دعوة » مواقف

القوانين وحدها لا تقضي على «فوضى الإفتاء»

في 2017/07/14

حسام محمد- الاتحاد الاماراتية-

زادت في الفترة الأخيرة ظاهرة الإفتاء دون علم لدرجة اضطرت الكثير من الدول العربية والإسلامية إلى سن قوانين تمنع الإفتاء دون الحصول على ترخيص، خاصة بعد أن أصبحت ظاهرة الإفتاء دون علم كالمرض الفتاك الذي ينهش في جسد الأمة حيث تتناقل الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفتاوى الشاذة والغريبة على لسان من يدعون العلم الشرعي وتثير جدلا واسعا بين عامة المسلمين خاصة أنها لا تمت لأساس الدين بصلة، وهكذا أضحى شرع الله لدى الجهلاء لقمة سائغة فيحللون الحرام ويحرمون الحلال دون الاستناد إلى أسس دينية قبيل الإفتاء في أي موضوع ورغم صدور قوانين تحريم تلك الظاهرة إلا أن الفضاء الإلكتروني مازال يحمل لنا كل يوم فتاوى شاذة وغريبة.

الإفتاء بغير علم

بداية، يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق عضو هيئة كبار العلماء: لابد أن يعي كل مسلم أن من يفتي من دون أي خلفية دينية وبدون علم فقد تجرأ على الله، ورسوله إذ يجر الناس إلى الهاوية واقتراف الأخطاء لأن مرجعه كان مستندا على فتوى شخص ليس لديه أي خلفية فيما يقول. يقول الله تعالى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ»، (النحل: 116)، والآية معناها واضح للغاية أي لا تحللوا وتحرموا بغير الاستناد إلى دليل واضح فهو يعد كذبا واضحا وصريحا يقترفه المرء في حال أفتى بجهل ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار»، وهو تحذير لخطورة نشر الكذب والافتراءات التي تمس الدين، خاصة مع انتشار بعض الأحاديث المغلوطة وغير الصحيحة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات.

وحول كيفية مواجهة تلك الفتاوى الشاذة والغريبة وهل القوانين تنجح في هذا الأمر يقول د. واصل: في البداية لابد أن نوجه مناشدة إلى أصحاب الفضائيات بعدم فتح الباب إلا لمتخصص حتى إذا أخطأ يمكن الرجوع للمؤسسة التابع لها لمراجعته، ولا تستغل الفضائيات الفتاوى في جذب المشاهدين وبالتالي جلب الإعلانات، حيث تقوم هذه القنوات بالمتاجرة بالدين من أجل الإعلان لأنهم يعلمون أن المشاهدين يحبون المادة الدينية ويجتمعون حول التلفاز لمشاهدة البرامج الدينية، مشيراً إلى أن أي متخصص يفتي قد يخطئ ويمكن أن تراجعه مؤسسته العلمية التي ينتمي إليها، على عكس هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم أنهم دعاة وليس هناك من يحاسبهم خاصة وقد أوضحت الصورة في الفترة الأخيرة أن هذه الفضائيات لا يعنيها بث الفكر الديني الصحيح بقدر ما يعنيها رفع نسبة المشاهدة والأرباح وهذه النسب لا تتحقق إلا من خلال الإثارة التي يقوم بها هؤلاء الدعاة، ونحن لا ننكر على أحد أن يقوم بالدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولكن ليس معنى ذلك أن تصبح الدعوة مستباحة لكل من يجد نفسه متميزاً بلباقة الحديث أو قارئاً لبعض الكتب فينصب نفسه داعية ومفتياً ويجلس ليحلل ويحرم دون وعي بأصول الأحكام وتخريجاتها وتشريعاتها، فهذا أمر من شأنه أن يؤدي إلى بلبلة دينية كبيرة داخل المجتمعات الإسلامية.

فوضى الفتاوى

ويقول الدكتور حامد أبو طالب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: المفتي هو الناطق باسم الله تعالى على الأرض لهذا يجب أن ندرك أن فتح مجال الفتوى أمام الجميع بصرف النظر عن مؤهلاتهم وعلمهم أمر ينطوي على خطر حقيقي، ويؤدي إلى ارتكاب أخطاء في الدين، وإلى ضياع التعاليم الإسلامية، ونشر البلبلة بين المسلمين، ومن ثم يحدث فساد داخل المجتمع والمتابع للساحة الإسلامية سيكتشف أن الفتوى أصبحت مباحة لكل من هب ودب على الساحة الإسلامية وأصبحت الأمة اليوم تعيش حالة بلبلة دينية شديدة بعد أن كثرت الفتن في مجتمعاتنا وانتحل أنصاف المتعلمين الدعوة ونصبوا أنفسهم قضاة وأصحاب رأي كل هذا رغم ان الأصل أنه لا يفتي أحد إلا إذا كان من أهل للفتوى وإذا أفتى شخص ليس أهلاً للفتوى وجبت محاسبته ومنعه بعد ذلك، أما إذا كان أهلاً للفتوى وأخطأ في اجتهاده فهذا وارد ولكن يجب ألا نقره على اجتهاده ولابد من محاسبته من قبل العلماء ورده إلى الصواب بالحسنى. يضيف د. أبو طالب: اليوم نحن أمام ظاهرة خطيرة للغاية ألا وهي انتشار الفتاوى فإذا أغلقنا أمامهم الفضائيات دخلوا لنا من مواقع الإنترنت وإذا أغلقناها أمامهم تسربوا للجسد الإسلامي عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي بالفتاوى الشاذة والغريبة بعد أن أضحى شرع الله في يد بعض الجهلاء والمستهترين بالدين فيحلون الحرام ويحرمون الحلال من دون علم ولعل كل هؤلاء الذين يفتون دون علم لم يسمعوا عن قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما قال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله مالا أعلم؟ ولهذا فلابد أن ندرك خطورة الإفتاء دون علم كونه افتراء على الله فهو مانع للفلاح وسبب للعذاب، يقول القرآن الكريم: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ»، (النحل: 116). وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية يدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله أو حرم شيئا مما أباح الله بمجرد رأيه، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في حفظ اللسان فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».

وحول كيفية مواجهة تلك الظاهرة يقول د. أبو طالب: نحتاج بالإضافة إلى القوانين حملات توعية حتى لا يقبل الناس الفتاوى إلا من علماء المؤسسات الدينية المعتبرة وهي كثيرة والحمد لله في مجتمعاتنا الإسلامية.

 الحد من الظاهرة

يقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: بلا شك فإن الفتوى من دون علم حرام شرعا يقول الله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»، (الأعراف: 33) والفتوى كما نعلم بيان لحكم الله عز وجل في الوقائع والأحداث والمفتي بغير علم واقع في كبيرتين عظيمتين. الأولى الجرأة بالكذب والافتراء على الله، ويقول على الله مالا يعلم وقد قرن الله تعالى تحريم ذلك بتحريم الإشراك به مما يدل على عظم ذنب من قال على الله ما لا يعلم مما يدل أيضا أن التجرؤ على الإفتاء دون تأهيل علمي يعد من الكبائر ولا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا إذا استند إلى خلفية دينية فقهيه وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتدافعون الفتوى أي لا يفتون لمعرفتهم بخطورة الفتوى في أي أمر.