع منطقة الرياض.
خطباء المساجد
وعن إستراتيجية الوزارة في تطوير أداء خطباء الجمعة والمساجد لاستثمار منبر الجمعة لترسيخ القيم وتعزيز الأمن الوطني، قال د. السديري: خطباء المساجد محل اهتمام وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد وقد ذكرت لكم أن الوزارة سبق أن دشنت قبل أعوام برنامج الأمير نايف -رحمه الله- لإعادة تأهيل خطباء المساجد حيث إننا نملك طاقات رائعة من خطباء المساجد في الوقت الحالي، على الرغم من تفاوتهم في الأداء إلاّ أنهم طاقات جيدة، واستفدنا منهم في برامجنا التطويرية والتأهيلية حيث تم عقد ندوات أولية في المناطق تم فيها اختيار أفضل الخطباء ليتم الاستفادة منهم في عملية التدريب الذاتي، بحيث يكون هناك تدريب ذاتي في كل منطقة من نخبة من هؤلاء الخطباء وهذا هو الذي استمررنا في العمل به؛ لأن هؤلاء الخطباء نعتبرهم نخبة نسعى إلى الاستفادة منهم في التدريب الذاتي لزملائهم من الخطباء الآخرين، ولعلكم لاحظتم خلال السنوات الثلاث الأخيرة تناقص الملاحظات السلبية بشكل كبير على الخطباء، مبيناً أن لديهم ما يزيد على (15000) خطيب يعملون في جميع المناطق، ويرصدون كل جمعة الملاحظات على هؤلاء الخطباء التي تشتمل على الملاحظات الفكرية أو على الأداء أو على المهارات الخطابية، واتضح لنا أنها تتراجع بشكل ملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية، وهذا إنجاز كبير حققته الوزارة بفضل التطوير والتأهيل المستمر لهؤلاء الخطباء، وكذلك الجلوس معهم لمناقشة إستراتيجية العمل، إضافةً إلى ذلك قمنا بتكوين لجان في جميع فروع الوزارة أو في مقر الوزارة الرئيسي للاستفادة من بعض أعضاء هيئة كبار العلماء والاستفادة كذلك من بعض الأكاديميين المتخصصين لتصحيح بعض الأفكار والمسارات وقد نجحنا في ذلك ولله الحمد بنسبة مقدرة، لذلك أصبحنا لا نرصد ملاحظات كبيرة على الخطباء مقارنة بالأعوام الماضية.
موسوعة للخطباء
وسأل الزميل هاني وفا: هل خطبة الجمعة متروكة للخطيب أم هناك توجيهات من الوزارة بشأن موضوعها؟
وأجاب د. السديري: في الأصل أن الأمر متروك للخطيب أن يختار موضوع خطبة الجمعة لأسباب شرعية وواقعية؛ لأن خطب الجمعة تختلف من حي إلى آخر وحسب فئات المجتمع، فهناك حي مشهور مثلاً بنخبة مثقفة من الناس والأكاديميين، وحي آخر مشهور بأن فيه عدداً كبيراً من جاليات معينة، كذلك تختلف الخطبة من قرية إلى أخرى ومن هجرة إلى أخرى، وهذا يعني أن كل مجتمع يحتاج إلى خطاب معين يتناسب مع مستواه، لهذا لا نستطيع أن نوحد خطب الجمعة، وقد يتطلب الموقف أن يطلب من الخطباء أن يتناولوا في خطبهم مواضيع معينة مثل موضوع أمني أو اجتماعي أو قضية من القضايا وفق الإطار الشرعي لخطب الجمعة، على أن يُترك المجال للخطباء لاختيار الأسلوب الذي يتناسب مع المصلين في مسجدهم، وهذا ما يفتح المجال للإبداع، حيث هناك خطباء يبدعون في أسلوب الخطبة بدرجة عالية، مبيناً أنهم حرصوا على الاستفادة من الخطب الجيدة وتوثيقها، مما حدا بهم إلى إصدار موسوعة للخطباء عبارة عن خمسة مجلدات تضم مواضيع عديدة في العقيدة والعبادات والأخلاق والسلوك، وهذه الخطب عبارة عن مواضيع استرشادية لمن أراد من الخطباء الاستفادة منها ويمكنه أن يعود إليها وإعادة إلقائها في منبر الجمعة، مؤكداً على أنه سيتم إنزال هذه الخطب في الموقع الجديد الخاص بالوزارة مع الحرص على تحديث بعضها بشكل مستمر.
