دعوة » مواقف

أزمة قطر انعكاس للعلاقات المعقدة بين الخليج والإخوان

في 2017/07/05

ميدل إيست آي- ترجمة وتحرير شادي خليفة -

في العقود الأولى لثورة النفط والغاز في منطقة الخليج العربي، احتاجت قطر، مثل باقي دول مجلس التعاون الخليجي، إلى المنفيين والمطاردين من جماعة الإخوان المسلمين، الذين هربوا من قمع «جمال عبد الناصر» في مصر، من أجل نقل العلوم والكفاءات وإدارة تطوير وتنمية البلاد.

وخلال تلك العقود التي تلت ذلك، تباينت العلاقة بين أنظمة تلك الدول وبين الجماعة تبعًا للمسموح به من الحراك السياسي للجماعة داخل كل دولة. وأصبحت أنظمة، مثل السعودية والإمارات، تنظر للإخوان المحليين كتهديدٍ لوجودها. بينما مالت دول أخرى للعمل جنبًا إلى جنب مع الإخوان المسلمين بشكلٍ انتقائي، مثل قطر، والتي ترى فيهم تعزيزًا لنفوذها الاجتماعي، بدلًا من كونهم تهديدا لوجودها.

وربما بسبب عدم وجود انفتاحٍ سياسي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الرضا العام عن النظام السائد، لم يصبح القطاع الإسلامي في قطر نشطًا سياسيًا في أي نوع من أنواع حركات الإصلاح.

وعلاوةً على ذلك، لأنّ الحكومة كانت علنية في الاعتراف بالحاجة إلى الإصلاحات الديمقراطية، كانت هناك مساحة أقل للإخوان، أو غيرهم للتحريض في هذا الأمر. وقد دفعت هذه العلاقة، التي تخلو من المواجهة، الحكومة إلى قبول المزيد من الإخوان، سواء في الداخل أو الخارج.

سياسات قطر في الخارج

دعمت الحكومة القطرية الحركات الإسلامية في الخارج، إلى حدٍ كبير، لتعزيز نفوذ البلاد على الصعيد العالمي، بدلًا من الترويج لأيديولوجية خاصة محددة. وفي الواقع، إذا كانت الحكومة القطرية تأمل حقًا في تعزيز الأيديولوجية الإسلامية، لكانت فعلت ذلك محليًا. بدلًا من ذلك، ترتبط رغبة قطر في التعامل مع الإخوان في الخارج ارتباطًا وثيقًا برغبتها في التميز عن السعودية.

وكان هذا الأمر مهمًا بصفة خاصة للشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني» (الذي كان أميرًا للبلاد بين 1995 و2013)، حيث دعم السعوديون محاولة انقلابٍ ضده عام 1996. وقد سمح دعم جماعة الإخوان المسلمين، أو على الأقل عدم التصادم معها، لدولة قطر بأن تميز نفسها عن المملكة.

وكانت سياسات قطر خلال الربيع العربي، أول بذور الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي عام 2014، وعاملًا مساهمًا في الأزمة الجديدة، وأدت إلى انفصالها عن دول الخليج المجاورة التي تبنت مواجهة الثورات الشعبية في المنطقة.

واعتُبرت قطر أول دولة تمنح اعترافًا رسميًا بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي يقوده المعارضون، وأرسلت 6 طائرات مقاتلة للمشاركة في حظر الطيران الذي قاده حلف الناتو في مارس/آذار عام 2011.

كما أثارت قطر جدلًا بدعم الإسلاميين الليبيين، حيث استضافت عدة شخصيات إسلامية رئيسية، معظمها من الجماعة الإسلامية، وأبرزها «علي الصلابي». وقد تكون الصلة مع «الصلابي»، الذي عاش في قطر لما يقرب من 10 سنوات، وشقيقه «إسماعيل»، الذي قاتل أيضًا مع القوات التي تمولها قطر في ليبيا، «شخصية أكثر كونها أيديولوجية».

كما كان لتأييد قطر للإسلاميين الليبيين أثر على الأزمة السورية، حيث ذهبت المساعدات إلى سوريا من خلال المعارضين الليبيين السابقين الذين تولوا السلطة في عهد ما بعد «القذافي». كما دعمت الحكومة القطرية جبهة النصرة وحركة أحرار الشام، مع الحفاظ على هدفها الأساسي ضد «بشار الأسد»، بدلًا من الترويج لأي كتلة سياسية.

