يعجب الإنسان من جرأة المُسترزقة -من شيوخ ما يطلبه المستمعون- على دماء المسلمين. فعلى مدى عقود طويلة، والقرضاوي -شيخ شيوخ ما يطلبه المستمعون- لم يترك فرصة ولا حالة ولا مناسبة تسفك بدماء المسلمين إلا وانتهزها فامتطاها مدعياً الشجاعة على حساب دماء المسلمين. ولم لا، وهو يزمجر ويرعد بعيداً عن أرض القتال والمآسي والآلام. فالقرضاوي يدرك سذاجة جمهوره، فهم لا يسألون عن الدليل في الأحكام الشرعية، ولا يحاكمونه عند إقحامه المسلمين في المهالك.
فما أرخص دماء المسلمين عند القرضاوي طالما أنه في قطر منذ 1961م ينعم بالأمن والسلام ويتلذذ بالزواج من الصغيرات، ويتذوق لذيذ طعم المنح والعطايا الجزال. فالقرضاوي هو من طبل وصفق لآيات قم ودافع عن عقائد الصفوية في إيران عند نجاح الثورة الخمينية في الثمانينات. والقرضاوي هو من أكبر المطبلين والداعين للعمليات الانتحارية، وهو من دفع بالفتن في العراق. ولم تأت رياح الثورة المصرية حتى أفتي بوجوب الخروج فيها، افتئاتا على أهلها وعلمائها، غير مكترث بما قد تنتهي إليه الأمور. والحمد لله أن لطف الله قد كان حاضرا وأن الأمور قد انتهت إلى ما يحبه الجميع، ولم يضر القرضاوي موقفه الأسود، كما لم تضره مواقفه في الثمانينات عندما صف ضمن صفوف شياطين قم، كما لم يضره تحريضه على العمليات الانتحارية رغم انتشارها في العالم وتحريضه على الفتن في العراق.
راهنت مدرسة القرضاوي على دماء المسلمين في الربيع العربي وربحت الرهان وقتها، فسجلت مواقف سياسية إيجابية دفعتها إلى قمة المرجعية الإسلامية إلى اليوم رغم ظهور فشل الثورات ومآسيها.
مدرسة القرضاوي مدرسة باهرة الأضواء قوية التأثير، ولكنها قصيرة الأمد. فهي قائمة على شخص سياسي يحكم في الدين برأيه بما يلامس به عواطف الناس. والمدرسة اليوم تبحث عن خليفة له، ففلسفتها تدور حول التسليم لشخص والتفاف الأتباع حوله وتكون آراؤه المجردة وكأنها وحي من الله. إلا أن أقواله لا تدوم بحسب دستور المدرسة الذي لا يرى أي مرجعية لقول أحد، حتى الكتاب والسنة ويستشهدون استشهادا محرفا بفعل عمر الفاروق. وقد كذبوا على الفاروق، وحاشاه. فالفاروق لم يكن يستخدم قياس الشبه الصوري الباطل المذموم في القرآن، كما يفعلون هم. الفاروق رضي الله عنه فرق بين الغاية والوسيلة، فما حُرم أو شُرع لذريعة توسله لغاية مطلوبة أو منهية، يعيده الفاروق لحكم الرحمن الأول، على البراءة الأصلية.
د. حمزة السالم-الجزيرة السعودية-