الرفع بالرؤية التطويرية للمقام السامي
وحول توظيف التقنية الحديثة في متابعة المساجد والتواصل المستمر مع الأئمة والخطباء قال الشيخ سعد اليحيى: وزارة الشؤون الإسلامية تشرف على العديد من المساجد التي تقدر بعدد (100) ألف مسجد، والخطباء الذين يتم اختيارهم لإلقاء خطب المساجد يتم إخضاعهم لاختبارات معينة قبل تحديد الخطيب والموافقة على قيامهم بإلقاء الخطبة، مضيفاً: لعلكم تدركون أن وزارة الشؤون الإسلامية مثل غيرها من الوزارات الأخرى في الاهتمام بموضوع التقنية واستثمارها في مجال الخطبة، وبناءً على عدد المساجد الموجود في المملكة الآن نستثمر التقنية في حدود المتاح لنا، مبيناً أن التقنية في مجال المساجد مرتبطة بجهات أخرى متخصصة في هذا الجانب، مشيراً إلى أنه فيما يتعلق بموقع الوزارة الإلكتروني فإنه سيتضمن الكثير من الأشياء المتعلقة بخطب المساجد حيث لدينا الآن خطط تطويرية بتطوير معهد الأئمة والخطباء التي تمثل نقلة نوعية، واستطعنا أن نُحدد الرؤية وهي الآن في طريقها إلى المقام السامي، وفي حال الموافقة عليها ستكون هناك نقلة نوعية في هذا الأمر.
وأضاف: الوزارة جهة مثل غيرها من الجهات الحكومية التي يحكمها النظام في عملية الأعمال التي تنجز سواء ما يتعلق بالخطيب أو غيره، وعندما نتحدث عن (100) ألف مسجد فإننا نتكلم عن عدد كبير، وقد أشار د. السديري إلى وجود ما يزيد على (15) ألف خطيب، ورغم هذا العدد الكبير للمسجد وللخطباء الذين يقفون في منابر الجمعة إلاّ أن الوزارة تعمل بكل الوسائل المتاحة لرصد جميع ما يُطرح في هذه المساجد، مؤكداً على أنه ليست هناك ملاحظات ملفتة تصل إلى درجة الظاهرة، وإنما هناك أخطاء قليلة قد لا يتم التطرق إليها في الإعلام، ونحن نقوم بمعالجتها في الحال ويراعى فيها تحقيق المصالح الشرعية والمصالح العامة.
هجمة شرسة
وتداخل الشيخ يزيد الهريش: لسنا مع "تسييس الدين"، فنحن نمثل قبلة المسلمين وحاضنة الحرمين الشريفين ومنبع الإسلام ويحق لنا الدفاع عن ديننا بكل الوسائل، في ظل الهجمة الشرسة ضد الإسلام، ولا يجوز لنا أن نجامل في الدفاع عن ذلك أو نوارب في ذكر الهجمة الإيرانية الصفوية المعلنة ضد المملكة ومنهجها، وذلك بتوظيف جميع الوسائل في ذلك، فالمملكة لديها دعاة في الخارج ولديها مكاتب للدعوة في الخارج ومؤسسات رسمية وشبه رسمية خيرية ودعوية إضافةً إلى طلاب المنح الذين درسوا في المملكة ونالوا أعلى الشهادات حتى وصلوا إلى مراتب علمية متقدمة، وهم الآن في خدمة الدين الإسلامي وخدمة المملكة لقناعتهم بمنهجها ودفاعهم عنه، مبيناً أن المملكة تقوم بحملة مضادة معلنة أو غير معلنة، والمهم أن تكون هناك حملة ضد التحجيم الذي أحدثته أحداث 11 سبتمبر ضد العمل الدعوي بشكل عام، حيث أصبح الاتهام موجهاً ضد المملكة بدعوى الإرهاب وغيرها من الدعاوى المفتراة، ما أدى إلى ضمور كثير من المؤسسات، بل موت بعضها وتشويه المؤسسات القائمة باختطافها من تيارات ليست على مذهب أهل السنة والجماعة وتحمل اسم المملكة.