وكانت قطر، على الرغم من كونها عضوا صريحا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أقل نشاطًا على أرض الواقع في الأعوام الأخيرة.

وكان دعم قطر لحكومة «محمد مرسي» التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين في مصر في الفترة من يونيو/حزيران عام 2012 إلى يوليو/تموز عام 2013، دليلًا واضحًا على ميولها الإسلامية. وخلال السنة التي كان فيها «مرسي» في السلطة، منحت قطر أو أقرضت 7.5 مليار دولار لمصر. ومع ذلك، حرصت قطر على ألا يكون دعمها لجماعة الإخوان المسلمين في حد ذاتها، بل للحكومة المصرية المنتخبة شعبيًا.

ومنذ سقوط «مرسي» في يوليو/تموز عام 2013، أوقف النظام العسكري في عهد «عبد الفتاح السيسي» المفاوضات بشأن شراء الغاز الطبيعي القطري، بالإضافة إلى رده لوديعة قطرية بلغت 2 مليار دولار كانت قطر قد أودعتها في البنك المركزي للدولة بعد فترة حكم «مرسي».

وفي الوقت نفسه، وافقت السعودية على مساعداتٍ بقيمة 5 مليارات دولار، ومساعدات بقيمة 3 مليار دولار من الإمارات لمصر في يوليو/تموز عام 2013، عقب الإطاحة بـ«مرسي» مباشرةً. كما صدق «السيسي» على معاهدة تثير الجدل حول نقل جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للسيادة السعودية.

وبينما ازدهرت العلاقات بين المملكة والإمارات ومصر، تم عزل قطر على أنّها «دولة إخوانية صغيرة»، واستخدمت البحرين والسعودية والإمارات هزيمة الإخوان في مصر لعزل قطر عن مجلس التعاون الخليجي لأول مرة عام 2013.

بداية جديدة؟

وتحت قيادة الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، الذي تولى السلطة بدلًا من أبيه في يونيو/حزيران عام 2013، بدأت العلاقة تتحسن بين قطر والسعودية، على الأقل في البداية.

ومن الجدير بالذكر أنّ أول رحلة قام بها الشيخ «تميم» إلى الخارج كانت إلى الرياض. كما انضم إلى شروط اتفاقية مجلس التعاون الخليجي الموقعة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، والتي طالبت قطر بعدم دعم «أي شخص يهدد أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي سواء كجماعاتٍ أو أفراد، عن طريق العمل الأمني ​​المباشر أو من خلال النفوذ السياسي، وعدم دعم وسائل الإعلام العدائية».

وأدى الفشل المتصور في الامتثال لهذه المطالب إلى سحب سفراء البحرين والسعودية والإمارات من قطر في مارس/آذار عام 2014، ولم يعودوا سوى في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، بعد أن طردت قطر سبعة من كبار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وتعهدت بـ «وقف الهجوم على مصر عبر بث قناة الجزيرة».

ومنذ تنفيذ هذه الصفقة وحتى الشهر الماضي، بدا أنّ العلاقات تتحسن بين قطر والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ عام.

وفي الواقع، بعد زيارة الشيخ تميم الأولى للرياض، وفي مواجهة اتهاماتٍ من الحكومة المصرية في فبراير/شباط عام 2015 بدعم قطر للإرهاب في ليبيا، دافع «عبد اللطيف الزياني» أمين عام مجلس التعاون الخليجي عن قطر، قائلًا أنّ هذه الاتهامات «لا أساس لها من الصحة، وتتناقض مع الواقع، وتتجاهل الجهود الصادقة التي تبذلها قطر ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية في مكافحة الإرهاب والتطرف على جميع المستويات».

كما استضافت المملكة العربية السعودية خلال فترة الانفراج الاتحاد الدولي للعلماء المسلمين برئاسة الشيخ «يوسف القرضاوي» لعقد المؤتمر الإسلامي في فبراير/شباط عام 2015. ومع ذلك، صُنف الاتحاد كمنظمة إرهابية في القائمة الصادرة مؤخرًا عن مجلس التعاون الخليجي. وفي وقتٍ سابقٍ من الشهر نفسه، ذكر وزير الخارجية السعودي «سعود بن فيصل» أنّ حكومته «ليس لديها مشكلة مع الإخوان المسلمين».