وعلق د.السديري على ذلك قائلا: الهجوم على المملكة هو هجوم على الإسلام؛ لأنها قبلة المسلمين وحاضنة الحرمين الشريفين، وبالرغم مما نرى من هجوم شرس وحملات مضادة إلاّ أن المملكة -ولله الحمد- أثبتت الأحداث أن لها مواقف كبيرة في العالم الإسلامي، ولديها مكانتها بين جميع المسلمين، وإذا جد الجد رأينا الغالبية العظمى من المسلمين يقفون صفاً واحداً لنصرة المملكة، ورأينا هذه المواقف في العديد من دول العالم الإسلامي، وكذلك في الدول التي فيها أقليات وجاليات مسلمة، وهذا لا يجعلنا نتوقف عن الاستمرار في العمل، ونحن في المملكة أعمالنا التي نقدمها للمسلمين لا تعتمد ردود الأفعال، بل نحرص على ترسيخ أعمالنا التي تقوم على أداء رسالتنا الإسلامية التي أوجبها الله علينا تجاه ديننا وتجاه إخواننا المسلمين وتجاه الإنسانية أجمع، وهذه الرسالة نحن ملتزمون بها ونؤديها عبر جهات حكومية وغير حكومية مختلفة وفق أُطر واضحة لا لبس فيها، وليس لدينا أي شيء يمكن أن نخفيه وعملنا كله في العلن وجميع القطاعات التي تمثل المملكة هي قطاعات حكومية أو قطاعات خيرية تطوعية كلها تعمل من خلال رسالة واضحة وهدفها نشر الخير للإنسانية جمعاء.
ترشيد الكهرباء
وسأل الزميل خالد العويد قائلاً: ما يتعلق بعملية ترشيد الطاقة في المساجد، هناك إحصائية صدرت عام 2013م بأن المساجد تستهلك من الكهرباء ما يستهلكه قطاع التعليم أو ما يستهلكه كذلك القطاع الصحي من الطاقة الكهربائية، فلماذا لا تتم إعادة تصميم المساجد بحيث تتم عملية الترشيد في الطاقة؟
وعلق د. السديري: أعتقد أن الإحصائية التي ذكرت عن استهلاك الطاقة في المساجد غير دقيقة، وكما تعلمون أن لدينا ما يزيد على (100) ألف مسجد وهو مرفق حيوي يستخدمه الناس خمس مرات في اليوم، ولن نجد مرفقاً من مرافق المجتمع يستخدمه الناس مثل مرفق المساجد، وبالرغم من ذلك فإن الوزارة اهتمت بهذا الأمر، حيث لدينا توجه لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية بوسائل مختلفة منها وسائل سريعة، مضيفاً أنه في بعض المساجد الكبيرة تم إيجاد مصلى للفروض الخمس لا يتم استخدام الطاقة فيه بشكل كبير وإنما يقتصر استخدام الإنارة والتكييف في الجزء المخصص للفروض الخمس، وتم كذلك وضع سواتر زجاجية في المساجد الكبيرة من أجل الاقتصاد في استهلاك الكهرباء، كما تم فرض اشتراطات لبناء المساجد بأن يتم استخدام العوازل الحرارية، إضافةً إلى أن لدينا الأبنية الخضراء وبدأنا تعاوناً مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من أجل تنفيذ هذه الأبنية في التصاميم الخاصة بالمساجد التي ستساعد في ترشيد استهلاك الكهرباء.
كود سعودي للمساجد
وعلّق د. حمد العليان قائلاً: فيما يتعلق بعمارة المساجد فهذا هو الدور الرئيسي الذي تقوم به الوزارة، حيث تقوم بعمل مخططات وتصاميم متوافقة مع معايير كود البناء السعودي بما فيها الالتزامات الرئيسة المتعلقة بالعزل الحراري وهذا خاص بالمساجد الجديدة التي يتم بناؤها حالياً باستثناء تلك المساجد القديمة التي تزيد أعمارها على (40) أو (50) عاما، وإذا تم ترميمها يتم إلزام المنفذين على الالتزام بمعايير ترشيد الطاقة ومنها موضوع العزل أو موضوع استخدام الإضاءة الاقتصادية، كذلك هناك أنظمة ولوائح تعطى لإمام المسجد التي تلزمه على أن يلتزم بالأوقات المحددة وكيفية تشغيل المكيفات والإنارة حتى لا تكون مستمرة بعد انتهاء الصلاة، وإنما يجب أن تغلق المكيفات وتطفأ الأنوار فور الانتهاء من الصلاة، مضيفاً أنه فيما يتعلق بالأبنية الخضراء فهذا مفهوم أساسي في البناء الحديث، حيث بدأ تطبيقه في المملكة، ولدينا مشروع كبير عن الأبنية الخضراء سنبدأ بتطبيقه على المساجد بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، كذلك نعمل الآن على إقناع المصممين والمخططين من المهندسين في بناء المساجد بأن يحرصوا على الالتزام بثقافة ترشيد استهلاك الطاقة، ونطلب منهم أن يراعوا مناسبة سعة المسجد لأهل الحي وألاّ يبالغوا في مساحته بأن لا يتم إنشاء مسجد كبير في قرية صغيرة أو في حي صغير، مشيراً إلى أن لديهم جهودا كبيرة بالعمل على تطبيق العزل الحراري بتطبيق العزل الزجاجي الذي حقق نجاحاً كبيراً، وذلك ضمن معايير الكود السعودي بالتعاون مع بعض الجهات من أجل تخصيص كود سعودي للمساجد، وأن يصبح دليلاً للمساجد في جميع أنحاء العالم.
إعادة إحياء المساجد التاريخية
وتداخل د. حمد العليان موضحا أن الوزارة تتعاون مع الهيئة العامة للتراث الوطني من أجل إعادة الحياة لبعض المساجد التاريخية القديمة الموجودة في المملكة، موضحا أنه وبتعاون الوزارة مع فروعها في جميع المناطق استطعنا أن نحصر هذه المساجد التاريخية في جميع المناطق بما يقارب (١٠٠٠) مسجد، وصدر فيها كتاب مطبوع ونعمل كذلك مع هيئة السياحة على ترميم هذه المساجد وإيجاد متبرعين لها، والمسجد الذي يستحق أن يسجل في التراث العالمي ستعمل الهيئة على تسجيله مثل مسجد الشافعي في جدة حيث تبذل الهيئة جهوداً لتسجيله ضمن التراث العالمي لليونسكو، وهناك عدد من المساجد في مدينة جدة التاريخية، وفي محافظة الدرعية يوجد كذلك عدد من المساجد وفي الأحساء.
رؤية 2030م
وعن رؤية المملكة 2030م ودور الشؤون الإسلامية فيها، أكد د. السديري أن وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد هي جزء من منظومة الأجهزة الحكومية، وعندما تم إعلان الرؤية تفاعلت معها الوزارة بشكل مباشر.
وأضاف د. صالح الزهراني: منذ أن تم الإعلان عن برنامج التحول الوطني 2020م ورؤية 2030م بدأت الوزارة في اتخاذ التدابير اللازمة لمواكبة هذه الرؤية، مضيفاً أن الوزارة ليست ضمن الوزارات الـ(24) المنضوية تحت مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في برنامج التحول الوطني، لكنها ضمن بقية الوزارات فيما يتعلق بالرؤية، حيث طلب المجلس من الوزارات التي لا تنتمي له بأن تفصح عن ما لديها من استعدادات وأعمال ومهام، وبدأت الوزارة باهتمامها بالرؤية منذ وقت مبكر من خلال وضع الاستعدادات والتهيئة واتخاذ قرارات بتشكيل فريق للتحول الوطني ورؤية المملكة، وتم ربط الفريق بالنائب وباشر أعماله بوضع الإطار الإستراتيجي للوزارة، مبيناً أنه تم فيه حصر جميع تحديات الوزارة وتطبيق الآليات المتبعة في التخطيط الإستراتيجي والمعتمدة في المجلس الاقتصادي، حيث تم أخذ المعايير المناسبة لمواكبة وحوكمة الأعمال بما يتناسب مع الآلية المتبعة في رؤية المملكة، وبناءً على كل ذلك نظمت عدة ورش على غرار ما ينظم في المجلس الاقتصادي وتضمنت هذه الورش رصد التحديات والفرص، وتم الانتهاء من وضع الاطار الإستراتيجي المتضمن للأهداف الإستراتيجية؛ الرؤية والرسالة ومؤشرات الأداء ثم المبادرات، ونحن الآن في مرحلة صياغة المبادرات وحوكمتها مع متطلبات رؤية المملكة 2030م، وانتهت الوزارة من تأسيس مكتب الرؤية الذي جاء بمرسوم ملكي في جميع الوزارات، ونحن الآن في طور البدء في تشغيل المكتب.