وكان يُعتقد مع قدوم الملك «سلمان»، الذي جاء إلى السلطة في يناير/كانون الثاني عام 2015، أنّه سيكون هناك انفراجة بشأن قضية الإخوان، مما يُمكن قطر والسعودية من تعزيز علاقاتهما.

عودة الصدع

ومع ذلك، وعلى مدى عام 2017، تراكمت التوترات بين قطر وجيرانها، مما أعاد القضايا القديمة من عام 2014 إلى الواجهة.

فعلى سبيل المثال، استضافت قطر في مايو/أيار اجتماعًا لحركة حماس، حيث أسقطت الجماعة علنًا ​​أي صلة لها بجماعة الإخوان المسلمين، وعرضت برنامجًا سياسيًا يهدف إلى تخفيف صورتها، بما في ذلك قبول الدولة الفلسطينية على حدود 1967. ولم يسلط هذا التحرك الضوء على التأثير السياسي للإسلاميين فحسب، بل أيضًا على الطريقة التي وجدت بها قطر موطئ قدمٍ في القضايا الإقليمية الحرجة من خلال توفير ملاذٍ للسياسيين التنفيذيين.

كما لم تساعد تصريحات وزير الخارجية القطري الشيخ «محمد بن عبد الرحمن آل ثاني» منتصف شهر مايو/أيار، والتي دعمت المفاوضات بين دول مجلس التعاون الخليجي وأكدت مجددًا أنّ قطر لا تعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابية أو محظورة، في تخفيف التوترات القائمة.

وشجعت زيارة «ترامب»، الذي تفكر إدارته في تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، إلى الرياض وتبنيه الأجندة السعودية في المنطقة، على تصعيد المملكة لخطابها المناهض لسياسات قطر.

وجرت أحاديث حول اتفاقٍ بين «بن سلمان»، ولي العهد الذي ارتفعت أسهمه، و«ترامب» على تصنيف الجماعة كتنظيمٍ إرهابي، وتحدث مع «ترامب» على علاقة بين «بن لادن» والجماعة.

لماذا يمثل الإخوان مشكلة لدى السعودية والإمارات

في حين يرى القطريون أنّ الجماعات المرتبطة بالإخوان شركاء سياسيين محتملين، يراها الإماراتيون والسعوديون تهديداتٍ وجودية، بسبب نزعتها تجاه الإصلاحات السياسية.

وللحفاظ على موقفهم، كان الإخوان في المملكة حريصين على التميز عن جماعات الإخوان المعارضة في أماكن أخرى من المنطقة، وخاصةً في أعقاب الربيع العربي، وأصروا على أنّهم موالون للأيديولوجية السنية للإخوان المسلمين، المتماشية في جوهرها مع أسلمة المجتمع من خلال الحكومة، وليس كمنظمة عابرة للحدود.

وتعلن هذه الأيديولوجية أساسًا أنّ الإسلام ينبغي أن يحكم السياسات الحكومية، وتنظر إلى المشاركة في الانتخابات كوسيلة حاسمة لغاية أسلمة المجتمع.

وبغض النظر عما إذا كان الإخوان محظورين داخل الخليج، وبغض النظر عما يحدث لدولة قطر، فمن المرجح أن يظل دعم هذه المعتقدات قائمًا. وفي الوقت نفسه، سيواصل قادة المملكة والإمارات تبني الشكوك تجاه جماعة الإخوان لثلاثة أسباب رئيسية. أولها أنّها لا يمكن شراء أيديولوجيتها. والثاني جذور الجماعة العابرة للحدود الوطنية. والثالث صلاتها مع الحركات المحلية الداعية للإصلاح السياسي خلال الربيع العربي.

ومن ثمّ، فإنّ الوصول إلى أرضٍ وسطى، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع جماعة الإخوان والمنظمات الإسلامية ذات الصلة بها كان أمرًا صعبًا، ويجعل حل الأزمة الحالية بعيد المنال.