رؤية الوزارة
وأوضح د. صالح الزهراني أن وزارة الشؤون الإسلامية تختلف عن بقية الوزارات في أمرين؛ الأول: إن أغلب الوزارات التي لديها عمل في رؤية المملكة 2030م لديها مثال سابق في العالم يمكن القياس عليه، بينما وزارة الشؤون الإسلامية ليس لها مثال سابق، وفي كل أعمال الوزارة ليست هناك وزارة أخرى تسبقها حتى نعيش مقياساً إقليمياً أو مقياساً عالمياً، وهذا أوجد لدينا تحدياً في وضع المؤشرات، مضيفاً أن الأمر الثاني: إن الوزارة قامت بنفسها بصناعة رؤيتها ولم يتم القيام بمهامها بمساعدة جهات خارجية، بل أعدت فريقاً متكاملاً من الأخصائيين لهندسة الإجراءات، وفي التخطيط الإستراتيجي، وبقيت الوزارة قرابة الثلاثة أشهر تعد هؤلاء الأخصائيين من منسوبي الوزارة الذين تم اختيارهم بناء على برنامج (البنا) وهو برنامج عالمي يقوم باختبار الشخص بناء على ملاءمته فطرياً، وطُبّق الاختيار عليهم بما يعادل (400) سؤال محكم عالمياً ثم اختيار هذا الفريق، ومن المخرجات هو أنه ساهم في إخراج الرؤية الإستراتيجية الموجودة وتم تحكيمها من إحدى الشركات المعتمدة والمعترف بها في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، مبيناً أن الفريق الآن يعمل لإكمال المبادرات ومازالت هناك مراحل متبقية للعمل حتى تخرج مبادرات الرؤية، لافتاً إلى أن مبادرة الوزارة القادمة ستعالج أغلب الإشكالات التي ربما ورد ناقشها أو ذكرها في كثير من الأعمال، وستتناول الرؤية الإستراتيجية حلولاً على المدى البعيد.
برنامج إلكتروني للمساجد
وأكد د. صالح الزهراني على أنه فيما يتعلق بالبرامج السريعة في برامج التحول الوطني التي لا تنفذها الوزارة ولكنها تشارك فيها مثل برنامج الخدمات المشتركة الذي هو من مبادرات الخدمة المدنية، انتهت الوزارة من كل المتطلبات التي تخصها في هذا المجال، كذلك مشروع الملك سلمان للموارد البشرية حيث الوزارة على وشك الانتهاء مما طلب منها؛ لأن هذه المشروعات تابعة لوزارات أخرى، مضيفاً أن برنامج الترشيد التشغيلي والرأسمالي الذي تشرف عليها وزارة المالية مرتبط كذلك بترشيد العمل في المساجد، مبيناً أن التحول الرقمي في الوزارة يقوم به فريق داخلي يعمل على هندسة الإجراءات وفق متطلبات (سجما) المعتمدة في معايير الجودة العالمية اليوم، وقد انتهينا من دليل المساجد، والآن في صدد الانتهاء من دليل المتبرعين، مبيناً أن دليل المساجد هو عبارة عن دليل إجرائي يجعل كل عمليات المساجد إلكترونية من بداية الخدمات المقدمة للعميل أو العمليات التي تتعلق بالمساجد وصيانتها وتصريح الجمعة ونقل الأئمة والخطباء، وترتبط ببرنامج نظم المعلومات الجغرافية، وفيما يتعلق بإدارة المتبرعين فإننا نحرص قدر المستطاع على أن تكون إدارة المتبرعين من أسهل الإدارات إجرائياً، حتى يتمكن المتبرع من إيصال تبرعاته إلى المساجد وفق معايير محددة.
إدارة جديدة «للدعوة الإلكترونية»
أوضح د. صالح الزهراني: أنه فيما يتعلق بموقع الوزارة الإلكتروني فإن هناك بُعدين في هذا الموضوع؛ الأول: هو إعادة تأهيل الموقع بحيث يصبح كافياً لعرض كل الخدمات والمعلومات التي تتعلق بالوزارة على غرار أي موقع حكومي آخر، والثاني: جعل موقع الوزارة موقعاً متفاعلاً وفعالاً يمكن أن يكون مادة جيدة ومثرية لمنتجات الوزارة، مضيفاً: أن الوزارة تستخدم الموقع الإلكتروني في جانبين؛ الأول: هو وسيلة إعلامية محتواها دعوى بالنسبة للوزارة، وهي تقدم محتواها الدعوي من خلال وسائل التواصل الموجودة، وهذا الذي تسعى الوزارة إليه من خلال مبادرات التحول الوطني، مبيناً: أن الوزارة انتهت من إعداد وثيقة كاملة لجانب الدعوة من خلال المنابر الإلكترونية بناء على توصيات ومعطيات الخطة الخمسية السابقة التي كانت الوزارة تعمل عليها، وانتهت الوثيقة ونحن الآن في انتظار صدور المخصصات المالية من الجهات المعنية للبدء في هذا المشروع.
وعلّق آل الشيخ: قبل وقت قريب تم إنشاء إدارة جديدة بمسمى الدعوة الإلكترونية وهي مختصة بهذا الجانب من حيث وضع الأسس واللوائح المنظمة للعمل الدعوي، ولاشك أن العمل الدعوي قائم سواء كان من الدعاة الرسميين في الوزارة والذين نشجعهم على هذا العمل وهذا يعد من ضمن المناشط المطلوبة من الداعية، وهناك عدد من الدعاة الرسميين الذين لديهم مواقع إلكترونية، ولديهم مشاركات في تويتر وغيرها، أو الدعاة غير الرسميين وهم الدعاة الموجودون في الساحة سواء كانوا من المتعاونين مع الوزارة أو غيرهم، وهذا سينظم العمل الدعوي بحيث يكون له ضوابط وآليات ومسارات محددة تصل إلى ثمار وأهداف تصبو إليها الوزارة.
تجاوزات الدعاة «غير الرسميين»
في سؤال عن آلية الدعوة في الخارج، والتعامل مع الدعاة "غير الرسميين" الذين يتجاوزون بعض التعليمات والأنظمة الخاصة بالدول التي تقام فيها هذه المناشط مما ينعكس سلباً على المملكة، وواجب الدعاة المعتبرين في إرشاد الناس وتبصيرهم في أمور دينهم وتعزيز الوحدة الوطنية، وأجاب الشيخ عبدالله آل الشيخ: أن الدعوة إلى الله سواء داخل المملكة أو في الخارج تقوم على العديد من السياسات والآليات الواضحة لدى العاملين في الوزارة سواء ممن يقومون بالعمل الإداري التنظيمي في وضع اللوائح والإجراءات، أو من هم في الميدان ممن هم يقومون بمباشرة العمل الدعوي، مضيفاً أن المشاركين في الدعوة في الخارج من دعاة المملكة لديهم تعليمات أن هذا لا يكون إلاّ بعد التنسيق مع الوزارة والترتيب لمثل هذه اللقاءات إضافةً إلى أن الوزارة تنسق بدورها مع الجهات المعنية سواء المراكز الإسلامية أو الجهات المعنية بترتيب مثل هذه الأعمال، ويتم كذلك تزويد الداعية بالأدوات المهمة لمعالجة المشكلات الموجودة في تلك المناطق ومعرفة أوضاع تلك البلاد من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما يجعل الخطاب الذي يقدم خطاباً مناسباً للمجتمع في ذلك البلد، وبداية لا يكون إلاّ بعد الإذن له من قبل الوزارة، والتنسيق مع الجهات المختصة المعنية بهذا الأمر من أجل أن يكون هذا العمل متكامل الفائدة يراعي الجوانب المختلفة ويراعي كذلك خصائص كل بلد من تلك البلدان، مضيفاً أن العمل الفردي لا يكون وإنما هو عمل مرتب وبحسب الحاجة، وأغلب الدعاة من أبناء تلك البلاد وهم الذين يشاركون في إقامة المناشط الدعوية لأنهم الأعرف والأدرى باحتياجات بلادهم، وتستصحب ذلك مشاركة الوزارة ودعاة الوزارة ضمن هذه الآليات التي تنظم مثل هذه الأعمال.
وبيّن آل الشيخ: فيما يتعلق بموضوع الدعاة وواجبهم في ترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية فإن الداعية يعد جزءاً من هذا المجتمع، وهو يرى ويسمع المشكلات الموجودة في المجتمع وهو مشارك في جميع الحياة اليومية، ومشاركته في حل هذه المشكلات من خلال التفصيل العلمي الشرعي الصحيح الذي ينطلق من خلال الثوابت الصحيحة وأن يدعو إلى الله بعلم، وأن يراعي ما يناسب المجتمع والمستويات العلمية التي يخاطبها، وأن يكون هذا الخطاب مناسباً لحال هؤلاء المتلقين بحسب اختلاف أعمارهم السنية ومستوياتهم وواقعهم الاجتماعي، وهو بحاجة في كل وقت أن يؤكد مثل هذه الأمور، وأن تكون مشاركته فاعلة حتى يصل الخطاب إلى المتلقي، لافتاً إلى الثمرة المرجوة من هذا الخطاب الديني المتوازن الذي يراعي المصالح والمفاسد والسياسات الخاصة بالبلد، ويراعي كذلك تطلعات ولاة الأمر وهذا محكوم بالضوابط الشرعية المعتبرة.
حول تجديد وتطوير الخطاب الديني قال د. السديري: إن الخطاب الديني يتعلق بمسألة تجديده حيث ينقسم إلى شقين: الأول: يتعلق بالمضمون، والثاني: يتعلق بالوسائل، ومما لاشك فيه أنه لا أحد يختلف في أننا بحاجة دائمة ومستمرة إلى تطوير وتجديد الوسائل الخاصة بالخطاب حسب مقتضيات ومتطلبات كل عصر من العصور، ذاكراً أنه ما كان يصلح لآبائنا وأجدادنا من وسائل قد لا يصلح اليوم، وما نستخدمه نحن في الوقت الحاضر قد لا يصلح لاستخدامه من قبل الأجيال القادمة، ولعلنا نلاحظ النقلة الكبيرة التي طرأت في الوسائل خلال العقدين الماضيين، لافتاً إلى أن الخطاب الديني من حيث المضمون ليس بحاجة إلى تجديد وإنما نحتاج إلى إرجاعه لأصله الحقيقي، وأنا لا أتحدث عن المملكة وإنما الأمر يشمل جميع العالم الإسلامي ككل، حيث حدث ما يمكن أن نسميه باختطاف الخطاب الديني من قبل توجهات فكرية معينة سادت عبر أربعة عقود من الزمن، إذ أصبح هو المسيطر على القاعدة الشعبية في العالم الإسلامي، لذلك نحن محتاجون إلى أن يعود إلى أصله ومنبعه وهم العلماء الراسخون في العلم في جميع البلدان الإسلامية.
وشدّد على أننا نحتاج إلى المزيد من العلم الشرعي، ولسنا بحاجة إلى عاطفة وحماس كما كنا في عقود سابقة، ملمحا الى خطورة إبعاد العلماء الحقيقيين عن الشباب وتولي القيادة الفكرية شخصيات غير مؤهلة.
طرح الزميل صالح الحماد سؤالاً قال فيه: شهدنا في الآونة الأخيرة دخول بعض خطباء الجمعة في مواجهات مع بعض فئات المجتمع، حتى وصلت القضايا إلى المحاكم، فما رأيكم في ذلك وما هي أسبابه، وماذا عملت وزارة الشؤون الإسلامية من أجل تفادي ذلك مستقبلاً؟
وأجاب د. السديري: المجتمع السعودي مجتمع حي ومتطور وأغلبيته الآن هم من فئة الشباب، وهذا يعني بالضرورة وجود تسارع في كل مجالات الحياة ومنها المجال الفكري، ولا يمكن أن نتجاهل وجود تيارات فكرية مختلفة في المجتمع، وهذا أمر طبيعي نجده في المجتمعات البشرية وليست المملكة، لكن نحن في الوزارة أو من خلال سياسة الدولة بشكل عام نقف ضد تصفية الحسابات بين التيارات الفكرية المختلفة داخل المؤسسات الدينية أو داخل المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخيرية وتحديداً المساجد ومنابر خطب الجمعة، بل ولا نسمح أن يكون هذا المنبر وسيلة لتصفية الحسابات والتصادم بين التيارات، لهذا يجب أن يتحول هذا المنبر إلى وسيلة لرأب الصدع بين فئات المجتمع وتوحيد الصف ووحدة الكلمة، وإذا ثبت وجود دعاة أو خطباء من يسير في هذا المسار فإن الوزارة تحاسب بشكل حاسم وحازم دون هوادة، وأن العقوبة لا تفرق بين منسوبي الوزارة وغيرهم في هذا الشأن، ولا نسمح لأحد باستخدام المنبر الديني في مثل هذا الأمر.
قال د. توفيق السديري: إن مشروع النظام الجغرافي الخاص بالمساجد مشروع جبار، وقطعنا فيه مرحلة متقدمة، وتم تنفيذه عبر مراحل متعددة، واستطعنا أن نكمل العمل في منطقة الرياض، وتم العمل في بقية المناطق بدرجات متفاوتة من (20- 35%)، وهو نظام يغطي جانباً كبيراً من المساجد، وبالإمكان متابعة أي مسجد تقنياً دون أن نحتاج إلى الانتقال إليه، مضيفاً أن الهدف من المشروع هو ربط جميع المساجد جغرافياً بغرفة عمليات في الوزارة أو غرفة عمليات في الفروع تتبع للغرفة الرئيسة في الوزارة، وتتم الاستفادة من خلالها في عملية الصيانة ومتابعة المساجد آلياً، وكذلك متابعة المساجد بالكاميرات أمنياً من أجل الحفاظ على المسجد وراحة مرتاديه، مبيناً أنه تم مسح وحصر جميع المساجد من قبل فرق عمل من الشباب السعودي وتحديد الإحداثيات، وإدخال جميع المعلومات الأولية في الموقع الإلكتروني، مشيراً إلى أنه إذا توفرت الإمكانات المالية للمشروع فإنه سيحقق نقلة في عمل الوزارة في تخفيف عمل الرقابة والإسراع في الصيانة والمتابعة بأنواعها المختلفة سواء كانت فنية أو مالية أو إدارية أو أمنية، وسيكون هناك عمل ميسر باستخدام التقنيات الحديثة بأقل جهد وبأقل تكلفة ممكنة، مؤكداً على أن جميع مساجد المملكة سيتم إدخالها في مشروع البرنامج الجغرافي.
وأضاف الناصر: فيما يخص مدينة الرياض تم استكمال ترقيم جميع المساجد، كذلك تم حصر ما يتعلق بها من بيانات ورفع ذلك إلى المقام السامي لإدراجها ضمن البرنامج، إضافةً إلى ذلك تم التنسيق مع الحاسب الآلي لإجراء اللازم، وبهذا يمكن أن نحصل على كل المعلومات الخاصة بالمسجد من حيث الموقع والإمام والمؤذن والمؤسسة المشرفة والبيانات الخاصة بالمتابعة والصيانة والأنشطة التي تقام داخل المسجد.
أوضح د. السديري في إجابته على سؤال للزميل الغنيم حول محاولة بعض الخطباء "تسييس" منبر الجمعة والخروج به عن دوره الأساسي وتحويله إلى ما يشبه نشرات الأخبار، أوضح: أن هذا من أهم التحديات التي واجهوها خلال السنوات الماضية، إذ إن خطبة الجمعة عبادة والعبادات توقيفية وتؤخذ فيها ما ورد عن الشارع وما جاء به الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، لذلك فإن الاجتهاد في مضمون خطبة الجمعة وفي أسلوبها وفي أدائها غير متروك للخطباء ولا للوزارة كذلك؛ لأننا جميعاً محكومون بالشرع، وبالتالي فإن الانحراف الذي تم في فترة من الزمن وضع الوزارة أمام تحد كبير، وبفضل الله استطاعوا تجاوز هذا التحدي بدرجة كبيرة، ولم يعد هناك الخطيب "المسيّس" الذي يقف على المنبر كأنه يقرأ نشرة أخبار بهدف إثارة الناس، واستطرد قائلا: لا ننكر أن هناك بعض التجاوزات التي نعمل على معالجتها بين الفينة والأخرى بالحكمة، والحمد لله لم تعد هذه الملاحظات ظاهرة أبداً في منبر الجمعة، مبيناً أن لديهم رصد لما يتم عبر منابر الجمعة من خلال مسارات مختلفة سواء عبر مراقبي الوزارة أو عبر ما يردهم من ملاحظات عقب صلاة الجمعة مباشرةً، حيث كثيراً ما نتلقى الملاحظات من المواطنين والمقيمين على مساجد معينة، مشيراً إلى أن هناك ملاحظات تصلهم عبر ما يُنشر في وسائل الإعلام من صحف أو مجلات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتفاعلون مع الجميع مباشرة وربما بعد الخطبة، وبالتالي تتم المعالجة الآنية للمشكلة إذا حدثت، مؤكداً على أن المشكلات والملاحظات في هذا الجانب بالذات تضاءلت بدرجة كبيرة ولله الحمد.
وكالات-